المحتوى الرئيسى

وجهة نظر: برلين تعترف أخيرا بخطر اليمين المتطرف

09/22 16:44

لم يحصل هذا من قبل: لا تكتم عن التطور الحاصل في أراضي ألمانيا الديمقراطية سابقاً في التقرير الرسمي للحكومة الألمانية. فالحديث يدور عن خطر جدي على حركة النمو بسبب بنية اليمين المتطرف، وعن خطر التخلي عن مدن وقرى بكاملها لتمدد شبح اليمين المتطرف، وأيضاً عن الخطر المحدق بكثير من جوانب الحياة في شرق ألمانيا. ومندوبة الحكومة لشؤون الولايات الشرقية إيريس غلايكه اعترفت بكل صراحة بأنها تواجه خلال أسفارها إلى الخارج، مثلاً مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية تساؤلات حول ما إذا كان ممكنا بكل راحة ضمير توظيف استثمارات في الولايات الألمانية الجديدة، أو أن الأجنبي هناك غير مرغوب فيه بكل بساطة. والمندوبة غلايكه أوضحت بأنها عاجزة عن تفنيد قلق السائلين.

إريس غلايكه، مندوبة الحكومة لشؤون الولايات الشرقية

ضعف الاقتصاد كذريعة لكل شيء

أكيد أن الشرق بعد 26 عاماً من الوحدة الألمانية بحاجة كبيرة إلى تحقيق تعويض كبير، فالاقتصاد هناك متعثر، والكثير من الشباب يغادرون الولايات الشرقية. والمؤسسات الاقتصادية صغيرة الحجم، وقلما توجد فروع شركات كبرى. وعليه فإن نسبة البطالة أكبر من مثيلاتها في غرب البلاد، وكذلك هو انعدام الأفاق. ولكن هذا الوصف تحديداً للوضع تم اعتماده طويلاً كتعليل لتنامي المد اليميني المتطرف الأقوى في الشرق.

وتم ببساطة إنكار المشكلة لفترة طويلة. ولا يُنسى هنا تصريح رئيس وزراء ولاية ساكسونيا كورت بيدنكوبف من الحزب المسيحي الديمقراطي، عندما قال سابقاً بأن ولايته محصنة ضد اليمين المتطرف. وسياسيون آخرون تحدثوا دوماً بصفة مبهمة عن مشكلة من الهامش اليميني وكذلك اليساري وكأن المتطرفين اليساريين في الولايات الشرقية يشكلون فعلاً مجموعة كبيرة.

التقرير الحكومي يقول بكل وضوح: في الأماكن التي تظهر فيها كراهية الأجانب مثلاً أمام دور إيواء اللاجئين، خلافاً للوضع في غرب البلاد ينعدم احتجاج من وسط المجتمع، بل عكس ذلك، لأنه ليس نادراً أن يتم الترحيب بشكل صامت أو بكل صراحة باعتداءات ضد مهاجرين. ويتم الجهر حالياً بكل صراحة بأن معاداة الأجانب ازدادت في السنوات الأخيرة، لاسيما منذ أزمة اللاجئين. والتقرير لا يغفل ذكر أن نسبة الأجانب في الشرق هي في الغالب ضئيلة للغاية.

هذا الوضوح جيد، لكن الحقيقة الخافتة تبقى قائمة لكون دراسة الأوضاع هذه تأتي في هذه الفترة بالذات، لأن أحزاب الائتلاف الحكومي تشعر بمضايقة نجاحات حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي لها في الشرق، حيث تخسر الانتخابات. والآن يجب أن تصدر بسرعة أفعال: تخصيص أموال أكثر للمبادرات المناهضة لليمين وحضور أكثر للشرطة ووضوح أكبر لدى حكومات الولايات ورؤساء الوزراء الذين يميلون في الغالب خوفاً من المواطن إلى نقل صورة إيجابية عن الوضع في ولاياتهم. لكن الخطوة الأولى قد تمت وهي الاعتراف بوجود خطر قوي في الشرق على المجتمع من طرف اليمين المتطرف. والخطوة القادمة والحاسمة هي أخيراً فعل شيء ضد هذا المد.

لسنوات ويمنيون متطرفون، ينشطون في إطار ما يسمي بالخلية النازية السرية، يقتلون أناسا في مختلف أنحاء ألمانيا. والمتهمون هم أوفه مونلوز، أوفه بونهارت (في الصورة – في الوسط) وبيآته شيبه. ضحاياهم: ثمانية أشخاص من أصل تركي ويوناني بالإضافة إلى شرطية. دافعهم المحتمل في ذلك هو كراهيتهم للأجانب. وإلى حدود عام 2011 كان الرأي العام يجهل هوية هؤلاء وأن القتلة هم من اليمينيين المتطرفين.

في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 2011 تم كشف النقاب عن سلسة عمليات القتل التي راح ضحيتها ثمانية أتراك ويوناني بالإضافة إلى شرطية. في ذلك اليوم حاول أوفه موندلوز ورفيقه أوفه بونهارت سرقة بنك بمدينة آيزناخ، ولكن العملية باءت بالفشل. وعندما حاولا الفرار في شاحنتهما، تتبعتهما الشرطة وحاصرتهما. عندها قام موندلوز بقتل رفيقه بونهارت قبل أن يضرم النار في الشاحنة وينتحر، وفقا لتحريات الشرطة.

بعد مقتل أوفه موندلوز وأوفه بونهارت انفجرت الشقة التي كانا يسكنا فيها رفقة بيآته شيبه في بلدة تسفيكاو بشرقي ألمانيا. بعدها بأربعة أيام سلمت شيبه نفسها للسلطات الألمانية التي تقول إن المتهمة أضرمت النار عمدا في المنزل لإخفاء أدلة تدين الثلاثي في عمليات القتل. ولا تزال شيبه في الحبس التحفظي إلى حين مثولها أمام القضاء.

وجد المحققون في حطام المنزل، الذي كان يسكن فيه موندلوز ومونهارت رفقة بيآته شيبه، شريط فيديو يتضمن اعترافات الثلاثي الذي يطلق على نفسه اسم "الخلية النازية السرية" بقيامه بعمليات القتل. ويعرض شريط الفيديو، الذي يبلغ طوله 15 دقيقة، أماكن وضحايا عمليات القتل التي نفذتها الخلية في ألمانيا ما بين عامي 2000 و2007.

ويتضمن الفيديو الذي صور على شكل صور متحركة رسائل معادية للمهاجرين ومقاطع تحتقر ضحايا عمليات القتل. ويقال إن بيآته شيبه قد قامت، قبل إلقاء القبض عليها، بإرسال هذا الفيديو إلى أشخاص آخرين.

إلى يومنا هذا لا تزال دوافع عمليات القتل وكذلك القاتلين والمتورطين فيها والمدبرين لها في كنف الغموض. وفي البداية كانت هناك تخمينات بأن القتلة ربما من تجار المخدرات، ولكن شريط الفيديو الذي عثر عليه خلال عمليات التحري أظهر أنهم من اليمنيين المتطرفيين أو بالأحرى النازيين الجدد...

في 10 من يونيو/حزيران عام 2004 أي بعد يوم من عملية اعتداء بقنبلة مسامير في أحد شوارع مدينة كولونيا الألمانية الذي تقطنه غالبية تركية أسفرت عن جرح 22 شخصا، قال وزير الداخلية الألماني آنذاك أوتو شيلي إن كل الأدلة تشير إلى أن الدوافع إجرامية. وبعدها بسنوات، أي عام 2011 تبيَّن أن المدبرين ليسوا مجرمين عاديين وإنما من النازيين الجدد...

في 23 من فبراير/شباط عام 2012 أقيمت في برلين مراسم إحياء ذكرى ضحايا عمليات القتل اليمينية المتطرفة. وقد شارك في هذه المراسم أهالي الضحايا وعدد من كبار المسؤولين الألمان على غرار المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي اعتذرت لأهالي الضحايا، مؤكدة لهم العمل على كشف ملابسات هذه العمليات ومحاسبة المسؤولين عنها.

في الرابع من نوفمبر/تشرين الأول عام 2012، أي بعد كشف النقاب عن الخلية النازية السرية بسنة، خرج الناس في عدة مدن ألمانية تضامنا مع أهالي ضحايا عمليات القتل النازية، منددين باليمين المتطرف. كما طالبوا بكشف الحقيقة عن المدبرين والمنفذين لها ومحاسبتهم، موجهين انتقادات للسلطات الألمانية بالتباطئ في عمليات التحري والتحقيق.

فشلت السلطات الألمانية في الكشف عن عمليات القتل النازية، ذلك أن ملفات مهمة بهذا الشأن إما ظهرت بشكل متأخر أو اختفت بعد التخلص منها. وهو الأمر الذي أدى إلى تعطيل عمل لجنة التحريات حول الخلية النازية السرية التي يرأسها النائب عن الحزب الديمقراطي الاشتراكي في البرلمان الألماني زيباستيان إيداتي.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل