المحتوى الرئيسى

مطاردة الثقوب السوداء: البحث عن أنفاق الزمكان

09/24 19:22

انطواء الزمكان قد يحدث ثقباً دودياً يمكن استخدامه في رحلة أسرع من الضوء والسفر عبر الزمن.

أدب الخيال العلمي مليء بقصص عن أنفاق الزمكان التي تُعرف بالممرات أو الثقوب الدودية والتي تُستخدم للسفر عبر الزمن. لكن ما هو مقدار الصحة في الخيال؟ الإجابة هي: أكثر مما قد تتخيل. فالعلماء ماضون في البحث عن طرقٍ  لاستخدام ممرات دودية يمكن عبورها (إذا كانت موجودة) للسفر بسرعة أكبر من سرعة الضوء، وحتى السفر عبر الزمن نفسه.

يقول الفيزيائي إيرك دايفس Eric Davis لموقع Space.com: "يُمثّل ممر دودي صالح للعبور  (traversable wormhole) نفقاً يفوق الفضاء (hyperspace)، يدعى كذلك بـ "الحلْق"، يصل منطقتين بعيدتين تماماً ضمن كوننا، أو أكوان مختلفة -إذا كانت موجودة طبعاً- أو فترتين مختلفتين من الزمن، مثل السفر عبر الزمن، أو أبعاد الفضاء المختلفة".

دايفس هو متخصص في مجال الزمكان وهو عضو في مؤسسة تاو صفر (the Tau Zero Foundation)، حيث كان يستخدم معادلات النسبية العامة لأينشتاين للتفكير في تصميم ممكن (أو غير ممكن) لممر دودي صالح للعبور، وقيادات التِوائية وآلات للزمن.

اقترح عالم الرياضيات لودويغ فلام Ludwig Flamm الممرات الدودية بدايةً عام 1916 حيث كان يلهو بمعادلات من نظرية النسبية العامة لأينشتاين التي تصف كيف تجعل الجاذبية الزمكان ينحني، وهذا يعود إلى نسيج الواقع المادي. تُعتبَر هذه الأنفاق العابرة للزمكان احتمالاً نظرياً رائعاً، لكن بالنسبة لعالم الفيزياء كيب ثورن Kip Thorne، وهو بروفيسور بلقب فخري بمعهد التكنولوجيا بجامعة كاليفورنيا، لم يتوصل العلماء بعد إلى طريقة متفقة لتَشكُّل الممرّات الدودية في الطبيعة، ولم يُرصَد أي منها بَعد.

يَعتقد ثورن وبعض من زملائه أيضاً أنه حتى وإن ظهر ممر دودي، فيُحتمل أنه سينهار قبل أن يتمكن شيء (أو شخص) من المرور داخله. يتطلب الحفاظ على الثقب مفتوحاً فترة كافية لاجتيازه نوعاً من السقالات، ولكن المادة العادية لا يمكنها أن تفي بالغرض – سيتطلب الأمر "مادة غريبة".

ويذكر ديفس: "المادة المظلمة هي شكل من أشكال المادة الغريبة التي تظهر بشكل طبيعي وتنتج جاذبيتها السالبة قوى تجاذبية طاردة تدفع الفضاء داخل كوننا إلى الخارج، لتُحدث بذلك التوسع التضخمي للكون".

إلى جانب الطاقة المظلمة، يَعرف العلماء كذلك مادة غريبة تسمى "المادة المظلمة"، المتوفرة بخمسة أضعاف المادة العادية في الكون. وإلى يومنا هذا، لا يزال العلماء غير قادرين على رصد أي من المادة أو الطاقة المظلمة بشكل مباشر، فلا تزال الكثير من الأشياء حولهما مجهولة. لكن العلماء يعرفونهما عن طريق دراسة تأثيرهما على الفضاء المحيط. 

بالنسبة لعلي أوفغون Ali Övgün من جامعة شرق البحر الأبيض المتوسط في قبرص، يُحتَمل أنّ الممرات الدودية قد تتشكّل حيث تتواجد المادة المظلمة وستتشكل بالتالي في المناطق الخارجية لمجرتنا درب التبانة حيث تقع المادة المظلمة بالإضافة إلى المجرات الأخرى.

ويعمل أوفغون على إثبات أن الممرات الدودية قد تتشكل في المناطق ذات الكثافة بالمادة المظلمة. وقد قام هو وزملاؤه بتشغيل محاكاة تُظهِر أن الممرات الدودية في المناطق الكثيفة بالمادة المظلمة الموجودة في هالات المجرات قد ترضي تفكير العلماء بالمتطلبات الفيزيائية التي تتطلبها الأنفاق. يقول أوفغون: "لكنه مجرد برهان رياضي. أتمنى أن نجد في يوم ما دليلاً تجريبياً مباشراً".

إذن ما الذي سيحدث لشخص أو جهاز يسافر داخل ممر دودي؟

يجيب ديفس: "لا شيء، هندسة الزمكان للممرات الدودية الصالحة للعبور لا تتطلب أي قوى مد تجاذبي شديدة ولا تطاق تؤثر على المركبة الفضائية أو ركابها أثناء عبورهم للنفق الدّودي. يذهبون عبر الحلْق من نقطة انطلاقهم قرب الأرض ليُلقوا خارجاً عبر النفق في الجهة المقابلة قرب النجم الوجهة".

ولأن هذه الأنفاق النظرية تُفتح عبر الزمكان، فستسمح للمسافرين بالوصول إلى سرعة تبدو لملاحظٍ خارجي أسرع من الضوء faster than light اختصارا (FTL). لكن من وجهة نظر المسافرين، هم لم يتجاوزوا سرعة الضوء على الإطلاق، فسيبدو كذلك بالنسبة للملاحظ الخارجي فقط لأن المسافرين سيسلكون طريقاً أقصر مما قد يسلكون عبر الفضاء الحقيقي.

قبل أن يتمكن العلماء من استخدام الممرات الدودية، عليهم أولاً إيجادها. حتى يومنا هذا، لم تُكتَشف أي ممرات دودية بعد. لكن إذا صح وجودها لن يكون تحديد نفق عبر الزمكان أمراً بتلك الصعوبة. يضيف أوغفون: "كما ظهر في الفيلم السينمائي "إنترستيلر"، ستكون هنالك تجارب في المستقبل لرصد الممرات الدودية بطرق غير مباشرة".

اعتماداً على نظريات الممر الدودي، يقارِن الإطلالة على الممر الدودي بصورة أليس Alice المنعكسة على المرآة في رواية لويس كارول Lewis Carroll التي تحمل الاسم نفسه. يتوجب أن تكون منطقة الفضاء في النهاية البعيدة للنفق بارزة من محيط المدخل بسبب التشوهات التي قد تكون مشابهة لانعكاس على المرايا المنحنية. قد يكون الدليل الآخر هو طريقة تركيز الضوء عندما يتحرك من خلال نفق الممر الدودي، بقدر ما تهب الريح عبر نفق مادي.

يرجع دايفس إلى ما هو مرئي من النهاية القريبة للممر الدودي كـ "التأثير الكاوي لقوس قزح" rainbow caustic effect حيث من الممكن رؤية مثل هذه الأحداث من بعيد. يقول دايفس: "خطّط العلماء لاستعمال تلسكوبات لاصطياد كاويات قوس قزح هذه كإشارة لممر دودي صالح للعبور ظهر بشكل طبيعي أو حتى من صنع مخلوقات فضائية". ويضيف:"لم أسمع قط عما إذا كان هذا المشروع قد خرج من الأرض".

في قسم من دراسته حول الممرات الدودية، اقترح ثورن تجربة فكرة من شأنها أن تجعل من الممر الدودي آلة للسفر عبر الزمن. لكن التجارب الفكرية عادةً ما تقودنا إلى مفارقات. وربما أكثرها شهرة هي مفارقة الجَد: إذا عاد مستكشف ما بالزمن إلى الوراء وقتل جَده، فلا يمكن لهذا الشخص أن يولد، وبالتالي لن يستطيع أبداً أن يعود بالزمن إلى المكان الأول.

يُظهِر هذا أن السفر عبر الزمن إلى الماضي يبدو مستحيلاً، لكن بالنسبة لديفس، فَتح عمل ثورن طريقاً جديداً أمام العلماء للاستكشاف. ويضيف: "وُلدت صناعة حرفية كاملة في الفيزياء النظرية بعد هذا، ما أدى إلى تطوير تقنيات فضائية أخرى تُمكِّننا من إنتاج آلات زمن سببية وبلا مفارقة".

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل