المحتوى الرئيسى

صراع «العمال البريطاني»: الاختيار بين كوربن وسميث

09/24 01:05

يوم وصف جيريمي كوربن «حزب الله» و «حركة المقاومة الإسلاميّة» (حماس) بالأصدقاء، حصل في بريطانيا هرجٌ ومرج. وقف الكثيرون في البلاد مستنكرين ومطالبين رئيس «حزب العمّال البريطاني» بالتّوضيح. «يجب عليكَ الوقوف والتّأكيد أنّهم ليسوا أصدقاءك»، قال رئيس الوزراء البريطانيّ يومها ديفيد كاميرون. بين سندان المشادّات ومطرقة الاتّهامات، اضطرّ كوربن إلى التّبرير: «لا أؤيّد هذه المنظّمات»، قال زعيم «العمّال»، مؤكّداً أنّ «أيّ شخص يرتكب أعمالاً عنصريّة، أو معادية للسّاميّة، فإنّه ليس صديقاً لي». برغم تبريره، لم يتراجع كوربن عن رؤيته ضرورة اشتراك كلّ أقطاب الصّراع في الشّرق الأوسط في عمليّة السّلام، بمن فيهم «حزب الله» و«حماس».

منذ ذلك الوقت حصل كثيرٌ من المتغيّرات. دخل العالم العربيّ في دوّامةٍ من الدّماء. تغيرت المعادلات. رصّ الحلفاء الصّفوف، فاتّخذ الصّراع شكلاً أكثر حدّة، ودقّة، ووقاحة. لم تعُد إسرائيل ذاك الكيان «الممنوع». أصبح بإمكان رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو الوقوف في المحافل الدّوليّة ليقول إنّ «المواقف تجاه إسرائيل تتغيّر في العالم العربي، الّذي أصبح يراها حليفاً في وجه إيران». أصبح بمقدوره، وغيره مبرّرٌ لذلك، مقارنة نفسه مع «الخطر الإسلامي»، ووضع نفسه في صفوف الدّفاع الأولى في وجه هذا «الخطر العالمي»، المدعوم، برأيه، من قبل إيران وحليفها، عدوّه اللّدود، «حزب الله».

في بريطانيا، أعطى هذا الواقع مبرّراً لإعادة تسليط الضّوء على تصريحات كوربن «المتعاطفة» مع «حزب الله» و «حماس». أزكى التّصويت لمصلحة خروج بريطانيا، الغارقة في صراعات الشّرق الأوسط، حملة الهجوم. ومكّنت الانتخابات على منصب رئاسة «حزب العمّال»، الّتي تُعلن نتيجتها اليوم، من وضع كوربن في خانة المتّهم، لا بل المتهاون مع «الإرهاب».

استلم معارضو الرّجل دفّة الانتقادات. وكما كان متوقّعاً، جاءت النّتيجة أن أبدى كوربن ندمه لإطلاق صفة «أصدقاء» على «حزب الله» و «حماس»، معيداً التّأكيد أنّه لم يقصد الكلمة بمعناها الحرفيّ.

على الرّغم من تركيز معارضي كوربن في جملة الخلافات على محاولته إبراز نفسه كيساريّ عتيد يسعى إلى تقريب وجهات النّظر المتباعدة، إلا أنّ الأمر يبدو أبعد من ذلك. تصريحات «حزب الله ـ حماس» تفصيلٌ في معمعة الخلافات. حُمّل الكلام أكثر ممّا يحتمل. أضيف إلى ملّفه الشّخصيّ المثقل بالاتّهامات مذ أصبح عضواً في مجلس العموم البريطاني في العام 1983. لمعارضيه، غالباً داخل الحزب نفسه، هو الرّجل الّذي رفض تنظيف الحزب من تبعات الحركة التروتسكيّة. يُتّهم كوربن بانتمائه إلى «التّيّار التروتسكي» الّذي ترى فيه الحركة الثّوريّة الشّيوعيّة تيّاراً سياسيّاً متطرّفاً، أحدث طرحُه خلافاً بين مؤسّس المذهب ليون تروتسكي وجوزف ستالين.

توقيع كوربن على عريضةٍ برلمانيّة عام 1988، دعا فيها الدّولة الرّوسيّة للاعتراف رسميّاً بإنجازات تروتسكي وغيره من الماركسيّين ألصق به الصّفة أكثر، مهما حاول نائبه طوم واتسون إزالتها عنه. رغبة «حركة التّحالف من أجل حرّيّة العمّال» البريطانية، وهي حركة تروتسكيّة، كذلك وجود كوربن في رئاسة الحزب، كان لهما دورٌ في تثبيت «التّهمة».

اللافت للانتباه، أنّ أفكار كوربن الحاليّة الطّرح على الأقلّ، بعيدة كلّ البعد عن أفكار تروتسكي. فالأخير يدعو، في كتاب «أخلاقهم وأخلاقنا» إلى سيطرة الإنسان على الطّبيعة سيطرةً مطلقة، وكفّ يده عن أخيه الإنسان. بينما تصريحات كوربن عن الطّبيعة والإنسان تتمحور دائماً حول وحشيّة الفرد في التّعامل مع الطّبيعة، وعدم أحقّيّته في تسخيرها لنفسه، الأمر الّذي يتعارض تماماً مع العناوين العريضة لأفكار تروتسكي.

إذاً، الخلاف بين أقطاب «العمّال البريطاني» عقائدي إيديولوجي أكثر منه مرحليّ. بالنّسبة لمنافسه على منصب رئاسة الحزب أوين سميث، على سبيل المثال، لا يقوى جيريمي على فهم «حبّ الوطن». يعتبر الصّحافيّ السّابق في «هيئة الإذاعة البريطانيّة» أنّ الزّعيم الحاليّ لـ «العمّال» لا يستطيع استيعاب فكرة «الهويّة الوطنيّة». هو «لا يفهم أنّ العديد من الاسكتلنديّين والإنكليز والويلزيّين لديهم حسٌّ قويٌّ تجاه المكان الّذي ينتمون إليه». يدّعي سميث أنّه لم يسمع كوربن يتكلّم ولو لمرّةٍ واحدة عن اسكتلندا وهويّتها، أو عن الويلز وهويّتها، أو إنكلترا وهويّتها.

بالرّغم من نفي سميث أنّه يُشكّك في أصل عقيدة كوربن، إلا أنّه يصعب إيجاد تفسيرٍ آخر للكلام. هذا التّشكيك في أصل العقيدة يُعقّد الحلول. بالنّسبة لمعارضيه، كوربن رجلٌ يساريٌّ أكثر ممّا ينبغي. هم يقدّمون حلّاً، وحلّهم وحيد: إزالته عن رأس سلطة الحزب.

«البريكست» عرّى.. فقط لا غير

«البريكست» كذلك، لا يقتربُ حتّى من كونه سبباً في الانقسام الحادّ في صفوف «حزب العمّال». ما فعله استفتاء بريطانيا أنّه عرّى الخلافات. جعل لها صدًى بعد أن كانت أصوات المشادّات غير مسموعة، أو بمعنًى أدقّ، لم تكن لها آذان صاغية.

العام الماضي، لم يستلم كوربن دفة القيادة بسلاسة. في مقابل السّتين في المئة الّتي رفعته إلى منصب رئيس الحزب، كانت هناك معارضةٌ شرسة. في أغلب الأوقات، ارتدت لباساً مقنّعاً. تصريحٌ من هنا، أمنيةٌ من هناك، هجومٌ غير حادّ.. إلى أن أتى «البريكست». شكّل الأخير شرارةً أشعلت نقاشاً حول أهليّة الرّجل السّتيني المعارض، رئيس حكومة الظّلّ، لقيادة حزبه في الانتخابات البريطانية العامة المقبلة في العام 2020. كما احتدم الكلام حول قدرته على تجاوز المرحلة الحسّاسة الّتي تعانيها البلاد بعد «البريكست».

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل