المحتوى الرئيسى

زيد الطيار يكتب: الشباب بين التطرف والإلحاد | ساسة بوست

09/21 13:13

منذ 1 دقيقة، 21 سبتمبر,2016

انتشرت في السنوات الأخيرة، وخاصة بعد ثورات الربيع العربي، ظاهرة بالمجتمع، وهي ضياع الكثير من الشباب بين فكري التطرف والإلحاد؛ نظرًا لما يمر به الشرق الأوسط من أحداث.

فإذا ما جئنا إلى معنى التطرف فهو الخروج عن المألوف والابتعاد عن الوسطية من غير إفراط ولا تفريط، حيث إننا لم نجد هذا المصطلح بالمفاهيم الإسلامية، إلا كلمة غلوّ فهي مرادفة له، ونجد الكثير من الأحاديث والأقوال تتكلم وتنهي عن الغلو، لكن إذا ما عدنا إلى واقع الشباب فنرى الكثير منهم قد انحرف فكرهم إلى شقين: الأول، وهو التطرف، والثاني، وهو الإلحاد، وهما صفتان متضادتان, فقد أفرط الأول في التعاليم الإسلامية، وانحرف الثاني في الاتجاه المعاكس عنها؛ نتيجة لما يمر به مجتمعنا من تغييرات، وإذا ما جئنا إلى قول عامة الناس، أو ـ ربما ـ المتخصصين أيضًا، فنراهم يكثرون من كلمة: إنها مؤامرة يُراد منها تفكيك نسيج المجتمع الإسلامي، وخاصة فئة الشباب,نعم لربما هي كذلك، لكن بشيء قليل جدًا فلو لم يكن المجتمع قابلا للتغير والانحراف، ولو لم يكن لهاذين الأمرين البيئة الخصبة للنمو لما نجحت هذه المؤامرة المزعومة، وهذا الأمر يقع على عاتق العلماء والدعاة الذين أسهبوا وزرعوا في عقول الكثير من الشباب بدافع الدفاع عن الدين والعرض والأرض أو من دافع درء الظلم وما شابه ذلك وبعدها أصبح السيل عاليًا، وانقلب التلميذ على الأستاذ.

إذن فالشاب المتطرف يقسم إلى ثلاثة أقسام، أوله قد يكون أصله ملتزمًا، وغلا في منهجه وانحرف، أو قد يكون ممن أخذته الحمية، وليس لديه أي مفهوم وقاعدة دينية، والأخير ممن تعرض إلى ظلم واضطهاد؛ مما دفعه للانتقام ووجد هذه البيئة مناسبة له لتحقيق مبتغاه، أما الأول فمن الصعب تفكيك ما في عقله. الثاني من السهل تعديل منهجه. أما الثالث فيزول ذلك التأثير بعد تحقيق انتقامه.

وإذا ما جئنا إلى كل واحد منهم نراه له حجته الخاصة به، ومقتنعًا بها إلى حد ما.

أما الإلحاد فهو حركة عكسية ظهرت نتيجة انتشار خطاب ديني متطرف استغله عمالقة الإلحاد في نشر فكرهم بين الشباب، وخاصة عن طريق الإعلام بمواقع التواصل الاجتماعي فنجد الكثير من صفحات «فيسبوك» و«تويتر»، والتي لها الآلاف من المعجبين والمتابعين، تنشر أفكارها الإلحادية، وبطريقة ممنهجة كالطريقة التي استخدمها المتطرفون في نشر فكرهم، وقد استجاب وتفاعل معها الكثير من الشباب، وحتى الذي لم يستجب، يكتفي بالتأييد، وهذا أمر خطير أيضًا.

فكوني أحد الشباب الذين ترعرعوا في بيئة إسلامية، وأرى واقع الشباب من حولي فأراه مشتتًا، وهذا أمر طبيعي، كيف لا يتشتت وهو يرى أصدقاءه، إما أصبح متطرفًا أو ملحدًا، أو ممن انسلخ عن الروابط الدينية والخطاب العقلاني. أذكر أن أحد أصدقائي كان ملتزمًا فرأيت منشوراته تدعو إلى الإلحاد نوعًا ما، فقمت بالتواصل معه بطريقة غير مباشرة، لكنه اختصر لي الطريق وقال: «لن أدخل مسجدًا بعد اليوم، وأنا نادم عن ما كنت عليه سابقًا فلم يخرّب مجتمعنا إلى أصحاب الدين، والمساجد»، مع العلم أنه كان أحدهم.

أذكر أن ردي كان بواقعية، فقلت له: لا يرتجى من مثلك هذا الكلام، وان كان جزء من العبارة الأخيرة صحيحًا، لكن لا يمكن لك التعميم، ولم أزد عليه تقديرًا للخلط الذي حل به.

وأذكر أن الثاني، والذي كان لا يمتلك أية قاعدة دينية قد أخذته الحمية وانخرط إلى التطرف، وأيضا حاورته ونصحته، لكن كان رده قاسيًا واتهمني بالكثير من الاتهامات وأدخلني في دوامة كدت أن أفقد حياتي بسببها، لكن الله سلم.

وأيضًا أذكر أحد الأصدقاء ممن كان ملتزمًا معتدلًا قد انخرط إلى التطرف، وهو الآن فقد حياته نتيجة الخلط الذي حدث له.

الثلاثة فقدوا حياتهم، فالأول انحرف إلى الإلحاد، وفقد جوهره وحياته. والثاني أصبح متطرفًا يكفر القاصي والداني. وهذا أيضًا فقد حياته، على الرغم من أنه من الأحياء حاليًا، والأخير فقد حياته وشبابه فعلًا، وأصبح في عِداد الموتى.

أذكر أن أحد أصدقائي قال لي قبل أيام «عيني هم المتطرفين منين دا يجيبون هذا الشي مو من الدين وكلو فعلا موجود». هذه ظاهرة أيضًا انتشرت لدى الكثير من الشباب، ولا ألومه بكلامه؛ لان الذي يروّج له الإعلام فعلًا هكذا, لكن الكلام من غير دراسة للواقع، ولا تمييز، فأصبح كل واحد يبرر لجماعة معينة، دون التمييز ودراسة الحالات بكافة ألوانها والخروج بمحصلة قد تسهم بنشر الوعي لدى هؤلاء الشباب.

ونجد الفريق الآخر من الشباب قد انسلخ وأصبح صامتًا وغير فعّال، مع العلم أنه يمكنه الإساهم في التغيير، ولو بشيء قليل، ولا أنكر عليهم ذلك؛ لأني الآن أصبحت مثلهم، أذكر قبل شهرين كنت في محاضرة لأحد الدعاة المشهورين، وكانت بعنوان «دور الشباب في توعية المجتمع فكريًا»، فسألته بعد المحاضرة سؤالا ولم يجبني عليه، بعدها قلت في نفسي إذا كان ممن يحسبون أنفسهم من عقلاء المجتمع، ولا يستطيع أن يعطي إجابة لسؤال من صلب المحاضرة، فكيف يريد من الشباب أن يقوموا بدورهم في المجتمع!

وتجد قسمًا آخرًا من الشباب أصبح في تخبط، فيقول لا أعلم من هو على حق، فضاعت الأوراق، واختلط الصالح بالطالح ووصل إلى مرحلة اليأس من مجتمعه، فقرر الهجرة، وكما حدث بالهجرة إلى أوروبا.

وأما عامة الشباب من الذين لا رأي لهم ولا هدف، مجرد أن يعيش حياة عادية، فهذا لا يشكل خطرًا على الإطلاق، لكنه يبقى عالة وزيادة عدد على المجتمع لا أكثر، حتى قلت في نفسي قبل فترة ليتني كنت من هذا الفريق لأريح رأسي؛ لأنك إذا ما كنت صاحب فكرة وهدف معين مباشرة تتهم من كل الأنواع التي ذكرتها؛ فكل صنف منهم يتهمك بأنك من الجماعة الفلانية، والآخر يقول من الجماعة الفلانية والآن تتهم بأكثر من صنف، فالمتطرف يتهمك بالإلحاد، والملحد يتهمك بالتطرف، والهامشي يتهمك حسب أهوائه، لكنني أدركت بعدها أنك لابد من أن تدفع الثمن، حتى وإن كنت تعتقد نفسك على صواب أو فعلًا أنت الصواب، لابد لك أن تدفع الثمن.

تجربتي مع خلال السنتين الماضيتين، وما تعرضت له شخصيًا من بعض الأذى والظلم إلى حد ما أدخلني في دوامة، ففكرت بكلام صديقي الأول وبعدها بالبقية لحظت أنهم ضحية مجتمع، ولربما كدت أكون واحدًا منهم وأصبحت بعدها أعطي لكل من هؤلاء الشباب، وان كانوا قد اخطأو فعلًا جزء من الإعذار، لكنني لم أبرر لهم أبدًا، فقد أخطأوا خطأ كبيرًا لا يغفره المجتمع، لكنني أتكلم بما يتكلم به لسان الشباب بواقعية المجتمع من غير مثاليات، فلا يقول قائل إن هؤلاء قسم من الشباب فقط، ولا يمثلون شيئًا، لا، بل يمثلون واقع الكثير من الشباب في مجتمعنا، وهذا ما دفعني إلى الخروج بهذه المقالة.

بعد كل هذا أدركت سبب ذلك، وهو عندمـا نسـير نحـو تحقيق هدف معين، تـنحرف بـنا الظروف بـعيدًا عن المسار المرسوم. مـما يتسبب في بـعثرة الأوراق، وإربــاك الخطط، وهدم مــا تم بناؤه بعدها تكون هذه النتائج على الشخص، ويقول مع نفسه «هل ما فعلته كان صائبًا أم لا؟»

رسالتي إلى الشباب وأولهم المتحدث.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل