المحتوى الرئيسى

إمبابة.. مستودع رئيسى لنفايات الجيزة

09/22 13:44

مصر بانية الأهرامات.. ولكنها ضمت للأهرامات مؤخرًا تلال القمامة لتكون علامة مميزة لشوارعها، تمتلئ بها الأحياء الشعبة والراقية، حتى أصبحت مصدرًا للأمراض والأوبئة، مأساة تتجدد مع كل طلعة شمس.

فأينما تحركت داخل شوارع المحروسة تلتقط أنفك رائحتها من بعد، وترصد عيناك ارتفاعها وما إن تمر بجوارها حتى يلاحقك الذباب والحشرات، التى تنقل أمراضًا خطيرة مثل السل والتيفود.

وأزمة القمامة فى مصر ليست جديدة، وحلها ليس سهلاً، فهى أحد العناصر التى أطاحت بـ«مرسى» من الحكم حينما وعد بحلها فى 100 يوم.. غريب فى تلك الأزمة أن أكوام القمامة منتشرة وسط التجمعات السكانية، ترصد أعين المسئولين من رؤساء الأحياء وحتى المحافظين والمدهش أنهم قد اعتادوا رؤيتها وكأنها علامة مسجلة لشوارع مصر.

والأزمة بدأت مع قرار حكومى فى عهد مبارك بإسناد النظافة إلى شركة أجنبية وذلك بعد أن قامت محافظة الإسكندرية فى عام 2001 بالتعاقد مع شركة فرنسية لرفع القمامة وبعدها بعام تعاقدت محافظتا القاهرة والجيزة برعاية عاطف عبيد رئيس الوزراء، مع شركات إيطالية وإسبانية لمدة 15 عامًا، وكانت حجة الحكومة وقتها أن الشركات المصرية لم تفلح فى رفع القمامة من الشوارع لأنها لا تملك الأجهزة الحديثة للتعامل مع القمامة بشكل علمى، وكانت بنود التعاقد أن تقوم الشركة برفع 17 ألف طن من القمامة يوميًا من القاهرة والجيزة مقابل 257 مليون جنيه فى السنة.

وبعدها اهتدى المسئولون إلى فكرة يستطيعون من خلالها جمع تلك المبالغ من المواطنين وهى ربط فاتورة الكهرباء بالنظافة، ومضت السنوات والمواطنون مجبرون على دفع رسوم النظافة والقمامة تتراكم يومًا بعد يوم أمام أعينهم فى شوارع مصر حتى تغيرت سلوكيات المواطن المصرى بعد أن كان يبحث عن صندوق للقمامة أصبح يلقى بالمخلفات فى وسط الطريق وبين السيارات وأمام المدارس والمستشفيات ليتخلص منها ويبتلى بها غيره.. والنتيجة تحول شوارع مصر إلى صندوق قمامة كبير.

تحقيقات «الوفد» رصدت بعض المواقع التى تمثل بؤر تجمع دائمًا للقمامة بالعاصمة كان أبشعها فى حى إمبابة حيث شاهدنا تلالاً من القمامة وكميات هائلة من مخلفات المبانى التى تغلق الشوارع.

أكثر ما لفت انتباهنا داخل محافظة الجيزة أن المناطق الراقية والفقيرة تشابهت فى شىء واحد هو أن حاويات خضراء كبيرة الحجم تملأها القمامة وتتجمع حولها القطط والكلاب الضالة توجهنا إلى حى إمبابة وفى شارع الوحدة، وكانت القمامة علامة لمن يبحث عن الشارع فالزبالة هى عنوان هذا الشارع الذى مر به قبل سنوات الأمير تشارلز ولى عهد بريطانيا.

أكوام من القمامة ملقاة يمينًا ويساراً.. تقف إلى جوارها عربات بيع الأطعمة ويمر المواطنون بجوارها ويساهمون فى زيادة تلال القمامة بعد أن جاء كل منهم بكيس أسود كبير وألقى به فى وسط الطريق وكأنه يتخلص من قتيل.

أيمن عادل مهندس معمارى يقول: «المشكلة فى المسئولين وكثرة وعودهم بحل الأزمة دون أى جديد، صناديق القمامة عددها قليل وهو ما يدفع المواطن إلى إلقاء مخلفاته فى أى مكان، وبالتالى يأتى مواطن آخر غيره فيرى القمامة فيرمى هو الآخر بها.. آخرون يرون ان صناديق القمامة بعيدة عن منزله فيضطرون إلى إلقائها بجوار الرصيف.. وخلال نصف ساعة تجد تلًا من القمامة يغلق الطريق».

أما أحمد مصطفى الذى يسكن في حى بشتيل فيصف معاناته قائلاً: «الحى ممتلئ بالقمامة وأخشى على أطفالى من الأمراض.. وأرسلت شكاوى للحى ولكن دون جدوى.. الحكومة لا تنظر إلى معاناة المواطن بقدر ما تنظر إلى كيف تخرج ما فى جيبه، وبدل الفلوس اللى بياخدوها مننا فى فاتورة الكهرباء يلغوا التعاقد مع الشركات الأجنبية.

فوزى رجب أحد سكان حى دار السلام يطالب بمحاسبة كل المسئولين عن الحالة التى وصلت لها شوارع القاهرة، وقال: «فى بداية الإعلان عن إضافة رسوم النظافة على إيصال الكهرباء خرج المسئولون ليقنعوا المواطن بجمال الفكرة، وأن الزبال سيأتى إلى باب البيت وتفاجأنا أن الزبالة لا يأتى أحد ليأخذها.. واضطررنا أن نلقى بها فى الشوارع لنتخلص منها».

ويرى شحاتة المقدس، نقيب الزبالين، أن شركات النظافة تفتقر إلى الأيدى العاملة بسبب هروب كثير من العاملة لضعف الأجور وتكليفهم بما يفوق طاقتهم، كما أن الحكومة كانت تسعى للتخلص من الزبال التقليدى، بالتعاقد مع الشركات الأجنبية التى أثبتت فشلها لتعود الحكومة مرة أخرى للتعاقد مع الزبالين.

وطالب شحاتة برحيل الشركات الأجنبية والاعتماد على الزبال التقليدى، فمنذ قدوم الشركات واتجه «الزبالون» إلى جمع المخلفات الصلبة لإعادة تدويرها وترك القمامة للشركات، وطالب نقيب الزبالين بإنشاء جهاز مستقل لإدارة منظومة النظافة فى مصر.. لكن لم يستجب لهم، مؤكدًا أن مشكلة القمامة متفرقة بين عدة جهات منها وزارة البيئة ورؤساء الأحياء والهيئة العامة للنظافة والتجميل.

والقمامة فى مصر تعد من أغنى أنواع القمامة فى العالم، إذ يصل سعر الطن الواحد إلى حوالى 6 آلاف جنيه لما تحويه من مواد عضوية وصلبة بـ 12 ألف جنيه، رغم أنها يمكن أن توفر لمصر 9 ملايين طن من السماد العضوى تكفى لزراعة مليونى فدان، ترتفع إلى 14. 5 مليون طن، بحسب الإحصاءات فى نهاية عام 2016، بجانب إنتاج 3 ملايين طن ورق و 248 طن زجاج و336 ألف طن حديد.

وبحسب الإحصائيات تتحمل مصر نحو 10 مليارات جنيه سنويًا خسائر ناتجة عن أضرار القمامة، وتنفق حوالى 24 مليار جنيه لمكافحة التدهور البيئى فى حين لو تم استثمار القمامة بشكل جيد ستدر ربحًا كبيراً.

وتشير الإحصائيات إلى أن حجم القمامة فى مصر يتجاوز 20 مليون طن سنوياً.. ومن المتوقع أن يصل حجمها إلى نحو 30 مليون طن خلال السنوات الأربع المقبلة.

Comments

عاجل