المحتوى الرئيسى

الإسلام كما أدين به

09/22 21:22

إذا كان «علم الاقتصاد» يتخصص فى السلوكيات الاقتصادية للبشر مثل الإنتاج والتوزيع والاستهلاك، فإن «علم الأموال» أوسع من ذلك بكثير. فـ«علم الأموال» يبحث فى أصل المال كما يتعرف على خالق المال وصانعه سبحانه وتعالى ورازقه عبر قنوات كثيرة لا تعد ولا تحصى. وينطلق علم المال ليؤسس العلاقة الصحيحة بين الأموال وبين المسلم، وهل هى علاقة استحواذ وجمع؟! ((الذى جمع مالا وعدده* يحسب أن ماله أخلده))، أم أنها علاقة تعرف وتكامل بين المنافع المتعددة للمال وبين الإنسان المنتفع. ففى حقيقة الأمر ليس بين الإنسان والمال إلا حقيقة واحدة هى الانتفاع المباشر لتصحيح حركة الحياة أى الانتفاع المعاصر للاستخدام. أما الإفراط فى امتلاك أموال غير مستخدمة واكتناز أموال غير فاعلة أو مؤجلة المنفعة، أو منع المال عمن يحتاج إليه أو التنافس فى الاستحواذ دون منفعة فورية فكل ذلك مؤشرات خطيرة لضعف الإيمان وعدم الرشد. فإذا انقلبت العلاقة بين الإنسان والمال إلى سيطرة وتحكم بغرض الاكتناز والمنع عن الآخرين والاستعلاء فى العطاء أو المنع مثلما تفعل الدول الكبرى فإنها علاقة فاسدة تؤدى دور ألوهية مدعاة، فتسوق صاحبها إلى حتفه مهما طال الأجل لأنهم يدمرون الإنتاج بإلقائه فى البحر أو إحراقه. كما أن هناك علاقة أشد فسادا بين الإنسان والمال وهى علاقة الإهمال وعدم البحث وعدم الانتفاع وعدم التجاوب مع المسخرات التى خلقها الله لنا. وهناك علاقة متجذرة فى الفساد وهى علاقة الاستغلال بغير وجه حق تفضيلا للنفس على الآخرين مثلما تفعل كثير من النخب فى بلاد العالم الثالث.

والمسلم ــ كما أتصور ــ لا يجد فى الكون المنظور كله سوى مخلوقين عظيمين وهما الأموال والإنسان وقد خلق الله الأموال قبل خلق الإنسان. نعم فتلك حقيقة مؤكدة فكل ما سخره الله لنا حتى السماوات والشمس والقمر هى بالنسبة للبشر عموما أموال بشكل أو آخر، فضوء الشمس وحرارتها مصادر إغناء للبشر لو أحسنوا الاعتبار والتفكير والاستثمار، واسأل عن «الهواء» وقيمته المالية. اسأل عنه من يستخدم الهواء فى حمل الطائرة كوسيلة انتقال أو اتصال، أو من يستخدمه لحمل الصور والرقميات. كذلك فاسأل من يصاب بضيق التنفس كم يدفع ليتناول الهواء «الأكسجين» بطريقة علاجية مناسبة لمرضه، بل تعالى نسأل كم ندفع لنجلب الهواء من خلال أجهزة التكييف والمراوح إلى آخره. ودون إطالة فجميع المسخرات الكبرى والصغرى أموال تستحق التقويم والمحافظة وحسن التعامل وإحسان الاستثمار وإتقان «تدوير البواقى والنفايات».

هكذا يدرك المسلم منذ مراحل تربيته الأولى أهمية كل كائن فى هذا الكون، فالأرض سكن ومزرعة ومصنع وملتقى ترفيه، بل مستشفى ومدرسة إلخ. فلا عدوان على الأرض بسوء استخدام ولا إهمال لها بعدم السير فى مناكبها والبحث فيها ولا غفلة عما تضمه الأرض من مسخرات أخرى كخيرات اختزنها الله للإنسان. ولقد بلغ من جهل بعضهم أنهم يريدون التدخل بين الساكن (الإنسان) وبين المسكون (الأرض) تدخلا جاهلا يتناسى أن الساكن والمسكون ملك للحكيم الخبير، فهل يمكن أن تكون القوى البشرية فى حد ذاتها سببا لتقدم دول وسببا لتأخر دول أخرى كما يدعى هؤلاء القاصرون؟! حيث يزعمون أن زيادة السكان سبب للفقر والجهل والمرض.

والقراءة الصحيحة لتاريخ البشرية تنفى بشدة أن تكون زيادة النسل سبب من أسباب التخلف، ولم يقل ذلك إلا هؤلاء المزورون المتسللون إلى أخبث الأغراض من خلال أقاويل وإدعاء نظريات ثبت فشلها فى بلاد قليلة الموارد مثل الصين واليابان. فهاتان الدولتان تعتمدان على القوى البشرية لا غير، فإذا لم يكن المتصدرون وشاغلوا العروش من أهل القدرة على استيعاب زيادة النسل وإحسان التفاعل والتفعيل بين النسل وبين الكون فليسارعوا بمراجعة أنفسهم ومراجعة معلوماتهم قبل أن تراجعهم الأقدار بما لا يحبون ولا يطيقون.

نرشح لك

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل