المحتوى الرئيسى

لماذا سحب «حفتر» قواته من مناطق البترول؟!

09/21 22:49

بكل المقاييس شكلت سيطرة قوات المشير «حفتر» قبل أسبوعين على الموانئ الليبية الثلاثة الأهم لتصدير النفط الليبى فى منطقة هلال البترول التى تتوسطها مدينة أجدابيا ضربة معلم رفعت شعبية «حفتر» إلى عنان السماء، ليس فقط لمجرد أنه وضع الموانئ الثلاثة تحت سيطرة الجيش الليبى باعتبارها استحقاقاً وطنياً لا يجوز لأى من الميليشيات المسلحة السيطرة عليها، ولكن لأنه سلم الموانئ الثلاثة صبيحة اليوم الثانى إلى المؤسسة الوطنية الليبية للبترول باعتبارها الهيئة الفنية المسئولة عن إدارة مرافق النفط الليبى، وزاد على ذلك إعفاءه قائد حرس المنشآت البترولية، إبراهيم خضران، الذى يعرف الجميع فساده من منصبه، ليضع مكانه عقيداً محترفاً من القوات المسلحة الليبية هو مفتاح المقريف، فى خطوة تصحيحية كبرى لقيت قبولاً شعبياً واسعاً، وبهذا التصرف المسئول أثبت «حفتر» أنه رجل دولة بالفعل وليس مجرد ضابط ليبى كبير يطمح فى أن يكون القائد الأعلى للقوات الليبية المسلحة، يصوره أعداؤه على أنه مشروع ديكتاتور جديد يريد أن يرث حكم «القذافى»!.

لم تستغرق مهمة المشير «حفتر» سوى ساعات محدودة بعدها انسحبت قواته من المواقع الثلاثة بعد أن سلمتها لحرس المنشآت البترولية وهو بالمناسبة مؤسسة عسكرية تتبع القوات المسلحة الليبية، ليقطع الطريق على أطراف عديدين حاولوا استثمار ما فعله «حفتر» من أجل إثارة حرب أهلية جديدة!، بدعوى استرداد الموانئ الثلاثة من سيطرة «حفتر» المنفردة، كما سعوا إلى تحريض قوى الغرب على التحرك ضد «حفتر» التى سارعت بإصدار بيان شديد اللهجة وقعته الولايات المتحدة وخمس دول أوروبية يطالب قوات «حفتر» بالانسحاب الفورى، ويهدد باستخدام القوة، فى الوقت الذى كانت قوات «حفتر» قد غادرت فيه المواقع الثلاثة بعد أن أعلنت تسليمها إلى المؤسسة الوطنية الليبية للبترول، وبرغم انسحاب قوات «حفتر» فإنها بقيت عن قرب فى حالة استعداد كامل، جاهزة لمواجهة أى تدخل عسكرى من جانب أى من الأطراف المتآمرة.

وطبقاً لتصريحات مسئول ليبى كبير شملت خطة المشير «حفتر» منذ البداية تنظيم الانسحاب الفورى من المواقع الثلاثة فور تسليمها لمؤسسة البترول ليقطع الطريق على أى طرف يسعى لاستخدام القوة بحجة الدفاع عن ممتلكات الشعب الليبى ويتسبب فى دمار هذه المرافق الحيوية الضخمة.

وربما لا يكون سراً، أن المشير «حفتر» كان يخطط لهذه المهمة قبل ثلاثة شهور، لكن النصيحة المخلصة التى تلقاها من أصدقاء قريبين بأن يؤجل التنفيذ بعض الوقت إلى أن يتمكن من إقناع قبائل المغاربة التى تسكن منطقة أجدابيا بسلامة هذه الخطة التى استهدفت حماية مقدرات الشعب الليبى، وبسبب مساندة قبائل المغاربة لخطة «حفتر» تمت العملية فى سلام وهدوء دون أى تضحيات ولم تستغرق سوى مجرد ساعات.

ولا يقل وطنية واحتراماً موقف رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية ورئيس المجلس الرئاسى، فايز السراج، الذى رفض منذ اللحظة الأولى دعاوى التدخل العسكرى ضد قوات «حفتر» من قبَل بعض أنصار قوى الإسلام السياسى فى طرابلس!، التى اقترحت استخدام قوات (البنيان المرصوص) التى يتبع معظمها مدينة مصراتة لاستعادة الموانئ الثلاثة، لكن رئيس الوزراء فايز السراج، رفض الفكرة من الأساس، مؤكداً أن الحوار وحده هو الطريق الصحيح لحل هذه المشكلة، كما رفض بيان الدول الغربية مطالباً الدول الست بأن ترفع يدها عن المشكلة لأن الليبيين قادرون على تسوية مشكلاتهم عبر الحوار، ليثبت بالفعل أنه رجل دولة مسئول وشخصية توافقية تستحق الاحترام لرفضه الصدام العسكرى الذى كان يمكن أن يأخذ ليبيا لحرب أهلية جديدة مدمرة، فى ظل مساحة الخلاف الكبير بين شرق ليبيا الذى يشكو من تهميش مصالحه على امتداد 42 عاماً من حكم «القذافى»، وغربها الذى تخترقه كثير من جماعات الإسلام السياسى والميليشيات الجهوية المسلحة والتنظيمات الأكثر تطرفاً التى تطلق على نفسها (أنصار الشريعة) يقودها رأس الفتنة المفتى صادق الغريانى، فضلاً عن أن السنوات الأربع الأخيرة مزقت البلاد ودمرت مؤسساتها وتركت تارات عديدة بين القبائل والجهات وداخلها تنتظر شرارة حرب جديدة!.

وكما رفعت عملية سيطرة قوات «حفتر» على الموانئ الثلاثة وتسليمها لمؤسسة البترول الوطنية شعبية «حفتر»، لأنه تصرف بكياسة وحكمة أشعرت الليبيين أن هدفه النهائى هو حماية مقدرات الشعب الليبى، صححت العملية صورة رئيس الوزراء فايز السراج، وأبرزته باعتباره شخصية توافقية يمكن أن تكون موضع ثقة غالبية محترمة من الشعب الليبى، ويمكن أن تساعد على خلق مساحة من التوافق السياسى تقرب المسافات بينه وبين المشير «حفتر»، وتخلق مناخاً جديداً فى البلاد يشجع على المصالحة الوطنية بين شرق ليبيا وغربها، وينهى هذا الترصد المسبق الذى أدى إلى انشقاق عميق بين البرلمان والحكومة، خاصة أن الليبيين وقفوا جميعاً على قلب رجل واحد وهم يرفضون أفراداً وجماعات بيان الدول الغربية، الذى مثل بالنسبة لهم ابتزازاً مرفوضاً يكشف عن أطماع الغرب فى السيطرة على مقدرات ليبيا البترولية، كما يمثل فى الوقت نفسه تحدياً لليبيين الذين أوشكت بلادهم على الإفلاس بينما تملك واحداً من أهم احتياطات البترول فى العالم لجودته ونقائه وقربه من ساحل البحر الأبيض، فضلاً عن تكاليف استخراجه المعقولة؛ لأنه فى ظل ضمانات الجيش الليبى لأمن واستقرار منطقة الهلال البترولى التى تشمل حقول البترول وموانيه وتمتد من أجدابيا وسط البلاد إلى مدينة سرت تستطيع مؤسسة البترول الوطنية رفع قدرة البلاد على إنتاج البترول إلى 600 ألف برميل فى غضون شهور معدودات، بعد أن هبطت خلال السنوات الأربع الأخيرة من حدود مليون برميل يومياً إلى 200 ألف برميل تكاد تكفى استهلاك ليبيا الداخلى.

وهذا ما أدركته الدبلوماسية المصرية التى تتابع عن قرب الأزمة الليبية وتدرك تفاصيلها وأبعادها وتعايشها يوماً بيوم، عندما رأت أن ما حدث فى قضية الموانئ الثلاثة التى أثبتت صلابة وذكاء «حفتر» وحسن تقدير رئيس الوزراء فايز السراج، ووحدة الشعب الليبى ضد مخططات الغرب والإرهاب، خلق أرضية جديدة يمكن البناء عليها، وأن الظروف الراهنة بكل إيجابياتها، كما يؤكد السفير المصرى فى ليبيا محمد أبوبكر صالح، تؤهل ليبيا لخطوة جديدة على طريق الاستقرار تتمثل فى المصالحة الواسعة بين الليبيين التى تلم شمل الجميع وتضع ليبيا على طريق الأمن والاستقرار.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل