المحتوى الرئيسى

أهى القيامة؟

09/23 22:15

حرب تزكيات، وصراعات داخلية، وحركة تنقلات من حزب إلى آخر، ومنع ترشح أحد السلفيين دون سند قانونى، ووزير عدل، المفروض أنه عضو فى لجنة تنظيم الانتخابات إلى جانب وزير الداخلية، يقول «إنه لا يستشار»، ومظاهرة أريد لها أن تكون مليونية، للتنديد بما أطلقوا عليه «أخونة المجتمع»، لكنها كانت مهزلة وفضيحة تبرأت منها وزارة الداخلية، التى قالت إنها لم تكن على علم بتنظيمها!، وتبرأت منها الأحزاب، التى قالت إنها ليست المؤطرة لها! لتصبح الجهة المسئولة عن تنظيم هذه المظاهرة «مجهولة»، كما جهل المشاركين فيها، الذين تعددت روايات مشاركتهم وتعددت الشعارات التى رفعوها، والتى لا يفقهون شيئاً فى معناها على الإطلاق.

هكذا هو واقع الحال، الذى لا نريده، فى ثانى انتخابات برلمانية فى المغرب بعد دستور 2011. هذا الدستور الذى منح الحق للحزب الذى يحصل على أكبر عدد من المقاعد فى البرلمان، فى تشكيل الحكومة بتحالف مع أحزاب أخرى، ما دام التقطيع الانتخابى فى المغرب لا يسمح بأى شكل من الأشكال بأن يحصل حزب واحد على الأغلبية المطلقة. والنتيجة فوضى ديمقراطية وصراعات سياسية، وتبارٍ، ليس على البرامج الانتخابية، ولكن فقط على تبادل الاتهامات، واستقطاب مرشحين قادرين إما على شراء أصوات، أو فى أحسن الحالات استقطابها أيديولوجياً، ولم يجدوا بديلاً عنا سوى لعب ورقة السلفية، التى اكتوت بنارها بلدان جارة.

ما يحدث فى المغرب قبل أيام قليلة من الموعد الانتخابى للسابع من أكتوبر، هو فعلاً كما وصفه العاهل المغربى الملك محمد السادس فى خطاب العرش الأخير بالقول «عند حلول الانتخابات كأنها القيامة، لا أحد يعرف الآخر». واليوم فعلاً كأنها القيامة فى المغرب، صراعات داخل الأحزاب، وصراعات بين الأحزاب، واتهامات ترشق هنا وهناك، وتظاهرات مجهولة الهوية بشعارات فارغة، ووزير عدل مغيب، ورئيس حكومة من المفروض أن يكون المشرف على الانتخابات، تخلى عن هذا الإشراف بعدما قرر الترشح فى دائرته الانتخابية، مما يوحى بأن الديمقراطية فى هذا البلد، الذى كان استثناء فى تجاوبه وتجاوزه لرياح ثورات 2011، هى الآن فى خطر.

إن ما جاء فى دستور المملكة من تشكيل حكومات سياسية ربما كان خطوة سبقت نضج الأحزاب ونضج الممارسة السياسية فى المغرب، مما أدى إلى بزوغ هذا النوع من التطاحنات والتجاذبات التى تهدد بتقسيم المجتمع الذى سيجد نفسه محتاراً بين مظاهرات «ضد أخونة المجتمع»، ومظاهرات موازية «ضد علمنة المجتمع»، وفى كل مرة يكون وقود هذه التظاهرات هم البسطاء الذين يتم استغلال جهلهم واستغلال حاجتهم فى معارك لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ويكون الدافع فى المشاركة إما دراهم معدودة أو الانسياق كقطيع.

لا شك أن ما حدث خلال الأيام الماضية الهدف منه هو إظهار حزب معين كحزب منبوذ شعبياً وفاشل سياسياً، وإذا كان هذا الحزب قد فشل سياسياً فعلاً، بعدما فشل فى إقناع الشعب بأدائه وإدارته للبلاد، لكن يجب الاعتراف أنه لا يزال يشكل بعبعاً لدى منافسيه. والاعتراف أيضاً بأنه حزب يتقن اقتناص الفرص، كما يتقن لعب دور الضحية، وسيكون الرابح الأكبر من سلسلة الأخطاء التى تم ارتكابها بدءاً من التشهير بأحد قياديى جناحه الدعوى، وصولاً إلى المظاهرة الفضيحة.

حزب العدالة والتنمية سيستغل جيداً هذه الأحداث للتسويق لنفسه بأنه مستهدف وهناك من يكيد له كيداً، بسبب محاربته الفساد ووقوفه فى وجه ما يسميه «التحكم»، مما سيضيف لرصيده عدداً من المتعاطفين الذين يرون فى تنظيم تظاهرات ضده قبل أيام قليلة من الانتخابات، والتضييق عليه وعلى المترشحين باسمه، دون انتظار نتائج الصناديق، ظلماً ومكيدة مدبرة.

وبالإضافة إلى زيادة المتعاطفين مع حزب العدالة والتنمية، هناك أيضاً احتمال زيادة العازفين عن المشاركة، بعدما فقد الناخب المغربى ثقته فى جل الأحزاب وفقد ثقته فى قدرتهم على الالتزام بوعودهم الانتخابية، أضف إلى ذلك حالة التهريج التى صاحبت هذا الاستحقاق، والمعركة الساخنة بين جهات، وإن حاوت أن تتخفى أو تنكر تورطها إلا أنها تبقى مكشوفة للعيان.

الفتنة قريبة من المغرب، ولعن الله من يريد إيقاظها لمصالح سياسوية أو سلطوية ضيقة. وأصول الممارسة الديمقراطية تستدعى أن تُترك الكلمة للشعب عن طريق صناديق الاقتراع وليس عبر سلوكات بئيسة وفاشلة. ولتدارك هذه اللحظات العصيبة يجب على الفاعلين السياسيين أن يتداركوا أخطاءهم وينحوا تطاحناتهم ويقدموا نموذجاً راقياً للديمقراطية. وعلى الدولة أن تقف على نفس المسافة من جميع الأحزاب قبل يوم التصويت، وأن تتحمل مسئوليتها الوطنية بعد التصويت، من خلال ضمان نزاهة الاقتراع، وتقديم نسبة المشاركة الحقيقية، ونسبة المقاطعين، ونسبة من ألغوا أصواتهم، بالإضافة إلى الأصوات الفعلية التى حصل عليها كل حزب، لأن هذه النسب تستحق قراءتها قراءة موضوعية لمعرفة نبض الشارع ودرجة رفضه أو رضاه عن المشهد السياسى.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل