المحتوى الرئيسى

نزهي غليوم يكتب: المسكوت عنه فى دمج شركات التأمين الحكومية

09/25 10:46

كشفنا فى مقالنا السابق فى 4 / 9 / 2016 بعض الحقائق المسكوت عنها فى دمج شركات التأمين الحكومية لأن ما يحتاج للكشف أكثر مما تتسع له الصحف وقد لا يناسبها لأنها تتضمن تفاصيل فنية ومحاسبية وقانونية تخص أثر الدمج على الشركات المدمجة والدامجة والذى كان وبالا على الكل.

كذلك أثره على العاملين وحقوقهم وصراعاتهم التى نشأت، وعلى الكيانات التى أنشئت وأدائها ومعاناتها وتكاليفها، ومقارنة المخطط «الوردى» عند الإعلان عن الدمج والمحقق وما هو قائم الآن والذى يكشف «عشوائية» القرارات التى لن يتم الوقوف على أبعادها إلا بفتح ملف الدمج خاصة بعد هذه السنوات التى مضت لتقييمه وتصويب ما يمكن تصويبه.

وسنتناول هنا ما يخص تأمين المسئولية المدنية الإجبارى على السيارات، الذى كان له الدور المحورى فى تقييم شركات التأمين وسنكتفى بثلاث نقاط :

أولا: التأمين الإجبارى قبل القانون 72 لسنة 2007:

كان القانون 652 لسنة 1955 هو السائد، وكان يشمل التعريفة واجبة التطبيق، والتى تمت زيادتها عدة مرات بما يناسب زيادة قيم مبالغ الأحكام التى كانت تقضى بها المحاكم وذلك حتى عام 1987، إذ لم تتم زيادتها حتى 2007، ومع زيادة مبالغ الأحكام كان من الطبيعى أن تزيد معدلات الخسائر التى تحملتها شركات التأمين الحكومية فقط، فقد امتنعت شركات القطاع الخاص عن تقديم هذة التغطية رغم أنها كانت ضمن ترخيصها.

ورغم مطالبات شركات التأمين الحكومية بإعادة النظر فى التعريفة المعمول بها حينذاك لكنه لم تكن هناك أى استجابة من جانب الحكومة حتى عام 2007 الذى شهد تحولا عجيبا بصدور القانون 72 /2007 على نحو عاجل، وسنتناوله لاحقا ومنذ ذلك التاريخ وجدنا صراعا وتكالبا من جميع شركات التأمين للتواجد بوحدات المرور، بل وجدنا الشركات تلجأ لوسطاء التأمين لجلب أكبر حصة ممكنة من الأقساط وما لحق ذلك من تجاوزات، ولم لا؟ فقد أصبح هذا الفرع من التأمين من أكثر الفروع ربحية وجلبا للسيولة السريعة للشركات وحساب الإيرادات والمصروفات لهذا الفرع يشهد بذلك.

ولرب قائلٍ أليس ذلك من إيجابيات القانون 72؟، ونجيب، بل ذلك يكشف أبعاد الكارثة على المجتمع وحقوق المؤمن لهم والمستفيدين من التأمين التى تم سلبها لحساب الشركات التى لم تعى دورها الاقتصادى والاجتماعى وسعدت بأرباح ليست من حقها ولن تدوم وهو ما سوف نوضحه.

فى إيجاز، كانت التغطية التأمينية وفق القانون 652 /1955 هى تعويض المضرور عما لحق به من أضرار عن حادث سيارة من الغير بدون حد أقصى للمسئولية، وللحصول على التعويض كان يلزم ثبوت المسئولية الجنائية بحق المتسبب فى الضرر ثم المطالبة بالحق المدنى، وذلك بالطبع كان يستغرق سنوات عديدة وبالتالى يلحق بالمضرور ضرر إضافى.

أما بالنسبة لشركات التأمين الحكومية، فكان تفاقم معدلات الخسائر الذى تحملته عن اضطرار- وتخيل كيف سيكون الأمر إن لم تكن موجودة، بل تم توجيه اللوم لها من أصحاب برنامج تخريب قطاع التأمين، لتحملها هذه الخسائر، واعتبرت من قبيل سوء الإدارة وهكذا تكون حملة التصريحات المغرضة لتمرير قرارات سابقة الإعداد - وبذلك فنحن أمام مشكلة حقيقية، ولكن كيف يكون الحل؟

كان يجب أن يكون الحل عادلا لجميع أطراف المشكلة، أى يرفع الغبن عن شركات التأمين الحكومية، فهى فى النهاية أموال الشعب المصرى ولا يخل بمسئولية التأمين المجتمعية بأن يوفر مظلة حماية حقيقية للمؤمن لهم، وهم شريحة من الشعب أيضا، خاصةَ فى مجتمع يفتقد للوعى التأمينى، فكثير من المؤمن لهم الحائزين على وثائق تأمين المسئولية –المدنية- الإجبارى للسيارات لا يعرفون أساسا جدوى هذه الوثيقة ويعتبرونها من مستندات الترخيص ليس إلا.

ثانيا: ملاحظات على القانون 72:

كان صدور هذا القانون، والذى يعتبره أصحاب برنامج ما سموه «إصلاح قطاع التأمين» إنجازا ما بعده إنجاز، وبإيجاز، ماذا فعل هذا القانون وما آثاره؟

1 - تمت زيادة أسعار التأمين بنسبة %300 لجميع أنواع السيارات دون دراسة فنية فى 2007، ثم تمت زيادتها مرة أخرى بنسبة %150 فى 2009 وبذلك تكون الزيادة %450 عما كانت قبل 2007، وقد سبق أن قدمنا دراسة نشرت بجريدة المال فى عددها بتاريخ 4 /9 / 2005، وتضمنت معدلات الخسائر لكل نوع من أنواع السيارات للاسترشاد بها عند حساب الزيادة الواجبة لكل منها تحقيقا للعدالة، وهى أساس التكافل الذى هو جوهر التأمين، وكانت أعلى معدلاتها كما يلى :

السيارات الملاكى %126، النقل %671، الأجرة %1614، الموتوسيكل %97، أتوبيس عام %، 2213 أتوبيس خاص %183 أخرى %1470.

وذلك يعنى أن الزيادة فى أسعار التأمين يجب أن تختلف من سيارة لأخرى، الأمر الذى لم يتم مع القانون 72 الذى طبق نسبة زيادة واحدة على جميع السيارات!، وبذلك فهناك أنواع من السيارات مثل الملاكى والأتوبيس الخاص والموتوسيكل تتحمل أكثر مما يجب، وهناك الأتوبيس العام والنقل والأجرة تتحمل أقل كثيرا مما يجب رغم أنها من السيارات التى تدر دخلا، ولو تمت زيادة أقساط التأمين السنوية لها لتكون بالقيمة العادلة فلن تؤثر كثيرا فى تكاليف تشغيلها مقارنة بعناصر تكاليفها الأخرى.

أما الأمر الأخطر، فكان فى تعديل التغطية التأمينية، فصارت بمبلغ تأمين محدد وقدرة 40 ألف جنيه للوفاة أو العجز الكلى المستديم، أما فى حالة الإصابة بعجز جزئى مستديم فيتم حساب التعويض وفق نسبة العجز إن وجد، والتى يجب أن تثبت خلال سنة من تاريخ وقوع الحادث دون حساب أى تعويض مقابل العلاج وتكاليفه ومعاناة المضرور خلاله وتوقفه عن الكسب، وهنا لنا الملاحظات الآتية:

من المعلوم أن تغطيات المسئولية المدنية تكون بحد أقصى مبلغ محدد، لا أن تكون بمبلغ محدد، ولا أدرى كيف تفهم قطاع التأمين هذا الأمر! ولكن تم ذلك لتسهيل الأمر على المضرور بعدم الحاجة للجوء للقضاء، وكان ذلك بمثابة السم فى العسل.

لم يحدد القانون مصير هذا التحديد فى المستقبل مع تناقص القوة الشرائية للجنيه، وهى متوقعة فى اقتصادنا دون النص على الآلية التى يتم بها تحريك هذا المبلغ مستقبلا، ليتناسب مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية.

سلب القانون التغطية التأمينية التى كان يوفرها القانون رقم 652 للمصاب نتيجة حادث أثناء فترة علاجه ومعاناته والتى قد تطول وما يتكبده من تكاليف وما يفقد من كسب فقد اقتصرت التغطية على مقابل هزيل للعجز المستديم إن وجد أى لا تعويض فى حالة عدم تحقق عجز مستديم.

وبذلك منح القانون شركات التأمين أسعارا عالية مع آلية لتحريكها مقابل تغطية قاصرة دون آلية لإعادة النظر فيها وهو ما أدى إلى ربحية غير مبررة للشركات ليس لها نظير فى أنواع التأمين الأخرى كما أوضحنا وذلك يفسر صمتها وكما قيل الصمت علامة الرضى، وذلك يكشف حقيقة هى أنه وفق هذا القانون فقد التأمين دوره فى توفير الحماية للمجتمع وهو أهم أهدافه مقابل أن يحصل على السعر العادل.

وقد ينبرى أحدهم مدافعا بأن القانون 72 لم يحرم المضرور من اللجوء للقضاء لاستيفاء حقوقه، ونجيب بهذه الفرضية، ماذا لو كان المتسبب فى الضرر معسرا وغير قادر على سداد قيمة ما قد يُحكم به ضده لصالح المضرور؟ النتيجة واضحة، وهى تدمير أسرتين: أسرة المتسبب فى الضرر بسجنه، وأسرة المضرور التى لن تستفيد بسجن المتسبب فى الضرر فقط مع عدم حصولها على التعويض العادل.

كذلك لعل هناك من يزايد بالقول إنه من الواجب أن يلجأ أصحاب السيارات وسائقوها إلى إبرام تأمين إضافى اختيارى، ونجيب: وهل ترى أن لدينا بمجتمعنا الوعى الكافى لذلك؟، وهل مستخدمو السيارات بكل ثقافاتهم قرأوا الوثيقة التى حصلوا عليها عند ترخيص سياراتهم؟ وهل يعلمون مدى حاجتهم لتغطية إضافية لحمايتهم؟ وهل تقدم فعلا من يطلب هذه التغطية الاختيارية؟ وهل قامت الشركات واتحادها الموقر بتنمية الوعى المجتمعى فى هذا الشأن؟ وهل استعدت بوثائق معتمدة وأسعار لذلك؟؟ أم تركنا المجتمع للمجهول!! ولكن ما الحل الحقيقى؟

الحل نوجزة فى خطوط عامة كما يلى :

1 - يجب تصميم التغطية المناسبة لحماية المجتمع بوضع حد أقصى للمسئولية المدنية عن حوادث السيارات وعلى سبيل المثال 500 ألف جنيه للشخص الواحد دون حد أقصى للحادث ويكون التعويض وفق أحكام القضاء ضمن هذه الحدود بالنسبة لشركات التأمين وما يزيد عن ذلك يلتزم به المتسبب فى الضرر إذ لا يجب أن يترك الأمر للوعى التأمينى الذى نعلم جيدا مدى تدنيه، بوضع معايير موضوعية ملزمة للقضاء لتحديد قيمة التعويض العادل مع شمول التغطية التعويض فى حالة الإصابة لتكاليف العلاج وتوقف الكسب وما قد ينشأ من عجز مستديم.

2 - يتم سن تشريع يضمن صدور الأحكام فى مدى زمنى معقول يراعى صالح جميع الأطراف.

3 -تحصل شركات التأمين على القسط العادل أيا كان والذى يناسب التغطية ولكل نوع من أنواع السيارات حسب معدلات خسائرها.

4 - يتم النص على منظومة لمراجعة حدود التغطية وأسعارها كل خمس سنوات كحد أقصى لضمان العدالة والحماية الحقيقية.

عزيزى القارئ هناك فرق بين الأسلوب العلمى بنية صادقة لحل المشاكل والأسلوب «النفعى الأحادى» الذى لا يضع إلا مصلحة طرف من أطراف المشكلة على حساب الباقين.

ومع كل ما تقدم فإننى لن أتطرق إلى مقولة أحد فقهاء القانون بأن القانون 72 به شبهة عدم دستورية، وذلك أتركه لأهل الاختصاص، فهم أقدر على سبر أغواره.

ولضيق المساحة، فإننى لم أضع كل الملاحظات على هذا القانون، فهناك ما يخص الأعباء التى وضعها على النيابة العامة فى المادة رقم 11 بما لم يرد فى قانون الإجراءات الجنائية بالاستعلام من إدارة المرور المختصة عن اسم الشركة المؤمنة واسم المؤمن له وأخطار شركة التأمين بوقوع الحادث ولم ينص على مواعيد، لذلك ولا عما يجب حال عدم قيام النيابة العامة بذلك! وأيضا عدم النص فيما لو تجاوز علاج المصاب سنة كاملة ولم تستقر حالته وبالتالى لم يثبت العجز المستديم وقد واجهنا ذلك كثيرا فى الممارسة العملية، كذلك دور المؤمن له فى الأخطار عن الحادث ومسألة التقادم ونموذج الوثيقة ومستندات الإثبات..إلخ.

وللعلم إننا قمنا بتنظيم حلقة نقاشية حول القانون فور صدوره بنادى الشرق للتأمين بالمقطم حضرها قيادات إدارة المرور بوزارة الداخلية وفقهاء القانون وأساتذة التأمين وتم دعوة ممثلين عن معظم الصحف المصرية وتم تسجيل ما دار بالصوت والصورة وتم تسليم ذلك لمسئولى برنامج «تخريب قطاع التأمين» والهيئة المصرية للرقابة على التأمين وجميع المشاركين والحاضرين ممثلى الإعلام الذين لم ينشروا ما جاء بالحلقة- باستثناء جريدة المال- وذلك لفاعلية التواصل مع وسائل الإعلام الذى أشار إليه صاحب الدراسة التى نفندها!

وقد تساءل أحد نواب رئيس محكمة النقض وكان مشاركا، لماذا لم يتم عقد هذة الحلقة النقاشية قبل صدور القانون؟ وكانت الإجابة، أنه لم تتم استشارة الشركات فى هذا الأمر شأنه شأن كل الإجراءات التى كانت تتخذ حينذاك.

ثالثا: تقييم مخصصات تعويضات التأمين الإجبارى لشركات التأمين عموما وللشرق خصوصا:

بكل أسف كان هذا الأمر ميدانا لكل مغرض ليدلى بدلوه بما يحقق غرضه، وهو ما لا يجب أن يكون فى مصر، صاحبة العقول المستنيرة والخبرات المتميزة فنيا واكتواريا وقانونيا مما يستحيل معه الاستخفاف بها بالتلاعب فى تقدير المخصصات التى تمثل اهم عناصر الالتزامات، وبالتالى خصما من قيمة الشركات، وهو لب الموضوع للمغرضين، خصوصا إذا ما كان الأمر يتعلق بالبيع لمستثمر رئيسى!!؟؟

وفيما يلى بعض البيانات ذات الدلالة عن الفترة من 1 /7 /1996 وحتى 30 / 6 / 2005 (10 سنوات)، وهى نفس فترة دراسة خبراء التقييم لشركات التأمين، ومصدرها الكتاب الإحصائى للهيئة المصرية للرقابة على التأمين :

بلغت الحصة السوقية من أقساط التأمين الإجبارى للسيارات لشركات التأمين الحكومية ما يلى :

الأهلية %43 - الشرق %30 - مصر %27

بلغت معدلات التعويضات المسددة لكل شركة لإجمالى التعويضات:

الأهلية %38 - الشرق %35 - مصر %27

بلغت معدلات قيمة مخصص التعويضات لكل شركة لإجمالى قيمة المخصصات:

الشرق %37 - الأهلية %32 - مصر %31

ويلاحظ مما تقدم أن الشرق كانت تسدد تعويضات بنسبة أكبر من نسبة حصتها فى الأقساط ورغم ذلك فهى صاحبة أكبر احتياطى بين شركات التأمين.

ومن المعلوم أنه لا يوجد اكتتاب أو انتقاء أخطار بالنسبة لهذا النوع من التأمين، فتواجد الشركات فى جميع وحدات المرور متساوٍ تقريبا وعليها إصدار الوثيقة لمن يتقدم لها أيا كان نوع سيارته، حتى لا يدعى أحدهم أن ذلك يرجع للتفاوت فى محافظ التأمين فهو غير وارد.

ولكن خبراء التقييم (ميليمان) كان لهم رأى آخر، فقد أظهرت دراستهم العجز فى مخصصات الشركات كما يلى:

مصر للتأمين 715 مليون جنيه رغم أنها صاحبة أقل حصة فى السوق!

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل