المحتوى الرئيسى

هل تؤذى الكنيسة الضمير المسيحي؟

09/24 15:35

اقرأ أيضا: القوة والسلطة.. هل أصبحت السياسة مهددة؟ "سيذكرني قومي إذا؟".. فى رثاء أبوغزالة الحالة الإسلامية فى أعين مخابراتية فرنسا والحرية.. سؤال الدهشة الغاضبة؟ صاحب الفخامة الديناصور

في أول زيارة للسادات إلى أمريكا عام 1975م وكان بصدد التأسيس لمرحلة تاريخية جديدة بعد حرب أكتوبر 1973 م تظاهر أقباط المهجر ضده منددين بسياساته ومتهمينه بشتى الاتهامات التى يمكن أن يتهم بها حاكم أمام شعب أجنبي يزور دولته زيارة رسمية لها حساسيتها التاريخية.. السادات انزعج كثيرًا واتصل بالبطريرك الراحل شنودة الثالث يطلب إليه وقف هذه المظاهرات الضارة بالبلاد لكن غبطة البابا تباطأ في تنفيذ ذلك ولم تتوقف المظاهرات إلا بعد عدة أيام وعلم السادات ذلك بواسطة أجهزته وعلم أيضًا بأن غبطة البابا هو الذي أمر بخروج هذه المظاهرات وإن لم يعلن ذلك.. كان البابا يريد أن يبعث برسالة للرئيس السادات تشير إلى قوته وتأثيره.

فى 18/9/2016 وبعد أكثر من أربعين عامًا على المظاهرات ضد السادات أوفد البابا تواضروس الثاني الأنبا يؤانس أسقف أسيوط والأنبا بيمن أسقف قوص لترتيب خروج أقباط المهجر في مظاهرات تأييد للرئيس السيسى، وقال الأنبا يؤنس في كلمة هامة له بكنيسة نيوجيرسى القريبة من نيويورك.. إن البابا تواضروس أعطى (أوامر مباشرة) لكل كنيسة لنقل أبنائها بأتوبيسات لاستقبال الرئيس وأن البابا أرسل فاكسًا يؤكد تحمل الإيبراشية نفقات الانتقال ونحن كلنا واحد باسم الكنيسة المصرية.. البابا يريد أن يبعث برسالة للرئيس السيسى تشير إلى قوته وتأثيره.

فى رأيي أن الرسالة في الحالتين ذات مضمون واحد بغض النظر عن كونها (ضد) سنة 1975م أو(مع) سنة 2016م.. ومن السهل تغيير الاتجاهات في كل الأوقات سواء كانت في اتجاه ضد  أوفى اتجاه مع ..

 وفى الحالتين أنت أمام موقف صريح المخالفة لتعاليم المسيحية.. وهنا موضع الخطأ والخطر، تقول الحكاية إن الأنبا اثناسيوس حامى الإيمان (293-373م) البابا العشرين للكرازة المرقسية والذي يعد من أساطير التاريخ المسيحى لوقوفه القوى ضد الاريوسية وانحرافاتها.. وكان قد أعلن بوضوح شديد للإمبراطور الرومانى قسطانطينوس باستقلال الكرازة المرقسية الأرثوذكسية في الاعتقاد والفصل بين السلطتين الزمنية والروحية والابتعاد بشعب الكنيسة عن أى صراعات سياسية.. وتذكر الدراسات أن خلافًا نشأ بين البابا كيرلس الخامس (1831-1927) وبين بطرس باشا غالى قاضى محكمة دنشواى ووكيل المجلس المللى ورئيس الوزراء فيما بعد وكان الخلاف حول السيطرة على الشأن المسيحى.. لكن الصراع انتهى لصالح البابا كيرلس. وبدا من هذا الصراع أن السيطرة على الشأن المسيحى تكون بالاستيلاء على الإكليروس (البابوية) وليس على المجلس المللي وهو ما لم يكن ممكنًا في هذا الوقت لاتصاله بخط الرهبنة.. خلال العقود التالية تزايد اختراق الإكليروس من( تيار المسيحية السياسية) عبر ضخ خريجي كليات الهندسة والحقوق والآداب والفلسفة في سلك الرهبنة وتوسيع الأنشطة التربوية والتعليمية بإنشاء مدارس الأحد عبر أبرشيات جديدة مع بدء الاهتمام بتفعيل الدور الاقتصادي والسياسي لأقباط المهجر وإنشاء علاقات بناءة مع مجلس الكنائس العالمي.. وبلغت السيطرة منتهاها بالوصول إلى مربط فؤاد الكنيسة الأرثوذكسية (الكرسى البابوى)، وذلك برسامة البابا شنودة الثالث فى 14/11/1971م.. وانتهت قصة الصراع القديم بسيطرة (تيار المسيحية السياسية) على الشأن القبطى.

ككل حكايات التاريخ ستجد أن السمات الشخصية للإنسان_أى إنسان_ لها دور كبير فى صنع أحداث التاريخ وهو ما ظهر بوضوح فى حالة البطريرك الراحل شنودة الثالث.. الذى كان يرى نفسه أكبر من الكرسي البابوي.. كان يرى نفسه زعيمًا تاريخيًا وكانت تطوق نفسه إلى زعامة كبرى تماثل الزعامات القبطية التى شهدتها الحياة السياسية في مصر الحديثة من القرن التاسع عشر مثل المعلم إبراهيم الجوهرى وأخيه المعلم جرجس الجوهرى وفلتيوس وملطى وويصا واصف وتوفيق اندراوس وفخرى عبد النور وبطرس غالى ومكرم عبيد وقد تحقق له مراده وربما أكثر لجمعه بين السلطة الروحية والسلطة الزمنية!.

هذا النهج للأسف الشديد عمّق عزلة الأقباط وقلل إلى حد كبير اندماجهم فى الجماعة الوطنية كمواطنين مصريين يتوزعون فى كيانات المجتمع كل حسب اختياره وميوله بين الأحزاب أو الحركات السياسية.. وأعاق تفاعلهم مع القوى السياسية الأخرى واندماجهم في المجتمع المدني والسياسي وعدم مشاركتهم إلا في الأنشطة التي تنظّمها الكنيسة وأتصور أن الحياة الاجتماعية والسياسية خسرت كثيرًا من توحيد صوت الحالة القبطية في المجال السياسي داخل الكنيسة وإذا أضفنا السبب الذي يتعلق بغبطة البابا شنودة شخصيًا ساد تصور مفاده أن ذلك الوضع بهدف زيادة التأثير القبطي في المناقشات السياسية إلى أقصى حد ممكن البعض رأى في ذلك خطرًا قد يفضي إلى ما يمكن أن تعرض فيه قرارات الكنيسة حياة أي قبطي وممتلكاته إلى الخطر حتى لو لم يشارك فعليًا في اتخاذ خيار سياسي.

مدرسة غبطة البابا شنودة الثالث لازالت تسيطر على مقاليد الكنيسة الأرثوذكسية.. وهو ما رأيناه من مواقف متعددة للبابا تواضروس الثاني.. وهى المدرسة التى تريد أن يكون المسيحيون (كتلة عددية) تبدأ وتنتهي على أبواب الكاتدرائية.. ما يجعل الكنيسة المتحدث الوحيد بكل ما يتصل بهم من شئون ومصالح دينية ودنيوية الأمر الذى يشق الصف الوطنى ويحرم الوطن من صلابة وحدته الوطنية التى تتمثل فى سيادة مفهوم (المواطنة) على غيره من المفاهيم السلبية التى تعكر صفو الجماعة الوطنية .

الجديد هنا أن عددًا من الأقباط المهتمين بالشأن العام أصدروا بيانًا رافضين فيه لدعوة الكنيسة لأقباط المهجر بالاحتشاد لتأييد الرئيس أثناء وجوده في أمريكا ورافضين للمواقف السياسية الأخيرة للبابا تواضروس الثانى بما لا يليق بمكانة الكرسي البابوي قالوا فيه: إنه منذ خطاب 3 يوليو 2013 استحسن النظام الجديد الزج بالكنائس ‏المصرية في المعادلة السياسية كممثلين -وحيدين- عن عموم ‏المواطنين المسيحيين وهو ما لا يصح أن نقبل أن تقوم الكنيسة سواء بناء على عمل طوعي منها أو بطلب ‏من ‏النظام أن تتعامل مع المواطنين المصريين المسيحيين بمنطق الشحن والتعبئة، إننا نؤكد على إيماننا بحرية الرأي والتعبير للجميع في إطار سياسي مدني غير ‏موجه ‏من قبل مؤسسات دينية ونشدد على رفضنا أن تتصدر الكنائس المصرية ‏مشهد ‏الحشد والتعبئة لمظاهرات سواء داعمة أو مناهضة للرئيس وهو أمر يمثل ‏خروجًا ‏عن القواعد الديمقراطية وإقحامًا للدين في السياسة نحذر من خطورة استمرار الزج بالمؤسسات الدينية بشكل عام والكنائس ‏بشكل ‏خاص في المعادلة السياسية وسط مجتمع يعاني من أزمة طائفية بالأساس ونناشد الكنائس المصرية بضرورة الابتعاد عن السياسة والاكتفاء بالدور ‏الروحي ‏والديني المنوط بها.. نؤكد دور المجتمع المدني أحزابًا ومؤسسات ونقابات وجمعيات في ‏تصحيح ‏الخلل الذي دام لعقود بإعادة دمج المواطنين المسيحيين في إطار معادلة ‏ديمقراطية ‏تقوم بالأساس على مبادئ المواطنة والمساواة... البيان كما ترون يفيض بالروح الوطنية الصادقة والوعى الدينى العميق، وللأسف الشديد إنه رغم تغير الدنيا والناس إلا أن هناك مَن لا يزال يستخدم تلك الحيل البالية ويعلن أنه علماني لكنه متطرف وطائفي حتى النخاع.. واسمع دفاع كمال زاخر عن موقف الكنيسة بما كان يفترض منه أن يكون على رأس من يرفضه يقول: علينا أن نتجنب دفع فواتير غيرنا في صراع لسنا أحد أطرافه.. فلازلنا نصارع القوى والأنظمة التي تسعى لعودة مستحيلة ومازلنا نواجه مجتمعًا تم اختراقه من قبل تيارات وقوى الإسلام السياسى وقد تسيدت بفكرها الرافض لوجودنا ومازلنا أمام صراع عات ينحاز للتطرف وجد له مكانًا في مفاصل الدولة فقد اتفق كل هؤلاء على إسقاط الدولة لحساب إحياء مشروع الخلافة الأثير لديهم..) وأنا أستطيع أن أؤكد بكل وضوح أن كل هؤلاء لا يريدون أكثر من الوجاهة والنفوذ بمثل هذه المقولات العليلة الخايبة.. حتى لو كان ذلك على حساب الإيمان المسيحي نفسه.. (ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراءون لأنكم تغلقون ملكوت السموات قدام الناس فلا تدخلون ولا تدعون الداخلين يدخلون).

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل