المحتوى الرئيسى

عودة السيل التركي

09/21 09:56

في أعقاب عودة العلاقات التركية - الروسية إلى سابق عهدها، إثر الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس رجب طيب أردوغان إلى روسيا، قبل نحو شهرين، عاد الحديث وبقوة، عن المشاريع الروسية - التركية الكبرى، وعلى رأسها مشروع خط أنابيب الغاز من تركيا إلى أوروبا مرورا بتركيا، والذي تبلغ تكلفة المرحلة الأولى منه نحو 4 مليارات دولار.

لم تكد زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تنتهي لروسيا، ولم تكن لقاءاته مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد انتهت، عندما فوجئ المراقبون بأن الحكومة الروسية قد حددت، النصف الثاني من عام 2019 موعدًا للبدء بإنشاء مشروع السيل التركي لنقل الغاز الروسي إلى أوروبا عبر تركيا.

وقال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك، في تصريح صحفي، إن وزارته ستكون على اتصال مستمر مع نظيرتها التركية لبحث السبل التي من شأنها أن تساهم في تطوير المشروع بشكل أكثر.

وأشار نوفاك أن موضوع بيع الغاز الطبيعي إلى تركيا بسعر أقل لم يدرج على جدول أعمال القمة بين زعيمي البلدين، مضيفاً: «في الوقت الراهن، من المقرر أن يتضمن مشروع السيل التركي خطين لنقل الغاز، ولكن كل شيء ممكن من الناحية النظرية»، وهي إشارة إلى إمكانية زيادة عدد الخطوط، في هذا المشروع.   

يذكر أن روسيا أعلنت في أوائل ديسمبر/كانون الأول 2014، عن إلغاء مشروع خط أنابيب «السيل الجنوبي» أو «ساوث ستريم» الذي كان ينبغي أن يمر تحت البحر الأسود وعبر بلغاريا لتوريد الغاز إلى جمهوريات البلقان والمجر والنمسا وإيطاليا، وتم التخلي عن المشروع بسبب موقف الاتحاد الأوروبي الذي يعارض ما يعتبره احتكاراً للمشروع من شركة الغاز الروسية الكبيرة «غاز بروم». وبدلًا من هذا المشروع قرر مد أنابيب لنقل الغاز عبر تركيا تحت اسم «السيل التركي»، يصل حتى الحدود مع اليونان، على أن يتم هناك إنشاء مجمع للغاز لتوريده فيما بعد للمستهلكين في منطقة جنوب أوروبا.

ويهدف المشروع لنقل الغاز بسعة 55 مليار متر مكعب سنويًا، من خلال فرعين إضافيين لخط الغاز «نورد ستريم»، بطول 1200 كم، ليربط بين روسيا وألمانيا عبر بحر البلطيق، وبالتالي يزود كل من فرنسا، وبريطانيا، وهولندا، والدنمارك، بإمدادات الغاز الطبيعي.

وتبلغ كلفة بناء الخطوط الأربعة لمشروع السيل التركي نحو 11.4 مليار يورو، غير متضمنة ضريبة القيمة المضافة، وتبلغ كلفة خط الأنابيب الأوّل نحو 4.3 مليارات يورو.

ومن المتوقع أن يبلغ حجم ضخ الغاز الروسي في أنبوب «السيل التركي» 63 مليار متر مكعب، 47 مليار متر مكعب منه سيضخ للسوق الأوروبية، فيما سيخصص 16 مليار متر مكعب للاستهلاك التركي.

ويعول البلدان أي روسيا وتركيا بقوة على خط الغاز الجديد هذا في إنعاش التجارة بينهما، وفي زيادة ربط علاقاتهما بدول الاتحاد الأوروبي.

ويلاحظ أن روسيا تركت الباب مفتوحاً لتنفيذ مشروع إمداد الغاز الطبيعي الضخم الذي تعتمد عليه شركة «غاز بروم» الروسية في بسط هيمنتها على سوق الغاز الأوروبي، في الوقت الذي تأمل فيه أنقرة أن يصبح أحد ركائز استراتيجية تجارة الغاز، التي تعمل أنقرة عبرها لبناء مركز لتجميع الغاز من دول المنطقة إضافة إلى روسيا وتصديره إلى أوروبا.

وكانت شركة «غاز بروم» الروسية، أول المبادرين بالإعلان عن انفتاحها على الحوار حول استئناف العمل على تنفيذ مشروع «السيل التركي» لنقل الغاز إلى أوروبا.  وقد أعرب الرئيس التركي في أن بلاده وروسيا ستتخلصان من الوضع الحالي بأسرع وقت ممكن، وستقومان بتطبيع العلاقات في ما بينهما بالسرعة القصوى.

وقال الرئيس التركي خلال استضافته مئات المواطنين والتجار الأتراك، إن بلاده اتخذت العديد من الخطوات لإزالة السلبيات الناجمة في علاقاتها مع روسيا، مضيفاً أرجو أن يكون الاتفاق الذي توصلنا إليه مع روسيا، وسيلة خير لصالح الشعبين التركي والروسي.

من جهته، أوضح نائب رئيس الوزراء التركي، المتحدث باسم الحكومة التركية، نعمان كورتولموش، بأن العلاقات الروسية التركية شهدت تحسناً بعد الخطوات التي اتخذت من قبل الطرفين لتليينها.

ويرى المحلل المختص بالشأن التركي عبد القادر عبد اللي، أن الأمور تسير في الاتجاه الصحيح، لأن تركيا تحتل المرتبة السابعة بين الدول المصدّرة لروسيا، بحجم تبادل يفوق الـ30 مليار دولار، قبل العقوبات التي فرضتها موسكو، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بعد أن أسقط الأتراك طائرة حربية روسية كانت تهاجم مواقع المسلحين على مقربة من الحدود السورية التركية.

إلا أن مراقبين أتراك يرون أن العقوبات الروسية، وطالما لم تأت على المشروعات الكبرى الموقعة بين البلدين والبالغة قيمتها نحو 44 مليار دولار، ولم تطل الغاز الروسي المصدر إلى تركيا والبالغ 50 مليار متر مكعب سنوياً، أي 55 % من مستوردات تركيا، فهي لم تكن ذات أثر كبير على الاقتصاد التركي، بل إن روسيا بالمقابل تأذت أكثر مما خسره الاقتصاد التركي، مشيرين إلى أن لدى تركيا، ورغم الظروف السياسية التي أدت للقطيعة مع بعض دول الجوار، إلا أن المنافذ والخيارات كانت مفتوحة أمامها أكثر من روسيا، المُعاقبة أوروبياً وأميركياً وتعاني من سوء علاقات مع بعض جوارها.

يذكر أن تطبيع العلاقات التركية الروسية، بدأت عقب إرسال الرئيس التركي رسالة إلى نظيره الروسي، نهاية يونيو/حزيران الماضي، أعرب فيها عن حزنه حيال إسقاط الطائرة الروسية، وتعاطفه مع أسرة الطيار القتيل. كد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، أن بلاده مستعدة لاتخاذ الخطوات اللازمة لاستئناف تنفيذ مشروع الطاقة الاستراتيجي «السيل التركي»، الهادف لنقل الغاز الروسي إلى تركيا.

وفي مقابلة للرئيس التركي مع وكالة «تاس» الروسية أجريت قبل زيارته إلى روسيا، ونشرتها الوكالة بتاريخ 8 أغسطس/اَب الماضي، قال أردوغان: «نحن مستعدون لاتخاذ خطوات فورية نحو تنفيذ مشروع السيل التركي، أي مناقشته واتخاذ القرار بشأنه».

ولفت أردوغان خلال حديثه إلى أن تركيا تشتري الحصة الأكبر من احتياجاتها من مادة الغاز الطبيعي من روسيا، في إشارة إلى أهمية تركيا كشريك اقتصادي في هذا المجال بالنسبة لروسيا، مشيرا إلى أن واردات تركيا الغازية من روسيا بلغت الشهر الماضي 12.5 مليار متر مكعب.

وكانت موسكو وأنقرة اتفقتا في عام 2014 على بناء خط أنابيب لنقل الغاز الروسي إلى تركيا عبر قاع البحر الأسود ومنها إلى أوروبا والمسمى بـ «السيل التركي». وتوقف العمل في هذا المشروع بعد توتر العلاقات بين روسيا وتركيا إثر إسقاط الطائرة الروسية.

ولكن بعد تطبيع العلاقات بين موسكو وأنقرة على خلفية اعتذار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن إسقاط سلاح الجو التركي للقاذفة «سو-24» الروسية في أجواء سوريا يوم 24 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي ومقتل قائدها، أثناء تأديته لمهمة ضد الإرهاب، استأنف الجانبان المباحثات المتعلقة بـ «السيل التركي».

و«السيل التركي» مشروع بديل لمشروع الغاز «السيل الجنوبي»، الذي تم إلغاؤه بسبب عراقيل فرضت من المفوضية الأوروبية بحجة أن المشروع لا يتطابق مع أحكام حزمة الطاقة الثالثة، التي تحظر احتكار شركة واحدة لعمليات البيع ووسائل نقل موارد الطاقة في آن واحد.

ومؤخرا، أفاد وزير الطاقة التركي تانر يلدز، بأن تركيا أرسلت إلى الجانب الروسي مشروع اتفاقية متعلقا ببناء خط أنابيب «السيل التركي» أو «تركيش ستريم»، دون أن يتطرق إلى تفاصيل متعلّقة ببناء المشروع.

ولفت الوزير التركي إلى أن حجم صادرات الغاز الروسي إلى تركيا تراجعت خلال الأشهر الستة الماضية بنسبة 8 في المئة. يذكر أن تركيا تعتمد على الواردات لتغطية نحو 90 في المئة من احتياجاتها من الطاقة، ما يعني أن الهبوط الذي أصاب الليرة التركية أمام الدولار، والذي بلغ 19 في المئة بسبب مخاوف سياسية، أدّى إلى زيادة المبالغ التي تدفعها لقطاع الطاقة.

في هذا السياق، أفاد وزير الطاقة التركي بأن تراجع الليرة أضاف ما يقرب من 4 مليارات دولار إلى فاتورة استيراد الغاز الطبيعي في بلاده، منذ بداية العام.

وكان قد أعلن، في وقتٍ سابق، أنه من المقرّر توقيع اتفاقيتين بين موسكو وأنقرة بخصوص «السيل التركي»، ومنح تركيا حسماً على سعر الغاز بنسبة 10.25 في المئة، وذلك بعد تأليف الحكومة الجديدة في تركيا. وتسمح هذه الاتفاقية، بحال توقيعها، لتركيا بتوفير نحو مليار دولار سنوياً.

وكانت روسيا قد قرّرت الاستعاضة عن مشروع خط أنابيب نقل الغاز السيل الجنوبي أو ساوث ستريم، الذي كان من المفترض أن يمرّ عبر قاع البحر الأسود إلى أوروبا مروراً ببلغاريا، بمشروع السيل التركي بسبب ما تعده روسيا الموقف غير البناء للاتحاد الأوروبي.

أمّا مشروع السيل التركي، فيسعى إلى مدّ أربعة خطوط تسير بمحاذاة بعضها بعضا لنقل الغاز الطبيعي بقدرة تبلغ 63 مليار متر مكعّب من الغاز سنوياً، من روسيا باتجاه تركيا عبر قاع البحر الأسود، يُنقل منها إلى الحدود التركية-اليونانية نحو 47 مليار متر مكعب من الغاز، ومن المفترض أن يُنشأ مجمّع للغاز عند الحدود التركية-اليونانية، ما يسهّل إمداد دول الاتحاد الأوروبي به عبر خطوط لنقل الغاز خاصة بها.

مشروع لبناء خطوط أنابيب لنقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى تركيا ودول أوروبية، مرورا بالبحر الأسود إلى البر التركي، لينتهي عند الحدود التركية اليونانية، حيث يفترض إقامة مستودعات ضخمة للغاز، ومن ثم توريده للمستهلكين في شرق ووسط أوروبا.

أعلن عن السيل التركي رسميا في الأول من ديسمبر/كانون الأول 2014 من طرف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أثناء قيامه بزيارة إلى تركيا.

ويتألف المشروع من أربعة خطوط تبلغ قدرتها الإمدادية الإجمالية 63 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي سنويا، وتقتصر المرحلة الأولى من المشروع على مد خط وحيد من الخطوط الأربعة بطاقة استيعابية تناهز 16 مليار متر مكعب سوف تذهب كلها لسد احتياجات تركيا من الغاز الطبيعي.

وفي الثالث من ديسمبر/كانون الأول 2015 أعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك تعليق المفاوضات بخصوص تنفيذ المشروع بسبب توتر العلاقات الدبلوماسية بين موسكو وأنقرة عقب إسقاط الجيش التركي مقاتلة روسية قرب الحدود التركية مع سوريا.

يذكر أنه لطالما كانت أوكرانيا البلد الرئيسي الذي تمر عبره الأنابيب التي تمد أوروبا بالغاز الروسي، حيث إن أكثر من 80 % من واردات أوروبا الغازية من روسيا في السنوات الأولى للألفية الثانية كانت تعبر من الأراضي الأوكرانية.

لكن تأزم الأوضاع بين موسكو وكييف جعل روسيا تُقدم على قطع إمدادات أوروبا من الغاز بضعة أيام في يناير/كانون الثاني 2009، مما حرم عدة بلدان أوروبية مثل: بلغاريا، وصربيا، وكرواتيا، واليونان من الغاز الضروري للتدفئة في فصل الشتاء.

ومن أجل التقليل من أهمية أوكرانيا كبلد عبور رئيسي للغاز الروسي لأوروبا، عمدت روسيا عام 2011 في شراكة مع ألمانيا إلى بناء خط أنابيب بحري يدعى «نورث ستريم» يمر عبر بحر الشمال ويسمح بتوريد 55 مليار متر مكعب من الغاز الروسي سنويا إلى ألمانيا مباشرة.

وبهذا أصبحت كمية الغاز الروسي التي تنقل عبر أوكرانيا أقل من 49 % من الكمية الإجمالية للإمدادات الروسية لأوروبا.

كما سبق أن اقترحت روسيا بناء 4 خطوط أنابيب جديدة على مسافة 2.300 كيلومتر تمر عبر البحر الأسود وبلغاريا، ومن ثم تصل إلى البلدان الأوروبية، وحمل هذا المشروع اسم «ساوث ستريم”.».

لكن المفوضية الأوروبية أبدت اعتراضها على المقترح الروسي، ووجدت بلغاريا -البلد العضو في الاتحاد الأوروبي– نفسها أمام ضغوطبروكسل بالإضافة إلى الضغوط الأميركية التي أرادت إفشال المشروع والدفع بأوروبا إلى التقليل من تبعيتها الطاقية لروسيا عبر توريد الغاز من بلدان آسيوية أخرى (أذربيجان وتركمنستان وإيران أيضا).

ويرى الاتحاد الأوروبي في مشروع السيل الجنوبي الذي كان سيرى النور عام 2020، تهديداً للاتحاد بزيادة ارتباط دول أوروبا الشرقية والوسطى بـ روسيا، وأقرّت في أغسطس/آب 2013 بأنَّ المشروع لا يتوافق مع قواعد الطاقة الأوروبية، الذي شكل ضغطاً على بلغاريا (العضو الجديد بالاتحاد) وأجبرها على تعليق العمل بالمشروع في يونيو/حزيران 2014.

وفي الأول من ديسمبر/كانون الأول 2014 وبعد سنوات من المفاوضات مع الطرف الأوروبي، التي باءت بالفشل وإيقاف بلغاريا أشغال تنفيذ المشروع على أراضيها في يونيو/حزيران 2014، أعلن فلاديمير بوتين في مؤتمر صحفي أثناء قيامه بزيارة عمل إلى تركيا موت مشروع «ساوث ستريم» نهائيا، واقترح مشروع «السيل التركي» بديلا عنه.

ويكتسي مرور أنابيب الغاز الطبيعي عبر أراضي بلد ما أهمية بالغة، فبالإضافة إلى تأمين هذا البلد إمدادات ثابتة ومنتظمة من هذه المادة الطاقية بأسعار تفضيلية، وتحقيق مكاسب اقتصادية تتمثل في تنمية مداخيل الدولة من خلال العائدات المتأتية من عبور الأنابيب بالأراضي الوطنية، ينطوي الأمر أيضا على بعد إستراتيجي وجيوسياسي؛ حيث يكتسب البلد قيمة وقدرة تفاوضية أكبر أمام جيرانه وأمام البلد المورد وباقي البلدان المستهلكة للغاز المار عبر أراضيه.

كما ستستفيد تركيا من تنفيذ المشروع المتمثل في خط الغاز العابر للأناضول الذي سيرى النور في 2019، والذي سينقل الغاز من أذربيجان إلى أوروبا عبر جورجيا وتركيا. ولقد أدى إلغاء مشروع ساوث ستريم سابقا إلى خسارة بلغاريا أكثر من 400 مليون دولار سنويا كعائدات محتملة من عبور الغاز الروسي لأراضيها، بالإضافة إلى باقي المكاسب التي كان من الممكن تحقيقها لو كُتِب للمشروع أن يرى النور.

ومع ذلك قال رئيس الوزراء البلغاري، بويكو بوريسوف، إن روسيا وبلغاريا من الممكن أن تقوما بإعادة إحياء مشاريع الطاقة التي تم تعليقها بين البلدين، بما في ذلك مشروع نقل الغاز «السيل الجنوبي».

نرشح لك

أهم أخبار رمضان

Comments

عاجل