المحتوى الرئيسى

أين ذهبت ملابس مصر؟!

09/21 22:49

رأى ابن خلدون أن للدول أعماراً مثل الأشخاص، وأن متوسط ذلك العُمر ثلاثة أجيال، أى قرابة المائة عام، تدخل بعدها الدولة فى مرحلة اندثار وانحسار إلى أن تواجه مصيرها المحتوم عبر الاحتلال بأشكاله المتعددة.

وموت الدول ليس رهناً بزمن محدد قيمته بشكل آلى، ولكن الموضوع متعلق بطباع البشر وصفات الأجيال، فآخر أجيال الدولة يكون فاقداً للإبداع فى السِلم وللإقدام فى الحرب، مما يجعل من حولها يتفوق عليها إما اقتصادياً أو عسكرياً.

وكمثال، فإن أحد التفسيرات البيولوجية لانهيار الإمبراطورية الرومانية يفترض أن من أسباب ذلك ضعف وغباء الأجيال الرومانية الأخيرة، ويُعزى هذا لشربهم وأكلهم طوال أجيال فى آنية مصنوعة من الرصاص، فضلاً عن نقل الماء فى مواسير من المادة ذاتها، والذى ترسب فى أجسادهم مخلفاً أجيالاً أقل كفاءة وقوة.

وإذا افترضنا أن الدولة إنسان، وقلنا إن عُمر الدولة المصرية بأطوارها كافة، وهو خمسة آلاف عام، تمثل متوسط عُمر المواطن المصرى بكل مراحل عمره، وهو سبعون عاماً، فإننا نجد أن السنوات الخمس الماضية، منذ قيام ثورة يناير وحتى الآن، وكأنها نحو ثلاثة أسابيع فى عُمر المواطن.. فى هذه المدة القصيرة وجدت الدولة نفسها عارية فى مكان مظلم لم توجد فيه من قبل، عملية تعرية استراتيجية مفاجئة وسريعة فجأة وبسرعة.

إحدى ركائز عقيدة الدولة المصرية وجيشها طوال سبعة عقود هى أن العدو مستقر فى الشمال الشرقى، فيما المحيط كله أصدقاء من الجهات الأخرى جميعها. وخلال خمس سنوات فقط، أصبحت الدولة محاطة بالأعداء من كل الجهات دون استثناء: إسرائيل وميليشيا فى الشرق.. ومجاهدون يتسللون من الجنوب.. وقراصنة فى البحر الأحمر.. وحوثيون فى باب المندب.. ومقاتلون من جنوب أوروبا يستخدمون مصر كترانزيت لسوريا.. وألف كيلومتر حدود ملتهبة مع ليبيا، خصوصاً جنوبها التى لم تعد واضحة، هل هى ليبية أم تشادية؟

أما الجيش المصرى المتطور فقد وجد نفسه فى حرب جديدة عليه، حرب عصابات وليست مواجهات واسعة مباشرة مثلما اعتاد طوال تاريخه.

يأتى كل هذا التحول الدرامى وسط عقيدة سياسية راسخة للإخوة فى الخليج، وهى فى الواقع عقيدة دينية لا تفهم من الأمر غير إشكالية «سُنة وشيعة»، وهى زاوية ضيقة واحدة للنظر للأمور، لن يتم معها مثلاً التفهم أن تدمير سوريا هو هدم لمنطقة مخلخلة بالأساس، خاصة إذا كانت بعض الدول تحارب سوريا لأن «أبو رئيسها» كان يكره «أبو ملكها»!

يُضاف إلى ما سبق تغير جيوسياسى لا بد أن نكون على وعى به؛ فدول الخليج لم تعد صغيرة، بل تقدمت وأصبح لديها أجيال كثيرة متطورة علمياً، ولا يكن الجميع مشاعر الامتنان لمصر بالضرورة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل