ياسر عبد العزيز: المال السياسي أصاب الإعلام بورم خبيث
الصحافي والباحث في شؤون الإعلام ياسر عبد العزيز يتحدث لـ «السفير» عن أوضاع الإعلام في مصر وأزماته ومستقبله.
^ هناك ما يشبه الاتفاق على أن الإعلام المصري في أزمة، كيف ترى أنت تلك الأزمة؟
} اولاً، من جهة، الإعلام يعمل من دون تنظيم، لا توجد منظومة تشريعية تنظّم العمل في الإعلام. ومن جهة أخرى، يمكن القول إن الأداء الإعلامي في أسوأ أحواله. الأنماط الإعلامية الموجودة حالياً متردية بدرجة غير مسبوقة، كذلك لا توجد أداة أو آلية فعّالة للتقييم.
^ ومَن يتحمّل مسؤولية هذا الوضع؟
} لا يمكن تحميل الجماعة الصحافية وحدها تلك المسؤولية. فهناك جهاتٌ عدة يمكن تحميلها المسؤولية. الدولة مثلاً لم تُصدر التشريعات المنظّمة لعمل الإعلام، والتي نصّ عليها الدستور، وهناك ايضاً مُلّاك وسائل الإعلام والجهات المعلنة، والجماعة الصحافية، وكذلك الجمهور الذي يشجع أنماطاً رديئة من الإعلام، وهو ما يؤدي لطرد الكفاءات الصحافية.
^ ولكن أليس للأوضاع الاقتصادية دورٌ في الأزمة؟
} صناعة الإعلام بشكل عام تزدهر مع ازدهار الاقتصاد، فعائدات الإعلانات هي المصدر الرئيسي لصناعة الإعلام، والوضع الاقتصادي متراجع بوضوح، وهو ما يؤثر بالطبع في تمويل وسائل الإعلام.
ولكن هذه المعادلة لم تكن فعالة دائماً، فصناعة الإعلام تعرضت لحالة من التضخم بسبب تدفق المال السياسي عليها عقب 2011، وكان هذا بهدف السيطرة على وسائل الإعلام. المال السياسي لم يؤد إلى تطوير الإعلام، بل كان أشبه بالورم الخبيث. ما حدث انتفاخٌ لصناعة الإعلام بشكل مصنوع، وما تم إطلاقه من 2011 وحتى 2013 من وسائل إعلام متنوعة، هو ثلاثة أضعاف ما أطلق منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وحتى 2011. وكان الهدف بالطبع سياسياً، وبعدما تحقق، انسحب المال السياسي تاركاً الإعلام في أزمته. كذلك تمّ إغلاق وسائل إعلام أخرى، لأنها لم تفلح في تحقيق أهدافها السياسية، والسلطة نفسها أغلقت وسائل إعلام معارضة لها. عادت صناعة الإعلام لحجمها الحقيقي، تلقت الصناعة ضربة على صعيد التمويل، رافقها تدنٍّ في أنماط الإعلام بسبب المال السياسي، الذي حوّل وسائل الإعلام إلى أبواق دعاية، وأعتقد إذا أُجري بحث جادّ عن الإعلام سيكشف تراجع ثقة الجمهور بشدة في وسائل الإعلام.
^ كيف ترى دور الدولة في الحالة الإعلامية؟
} الدولة تريد أن يكون الإعلام سنداً وظهيراً لها في تصورها الوطني. الدولة تقول إنها أمام تحدٍّ يستدعي وجود سند وظهير إعلامي محتشِد خلف القيادة. والدولة تسعى لتحقيق ذلك إما عبر الإعلام الرسمي الذي تسيطر عليه بشكل مباشر، او عبر أن تقوم باستخدام بعض الأطر لضمان أداء الإعلام الخاص، مثل تركيز وسائل الإعلام وملكيتها في أيدي أشخاص بعينهم لضمان التحكم.
^ التطور التكنولوجي المتسارع كيف يؤثر على وضع الإعلام، خاصة مع سهولة إنشاء مواقع إلكترونية؟
} طبيعة وسيلة الإعلام لا تقل أهمية عن رسالتها، بل إن البعض يدمج الرسالة والوسيلة. وبسبب التطورات السريعة، يجب التعاطي مع وسائل إعلام جديدة باهتمام أكثر. فمثلاً أعتقد أن الصحافة المطبوعة لن تستمر أكثر من عقدين، وستصبح من الماضي. والتلفزيون والراديو وجودُهما مرتبط بإمكانية ربطهما بشبكة الإنترنت. وقد لا ينطبق ذلك على الإعلام المصري نتيجة نسبة الأمية والذين لا يتعاملون مع الإنترنت، ولكن سيكون مجرد تأخير في تطوّر حتمي.
^ هناك مواقع إلكترونية تقدّم اليوم تجربة مختلفة، كيف ترى مستقبلها في الخريطة الإعلامية؟
} المواقع المستقلة الحالية تقدم حالة مغايرة للسائد، ولكن يجب أن نلاحظ أن النظام الحالي يحظى بشعبية، رغم تذبذبها بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنه لا يزال نظاماً يحظى بشعبية. لذا لا تجد المواقع الناقدة إقبالاً كبيراً. وازدهار تلك المواقع سيكون مرهوناً بتغير المزاج العام.
Comments