المحتوى الرئيسى

«زفة الدولة» فى شوارع نيويورك | المصري اليوم

09/23 00:38

فى الثامن عشر من سبتمبر، خرجت طائرة الرئاسة المصرية متوجهة إلى نيويورك، حيث الأمم تبدو متحدة، فيما المصالح تتقاطع وتتضارب، هناك فى «عاصمة العالم» جلس رئيس جمهورية مصر العربية، يمثل (بحكم الوظيفة لا الشخص) أكبر دولة عربية، والبلد الذى ابتكر «فكرة الدولة» قبل سبعة آلاف عام.. فى نيويورك اجتهدت «مصر الدولة»، وحين جاء وقت الحصاد ظهرت للعالم كـ«شبه دولة»، ليس لأن مؤامرة على طريقة «الأهرام» دبرت الأمر، ولكن لأن حبل السياسة الميتة فى مصر أصبح لعبة فى يد الجاهل والمدعى والباحث عن «لحظة قرب» يعرضها للإيجار.

فى «جسم الدولة»، هناك من قام بدوره، فزيارة رئيس الجمهورية لنيويورك كانت «مجبورة الخاطر»، فمن لقاء مع فرسى رهان الانتخابات الأمريكية (هيلارى وترامب)، إلى اجتماعات مع قادة العالم (من فرنسا الصديق الأقرب إلى بريطانيا العجوز المتنمرة، مروراً بأعضاء الكونجرس القلقين).

كانت هذه الزيارة فرصة لتصدير «الترس العامل» فى الدولة العجوز، كانت فرصة أمام العالم لنقول إن الدولة الأقدم فى التاريخ قررت- أخيراً- أن تلتحق بعصرها، لكن هذا لم يحدث. فى نيويورك، حضر العالم بالجدية، وحضرنا بـ«فرق الرقص».

فى أفضل زيارة مخططة منذ الثورة ضاعت منا فرصة «إثبات جدارة»، و«الدولة» التى التزمت بـ«النص» فى قاعات الأمم المتحدة ارتدت ثوب «المكايدة» فى الشوارع، فأشعلت نار الطائفية، وسممت المشهد بجولات «أسقفية» أهانت كل معنى للدين، وشوهت أى مفهوم لـ«الدولة»، والعدسات التى لا تدخل الغرف المغلقة طاردت «زفة بلدى» تجوب نيويورك بالزغاريد والهتاف.

كان الجهد وافراً، والمشهد عبثياً، والنتيجة حزينة. فى «عاصمة العالم» كانت لدينا فرصةٌ ما، لكننا سددنا كل الكرات فى مرمانا، وأطلقنا الزغاريد.

عزيزى رئيس جمهورية مصر العربية

«مهمة نيويورك» كشفت أن هناك «تروسا عاملة» فى جهاز الدولة المرتبك، «تروسا مهنية» يمكنها أن ترتب لك (كرئيس للدولة وليس كشخص) زيارة خارجية ناجحة، يمكنها أن تفتح باباً لـ«تغيير الصورة»، يمكنها أن تمد للدولة (وليس لشخص) خيوط التأثير فى ملفات تشغل بال العالم.

هناك اكتشاف لـ«جزء حى» فى «بدن الدولة المتهالك»، جزء لا أحد يعرف كيف ظل حياً وسط كل هذا الخراب، «شىء من القدرة» ظهر كطفرة جسد الدولة الذى يحتضر، لكن «طفرة الحياة» لا تعيش أبداً بجوار «الزفة».

وظيفتك محددة الدور والتوقيت بحكم الدستور وإرادة الناس، فى القلب من مهامك أن تحافظ على «صورة مصر».. مصر التى ستبقى (وأنت فى المنصب بإرادة الناس)، وستظل باقية (حين ترحل عن المنصب بإرادة الناس أيضاً)، فهذه ليست وظيفة أبدية، ولن تكون.

مهمتك أن تبحث عن «الأجزاء الحية» فى بدن الدولة، بدلاً من الشكوى المستمرة: «كل ما أمد إيدى فى حتة ألاقى تعابين».. مهمتك أن تلزم «الثعابين» بالقانون.. مهمتك أن تصون صورة الدولة من العبث، مهمتك تلزمك بأن تكون زيارتك «مهنية»، وليست «حفلا طائفيا»، وأن تكون لقاءاتك مجالاً لـ«حركة الدولة»، وليست مسرحاً لـ«مقاولى أفراح الوطن».

وظيفتك تلزمك بأن تفتح المجال ليكون حول «مصر» (وليس حول شخصك) رجال أكفاء: إعلاميون من صلب المهنة، يدركون أن مهمتهم نقل المعلومات، وليس مطاردة المواكب بالزغاريد، وسياسيون من أبناء هذا الزمن يدركون ثقل المهمة، ويقترحون (للبلاد لا لشخصك) حلاً لكل مشكلة، ومخرجاً من كل أزمة.

مهمتك التى انتخبك الناس لأجلها أن تتحرك لا أن تتردد، أن تخطط لا أن ترتجل، أن تفعل لا أن تترك ساحة البيت لـ«محترفى الزيطة» و«مقاولى أنفار طائرات رجال الأعمال»، هذه مهمتك بوضوح، ومن يبتعد عن «منطق المهمة» ليس من حقه أن يشكو «ظلام المشهد» أو يغضب من «ظلم الصورة».

«صورة مصر» هى وجود رئيسها وسط قادة العالم، مطلوباً لعقد اجتماعات، وليست أبداً فى المركبات الفارهة المزينة بصورك تجوب الشوارع.. «مصر» التى تمثلها (بحكم وظيفتك لا شخصك) نجحت فى ترتيب زيارة احترافية، لكن من طلبوا «الدولة» لحضور «اللقاءات الكبرى» رأوها تفضل «الهتيفة» على «أجندة المباحثات».

نحن مكشوفون تحت الشمس فى عاصمة الأمم المتحدة، حيث العالم يشاهد ويضحك، ونحن نرى ونتألم.

أنت ملزم بحكم منصبك الذى اختارك الناس له أن تحترم «الدستور والقانون»، وليس فى الدستور «فرقة أفراح وطنية»، وليس فى القانون «جولات أسقفية ترعى الفتنة».. أنت ملزم بالحل لا بالشكوى، بالعمل لا بالغضب، باكتشاف الفجوة الهائلة بيننا وبين العالم، لا بتجاهلها والحديث عن «مؤامرات هدم الدولة».

الدولة فى عيون العالم «صورة» وليست «مهرجانا للزغاريد»، وقادة العالم سيكتفون بابتسامات خافتة ولن يسألوك عن أهداف «زفة الدولة» لزيارة ناجحة، لكن شعبك من حقه (بل ومن واجبه أيضاً) أن يسألك بوضوح: «لماذا تشتكى من الثعابين فى كل حديث وأنت تتركهم يرقصون حولك فى كل زيارة؟».

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل