المحتوى الرئيسى

كوارث السكة الحديد

09/21 08:59

رغم كل تصريحات المسئولين بدءاً من الوزير وحتى «الغفير»، لن يكون حادث قطار تصادم العياط، الذى أدى إلى مصرع 5 أشخاص وإصابة 30 آخرين، مؤخراً الأخير، وتكرار حدوثه وارد طالما بقى الإهمال مستمراً فى السكة الحديد.. ويبقى هذا القطاع أشبه باللغم فى طريق كل وزير.. فما من وزير تولى وزارة النقل إلا ووعد بالقضاء على الإهمال فى المزلقانات، وما يحدث من كوارث فوق قضبان السكة الحديد، ويذهب مسئول ويأتى آخر والكوارث مستمرة، بل تزداد خطورة عاماً بعد آخر، ليستمر نزيف الدماء فوق مزلقانات ما زالت تعمل يدوياً رغم أننا فى القرن الـ21، مخلفة خسائر تقدر بنحو 4 مليارات و85 مليون جنيه.

فإلى متى سيبقى هذا الإهمال الحكومى، وانعدام الصيانة، وتهالك القطارات، ووحدات التشغيل لها، ناهيك عن الأخطاء البشرية لسائقى القطارات وعمال المزلقانات.

لقد باتت الحاجة ملحة لإيجاد حلول سريعة وفورية للحد من كوارث ومآسى القطارات.. وكما يقول الخبراء: لا بد من إرادة حقيقية للتغيير، من جانب المسئولين فى هيئة السكك الحديدية أكثر المؤسسات الحكومية التى تحتاج إلى إعادة تأهيل، بل تطوير جذرى ينتشلها من حالة اللامبالاة التى يعيشها معظم موظفى ذلك المرفق الحكومى المهم.

الواقع يؤكد أن السكك الحديد التى تنقل 500 ألف مواطن يومياً، تعانى أمراضاً عديدة مشكلات لا حصر لها وكل مسئول يأتينا بتبريرات لا تختلف عن سابقتها.. وكم من وزير سبق ورئيس هيئة جاء.. وما زال لغم السكة الحديد يتفاقم يوماً بعد يوم.. فالأمنيات كثيرة.. والمواطن أصبح فى حيرة بين وسيلة مواصلات آمنة كانت محببة إلى نفسه، بعد أن أصبح يخشاها، نتيجة كثرة أعطالها وحوادثها المتكررة وبين استغلال لا حد له من قبل وسائل النقل الأخرى.. فكيف يتعامل المواطن المصرى مع هذه المشكلة؟!

وبعد أن كانت السكة الحديد تحتل مرتبة متقدمة عالمياً  منذ نشأتها قبل مائة عام، صارت الآن تحتل المرتبة 78 على مستوى العالم، وديونها وصلت لـ36 مليار جنيه، بعد أن كانت رقم «2» بعد بريطانيا.

ومع أن هذا القطاع يسهم بنصيب كبير في إيرادات انجلترا، إلا أنه في مصر يساهم بحجم ضئيل جداً لا يزيد على 2% من الناتج القومي وبحجم إيرادات لا يزيد علي 1.2 مليار جنيه

قلت للواء أحمد عاصم، الخبير فى اقتصاديات النقل: ما هى بالتحديد أسباب تدهور قطاع السكة الحديد؟ فأجاب: إن هيئة السكك الحديدية تواجهها مشاكل ومعوقات.. أهمها: إهمال منظومة الصيانة، وتهالك القطارات، وقلة الرقابة والتفتيش المستمر على حركة القطارات، وعدم التفكير فى توسعات جديدة بإضافة خطوط جديدة أو مخارج إضافية لتستوعب زيادة عدد الركاب، إضافة إلى نقص العمالة الفنية الماهرة للمزلقانات ومراقبي الأبراج والسائقين الملتزمين، وعدم الاهتمام بمنظومة العاملين ورواتبهم، وغياب تطبيق القانون بشكل رادع على قائدى القطارات الذين يقودون تحت تأثير الكحول والمخدرات، ناهيك عن الممارسات الخاطئة منها قطع الطرق واستغلال الباعة الجائلين بافتراش قضبان القطارات، مما يتطلب إصلاحاً حقيقياً لقطاع السكك الحديدية، وتطوير المزلقانات، وتنمية مهارات العنصر البشرى، للحد من الحوادث المتكررة، وحماية ملايين الأرواح يومياً.

ويؤيده الرأى الدكتور إبراهيم مبروك، أستاذ هندسة السكك الحديدية بجامعة الأزهر، مطالباً بأن تكون هناك قيادات واعية لتنفيذ خطط التطوير والتحديث وما يحقق الاستقرار بلا عودة لنقطة الصفر.

ولذلك.. والكلام للدكتور «مبروك»: لابد من مشروع تطويرى متكامل لعلاج الوضع القائم فى السكة الحديد ما بين وزارة النقل ممثلة فى هيئة السكة الحديد مع جميع المحافظين وإدارات المحليات بالتعاون مع أجهزة وزارة الداخلية لتأمين القطارات وإزالة التعديات على خطوط السكك الحديدية وإنارة المزلقانات واقامة مطبات صناعية قبلها، واتخاذ جميع إجراءات الحماية والأمان للمزلقانات القانونية، كما أن هناك دوراً غائباً للمؤسسات الإعلامية وهو العمل على نزع السلبية عند المواطنين وإبراز الإيجابية فى التعامل مع هذه الوسيلة الحيوية.

مشيراً إلى أن هناك دولاً كثيرة تفوقت فى مجال تطوير خدمات السكك الحديدية على رأسها اليابان، وكذلك الصين، وإنجلترا التى بدأت فى الثمانينيات إعادة هيكلة السكة الحديد، واستغرق ذلك نحو ثمانى سنوات، مبدياً أن نصف دخل السكة الحديد فى ألمانيا يأتى من نقل الركاب، والبضائع، والنصف الآخر من النشاط التجارى الملحق بالمحطات، ومن ثم لا مانع من الاستفادة من هذه التجارب، وذلك بوضع حلول تتلاءم مع طبيعة المشاكل التى نواجهها.

ويرى الدكتور عماد نبيل، استشارى الطرق والنقل: أن السكة الحديد كيان مؤسسى كبير.. لكنها تدار بشكل عشوائى دون وجود خطة واضحة، حيث إن مشاكلها الكبرى تتمثل فى عدم استقرار الهيكل التنظيمى.. لذا تتأثر سلباً بتغيير مسئول أو رحيله، فضلاً عن فقدان سياسة الثواب والجزاء، والنقص الحاد فى الكوادر البشرية المؤهلة، وعدم وجود اشتراطات السلامة والأمان على قضبان السكك الحديدية والمزلقانات، وغياب الصيانة المنتظمة، وتخبط السياسات، والعجز عن التعامل مع الأزمات بشكل سريع وفعَّال بعلاج جذرى للأسباب وليس بالمسكنات.

ويواصل «استشارى الطرق والنقل»: وهذه المشكلة هى مسئولية الدولة فى المقام الأول، لتركها الوضع بهذا السوء.. من السلبية والفوضى، التى تؤدى إلى تكرار الحوادث المروعة.

ويلفت د. نبيل إلى الدور الغائب للمحليات، قائلاً: المشكلة الأكبر تكمن فى عدم قيام المحليات بتطبيق القوانين والقواعد المنظمة لإنشاء المزلقانات طبقاً لقواعد السكة الحديد، والسماح بإقامة مزلقانات بشكل غير قانونى وهى النسبة الأكبر، التى تتدخل بنسبة 85% فى وقوع الحوادث بجميع محافظات مصر.. فمثلاً يوجد حوالى 1200 مزلقان على طريق الصعيد فقط، وبالتالى يصعب تطويرها بطريقة علمية سليمة وفنية – فالأصلح إلغاء المزلقانات واستبدالها بالكبارى، إما بعمل نظام تحكم كهربى ميكانيكى باستغلال الوسائل التكنولوجية الحديثة وتغلق وتمنع تماماً، ومن ثم تنتهى قصة عامل المزلقان الذى عفا عليه الزمن.

ويواصل قائلاً: نحن بحاجة إلى دراسة محكمة وخطة تنفيذ والأهم توفير المال المناسب، تمنع تماماً أى عمل عشوائى أو حوادث، والجزء الثانى هو تطوير الأسطول المنهار.. فجزء كبير من عربات السكك الحديدية لا تصلح.. وتحتاج لتطوير ويقابلنا فى ذلك مشكلة التمويل، ويطالب دكتور نبيل بضرورة إشراك القطاع الخاص لتطوير هذه المؤسسة العملاقة، مع تغيير تعريفة الركوب، لأن التعريفة لا تغطى التكاليف تماماً.. فلابد من إلغاء كارنيهات الجيش أو الشرطة.. لأن كل جهة من الأولى أن تدعم رجالها.

ويشير استشارى النقل إلى أن معظم خطوط السكك الحديد تمر بجانب مجارى مائية وتقوم وزارة الرى بعمل كبارى عبور فوق تلك المجارى، مما يفرض على هيئة السكك الحديدية أماكن عبور أخرى لم تكن موجودة من قبل، وتشكل خطراً على سلامة المواطنين وسلامة قائدى القطارات، ناهيك عن السرقات المتعددة لمهمات خطوط السكك الحديدية أمثال خط (سفاجا – أبو طرطور)، وخط (القنطرة – بئر العبد وشرق التفريعة)، كما أن السلوكيات السلبية لبعض المواطنين فى التعامل مع البنية الأساسية من اختراق الأسوار والمحطات وسرقة أجهزة الإشارات وقضبان ومسامير رباط خطوط السكك الحديدية.. وخلافه، مما يؤدى إلى وقوع الحوادث، ويحمل الهيئة أعباء مالية زائدة لإعادة الشيء لأصله، ومن المشاكل المعوقة للتطوير أيضاً عدم التزام بعض المشاة وبعض قائدى المركبات بقواعد المرور عند عبور المزلقانات والأماكن غير المعدة للعبور، الأمر الذى يستدعى تدخل الجهات المحلية والاستعانة بأفراد الشرطة فى دعم حراسة المزلقانات، فضلاً عن التعديات الدائمة على أراضى وحرم السكة الحديد بالمحافظات لإقامة أسواق ومحلات داخل أملاك الهيئة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل