المحتوى الرئيسى

فى قرى «قوارب الموت» بكفر الشيخ «أحمد»: هسافر تانى لو جاتنى الفرصة هرباً من البطالة | المصري اليوم

09/23 23:20

«هسافر تانى إيطاليا لو جاتنى الفرصة من جديد، وإذا فقدت حياتى سأفقدها بشرف، سأكون شهيداً، لأننى هنا دون عمل، والبطالة غول يلتهم أحلامنا».. هكذا بدأ «أحمد.خ» حديثه، بعد أن طلب عدم نشر اسمه بالكامل، وهو أحد الناجين من الغرق فى مركب الهجرة غير الشرعية الذى انطلق الأسبوع الماضى للإبحار إلى إيطاليا وغرق غالبية من كانوا على متنه، مضيفاً: «هناك أطفال من بين الضحايا ونساء وشباب فى عمر الزهور».

كان «أحمد»، 17 سنة، أول من التقيت به فى قرية الجزيرة الخضراء بمحافظة كفر الشيخ، التى لا يفصل بينها وبين سواحل البرلس فى البحيرة سوى شاطئ نهر النيل. قرية الجزيرة الخضراء التى يقطنها نحو 50 ألف نسمة هى ثالوث الهجرة غير الشرعية بكفر الشيخ، الذى يضم قريتى «النواصرة والخشبة». أكثر من 56 شخصاً ما بين نساء وشباب وأطفال عثر على جثثهم بالمياه، بينهم نحو 20 طفلاً دون الـ16 عاماً، وحدهم من قرية الجزيرة الخضراء.

ويتابع «أحمد»، الهارب من قوات الأمن التى ضبطت 158 شخصاً ممن نجوا من الموت: «إنهم طيلة 5 أشهر يعدون العدة لأجل تلك الهجرة، التى جمعوا لأجلها الغالى والرخيص».

ورصدت «المصرى اليوم» معاناة قرى الهجرة غير الشرعية من نقص فى الخدمات، فضلاً عن انتشار البطالة، واختلاط مياه الشرب بالصرف الصحى، ويؤكد أهالى القرى الثلاث «غياب الخدمات بيموتنا»، فالأمراض تفشت بينهم بسبب المياه، وأقرب مستشفى عنهم هو رشيد العام فى البحيرة، ويحتاج الذهاب إليه إلى سفر «يكون المريض فاضت روحه إلى بارئها».

رزق أهالى قرية «الجزيرة الخضراء» يظل قائماً على بيع البلح، حيث اشتهرت الجزيرة بزراعة النخيل الذى أصابه مرض «الإيذر»، وهو عبارة عن «سوسة» تهلك الزرع، ويضيف أحمد: «إن فرص العمل غابت تماماً منذ عام تقريباً، بعد تدمير نشاطهم الزراعى، ومديرية الصحة تجاهلت شكاواهم».

الشاب العشرينى الذى بدا على ملامحه الإرهاق الشديد، وترى فى عينيه حزنا على حُلم تبدد يتحدث بلهجة حادة كأنه حسم أمره: «هسافر تانى إيطاليا لو جاءت إلىّ الفرصة من جديد، الحياة أصبحت مستحيلة بدون عمل».

يصمت «أحمد» لبرهة قبل أن يروى مأساته عندما صارع الموت على مركب الهجرة غير الشرعية: «كنّا نعيش عيشة غير آدمية، قعدنا أسبوع تقريبا كل أكلنا وشربنا عبارة عن رغيف خبز ناشف وكوب مياه»، غير أن لو الزمان لو عاد به من جديد لكرر التجربة «لم لا قد تأتى الفرصة وأصل إلى روما».

تشتهر قرية «الجزيرة الخضراء» بهجرة أبنائها إلى أوروبا عبر سواحل البحر المتوسط، وكان الطفل أحمد فؤاد مرعى أشهر أبنائها، والمعروف إعلامياً بـ«طفل إيطاليا»، وكان «مرعى» قبل شهر هاجر إلى إيطاليا عبر «قوارب الموت»، وعندما وصل إلى شواطئ روما ألقت قوات الشرطة الإيطالية القبض عليه، لكنّها سمحت له بالإقامة والترحيب بعلاج أخيه الذى يعانى من قصور فى وظائف الدم.

بداية من شهر يونيو حتى آخر ديسمبر هذا هو موسم الهجرة غير الشرعية، يخرج أهالى القرى الثلاث فى قوارب تنطلق من ناحية برج رشيد إلى «المالح» البحر المتوسط، يقول ناصر أمين، أحد قاطنى قرية الخشبة، الهارب من قوات الشرطة بعد نجاته من الموت، وهو من أبناء محافظة دمياط، إنه لم يدفع أموالاً لسمسار الهجرة، لأنه نجح فى أن يأتى للسمسار بـ15 شاباً من الراغبين فى الهجرة، وهم من معارفه وليسوا جميعهم من قاطنى قريته، وأغلبهم من محافظات الشرقية والغربية والمنيا، وكان الشاب «أمين» تعرف عليهم خلال عمله كبائع فى القاهرة، ويستكمل حديثه بضحكة تنم عن حزن: «رأيت واحد منهم يصارع الموت، ولم أستطع تقديم العون له، يمكن إننى قتلته مرتين عندما فشلت فى إنقاذه وعندما قدمته لسمسار الموت».

الحزن كان أشد فى قرية «النواصرة».. أمام المنازل نساء متشحات بالسواد، ويعلو صوتهن بالصراخ، يهدأن من زوج أو ابن أو أخ: «لسه راجعين من البر التانى وفيه أخبار عن ورود جثث»، يحاول الرجال تهدئتهن بأن قوات الإنقاذ البحرى تنتشل جثث ذويهم الغائبين بمياه البحر منذ الأربعاء الماضى.

تضاف إلى ذلك المشهد المأساوى إذاعة المساجد بالقرية عن جنازات الضحايا، ما إن تبدأ صلاة الجنازة على أحد قتلى مركب الموت، حتى يردد الأهالى «حسبى الله ونعم الوكيل».

وقال حالة سيد سامح، 27 عاماً، من قرية النواصرة، فقد زوجته وطفلته الصغيرة على متن المركب: «أنا سافرت قبل ذلك إيطاليا وقعدت هناك نحو عامين، وجئت مصر لآخذ زوجتى وطفلتى البالغة من العمر 3 سنوات، لكنهما ماتتا فى البحر»، يضع «سامح» يداه فوق رأسه عندما يتذكر مأساته: «ركبت مركبا كان يمر إلى جوارنا بعد 5 ساعات من السباحة المتواصلة، لكنّى لم أستطع تقديم العون لزوجتى وابنتى، عشان كده الحزن هيقتلنى لأننى فشلت فى إنقاذهما».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل