المحتوى الرئيسى

محمد عبد العظيم يكتب: حقًّا أنا أشتاق لأيام مبارك | ساسة بوست

09/23 13:33

منذ 10 دقائق، 23 سبتمبر,2016

في عشية الحادي عشر من فبراير 2011، كان المجتمع المصري يعيش حدثًا لم يحدث له من قبل، ولن يكون حدوثه ثانيًا أمرًا سهلًا.

إذا تبادر لذهنك أن ذلك الحدث هو تنحي مبارك فأنت مخطئ، فتنحي مبارك جزء من الحدث، بل لنكون واقعيين أن تنحي مبارك أشعل ذلك الأمر فقط، أما ما حدث فهو صدمة عنيفة هزت أركان المجتمع.

لقد تحول المجتمع بأكمله، تحولت آراؤه واهتماماته، تحولت طريقة متابعته للأمور وتعاطيه مع الأحداث والواقع.

كانت السياسة غذاءنا وشرابنا وهواءنا، لقد توقفنا عن مشاهدة مسلسل التاسعة وأصبح التوك شو أو البرامج الحوارية تجذب انتباهنا أكثر.

كانت نقاشاتنا السياسية معقدة بلا نتيجة أو هدف، كنا نسعى لنعرف من جاء أولًا الدجاجة أم البيضة، لم نكن نتناقش بل كنا نتجادل، كل كان يسعى للانتصار على الآخر، كل منا يظهر مدى حفظه لما سمعه سابقًا من البرنامج الحواري المفضل لديه، كل منا يسعى لكي يظهر للآخر أنه الأفضل، كنا حقـًا ببغاوات نردد ما سمعناه على شاشات التلفاز، وما قرأناه في الصحف وما تابعناه على المدونات وصفحات التواصل الاجتماعي.

أصبحنا نستمع من المواطن البسيط محدود الثقافة مصطلحات ضخمة معقدة نتعجب من تلفظه بها، فأصبح المواطن البسيط الذي لم يكن له هَم قبل الخامس والعشرين من يناير، غير العلاوة السنوية ومباريات الكأس والدوري وأنبوبة البوتاجاز ورغيف الخبز، أصبح ذلك المواطن يتحدث بمصطلحات من قبيل «كاريزمة الرئيس» و«البيروقراطية المتعفنة» و«الجماعات الثيوقراطية» أو «الأحزاب البراغماتية» وأصبح من يتحدث مرآة للبرنامج الحواري الذي يتابعه.

وإذا تناقشنا في تلك المصطلحات وتاريخها ومدلول استخدامها لن تكون النتيجة غير مرضية للطرفين، فهو سمعها ورددها لدعم موقفه في جداله لإثبات وجهة نظره، فهي أسلحة لحربه الكلامية، لا إضافة لثقافته وفكره.

لم نكن نفكر، وأنا أتكلم أننا جميعًا دون اختيار فئة أو فصيل معين، كنا نردد لم نترك لأنفسنا فرصة لنتدبر ما نسمعه، أخذنا ننهل مما حصلنا عليه بدون إعطاء أنفسنا فرصة لنمرر ذلك الرأي أو تلك المعلومة على عقولنا.

اعتقدنا أن تلك الحُمي التي تسبق خروج المرض، حتى نتماثل للشفاء ويكون الجسد قد استطاع التغلب على المرض وأصبح قادرًا على العودة إلى الحياة من جديد، ولكنه يبدو أنها لم تكن الحُمى التي تسبق خروج المرض بل كانت الحُمى التي تسبق سكرات الموت.

ماذا أصاب المجتمع كان الجميع يتحدث في السياسة، في كل وقت وكل مكان في الشركات والمصالح الحكومية وحتى طوابير الخبز والبنزين، وعلى كافة المستويات العمرية من رجال المعاشات إلى شباب المدارس الذين لا يملكون حق التصويت أصلًا.

حتى الضحك والسخرية وهو صفة أصيلة للمصريين فنحن أبناء النكتة، تحول إلى ضحك سياسي ساخر في البرامج الساخرة سواء على صفحات التواصل الاجتماعي أم على القنوات التلفزيونية.

أنا لا أحجر على رأي أحد و لا أعترض على المشاركة في آلية اختيارنا للقرارات ونقاشنا حول أمور تمس حياتنا اليومية في المقام الأول، ولكننا لم نكن نمتلك أية من مهارات الحوار أو آدابه، كنا في معركة لا نعرف لماذا نقاتل ولا بأي ذنب نُقتل ولا لماذا نقتُل.

وكل ما حققناه هو الخصومة والعداء بعضنا لبعض، لم يعد اختلافنا رحمة بل صار إجحافًا واستبدادًا.

لا أتذكر عدد من حظرني من عنده على صفحات التواصل الاجتماعي، ولا أذكر عدد من حظرتهم أيضًا، وأكثر ما يدعو للسخرية أني لا أتذكر أسباب ذلك العداء غير أنه كان لأمر سياسي.

ازداد الأمر شدة بعد أحداث الثلاثين من يونيو/ حزيران من عام 2013، ازددنا خصومة وازداد الشقاق بين طرفي المجتمع وازداد العداء وتحولت الصراعات الكلامية إلى صراعات دموية عنيفة، لقد أصابنا مس من الجنون لم نفق منه إلا على تلك الكارثة الإنسانية وتلك الوصمة في تاريخينا المسماة مجزرة رابعة العدوية.

ولكن إلى متى يستمر ذلك الصراع وإلى متى يتحمل ذلك الجسد تلك الحمى، إلى متى نستمر في العراك على خفي حنين، ألم يحن لنا أن نعود لرشدنا؟ ألم يحن لنا أن نفكر ونعقل، متى نجتمع لنقوم بعمل تلك المصالحة بين طرفي ذلك المجتمع البائس.

حقًا لم أعد أملك أية قدرة على خوض المزيد من تلك النقاشات الجدلية، لقد أيقنت أن راحة بالي أهم من إثبات وجهة نظري، وفي قرارة نفسي أشتاق إلى واقعي وحياتي في أيام مبارك، أشتاق إلى الحديث عن المدرب الأفضل للمنتخب لا الحديث عن قتلى استاد الدفاع الجوي وأحداث استاد بورسعيد.

هل إذا ترحمت على أيام مبارك يخرجني ذلك من جنة الثورة، ويجعلني كافرًا بها ومن فلولها، هل ترحمي على أيام ارتاحت فيها نفوسنا، تلك الأيام التي أراها الآن على أنها أفضل أيام عمري، هل ذلك يجعلني خائنًا لثورتنا؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل