المحتوى الرئيسى

لماذا لا نخزن ذكريات الطفولة في السنوات المبكرة ؟

09/20 12:30

معظمنا ليس لديه أي ذكريات عن الثلاث أو الأربع سنوات الأولى من حياتنا، وفي واقع الأمر، فإننا لا نتذكر سوى القليل جدا حياتنا قبل سن السابعة.

وعندما نُحاول تذكر سنوات عمرنا الأولى غالبا ما يكون غير واضحا لنا إذا كانت ذكرايات حقيقية أم أنها مبنية على قصص متكررة سمعناها من الآخرين.

هذه الظاهرة، والمعروفة باسم ” فقدان ذاكرة الطفولة childhood amnesia “، حيرت علماء النفس لأكثر من قرن من الزمان ولازلنا لا نفهمها حتى الآن بشكل كامل.

وقد رصدت Jeanne Shinskey المحاضِرة بقسم علم النفس في كلية رويال هولواي بجامعة لندن، هذه الظاهر في مقال لها نشره موقع theconversation.com تحت عنوان Why can’t we remember our early childhood.

تقول “جين شينسكي”: للوهلة الأولى، قد يبدو أن السبب في أننا لا نتذكر سنوات الطفولة عائداً لأن الأطفال الرضع و الأطفال الصغار ليس لديهم ذاكرة كاملة النمو. ولكن الأطفال بعمر ستة أشهر يمكن أن تشكل لديهم كلا الذاكرتين قصيرة الأجل التي تستمر لدقائق، والذاكرة طويلة الأجل التي تستمر لأسابيع، إن لم يكن أشهر.

وفي إحدى الدراسات، تذكر أطفال بعمر ستة أشهر من الذين تعلموا كيفية الضغط على مفتاح لتشغيل قطار لعبة كيفية تنفيذ هذا الإجراء بعد مدة يومين أو ثلاثة أسابيع بعد آخر مرة شاهدوا فيها اللعبة. من ناحية أخرى تمكن أطفال في مرحلة ما قبل المدرسة من تذكر الأحداث التي مرت منذ سنوات.

وتبقي هذه الـ ذكريات مثيرة للنقاش الداخلي، فهل هذه ذكريات طويلة الأجل حدثت في سن مبكرة وتعد سيرة ذاتية حقاً، أم أنها أحداث ذات صلة وقعت بالفعل ولكنها انتقلت إلينا عبر آخرين.

وبطبيعة الحال، قدرات ذاكرة الأطفال ليست مثل الكبار، إذ أنها تستمر في النضج حتى سن المراهقة.

في الواقع، لقد تم وضع نظرية “التغييرات التنموية في عمليات الذاكرة الأساسية” كتفسير لفقدان الذاكرة في مرحلة الطفولة، وهي تعد واحدة من أفضل النظريات لدينا حتى الآن. وتشمل هذه العمليات الأساسية عدة مناطق في الدماغ وتشمل تخزين الأحداث وصيانتها ثم استرجاع الذاكرة في وقت لاحق. على سبيل المثال، يعتقد أن منطقة الحُصيْن Hippocampus في الدماغ وهي الجزء المسئول عن الذاكرة، يستمر في النمو والتطور حتى سن السابعة على الأقل. ونحن نعلم أن الحدود المعتادة لتعويض فقدان الذاكرة الطفولية – ثلاث سنوات ونصف – يتغير مع التقدم في السن . فالأطفال والمراهقين يمتلكون ذكريات من الطفولة أكبر من البالغين. وهذا يشير إلى أن المشكلة قد تكون مع تشكيل الذكريات أكبر من كونها مع قدرتنا على الاحتفاط بها وتخزينها.

ليس هذا فحسب. فثمة عامل آخر نعرف أنه يلعب دورا هاما هو “اللغة”.

فالأطفال تتطور قدراتهم الكلامية من مرحلة من النطق بكلمة واحدة في عمر عام واحد إلى التحدث بطلاقة في عمر 6 أعوام، لذلك هناك تغييرات كبيرة في قدرتهم الكلامية التي تتداخل مع فترة فقدان الذاكرة الطفولية. وهذا يشمل استخدام الكلمات المتعلقة بالذاكرة مثل “يتذكر” و “ينسى”، والضمائر الشخصية، وضمائر الملكية “هذا ملكي”.

ومن الصحيح إلى حد ما التنبؤ بمدى قدرة الطفل على تذكر حدث ما بعد مرور أشهر أو سنوات عليه، من خلال قدرته على صياغة ذلك الحدث لفظيا وقت حدوثه. وقد قامت مجموعات One lab group البحثية بذلك الأمر عن طريق التحاور مع الأطفال الصغار القادمين إلى قسم الحوادث والطوارئ الخاص بإصابات الأطفال، وتمكن الأطفال – المتجاوز عمرهم 26 شهرًا – من التعبير عن الحادث الذي تعرضوا له حينها لفظيًا، ثم بمتابعتهم تمكنوا من استرجاعه حتى بعد خمس سنوات لاحقة. بينما لم يسترجع الأطفال – الذين لم يتجاوزوا 26 شهرًا – إلا القليل أو ربما لا شيء فيما بعد، إذ إنهم لم يتمكنوا من التحدث عنه في زمن حدوثه. وهنا يتضح أن الذكريات التي لا تُتَرجم لغويًا يتم فقدها.

ومع ذلك، تركز معظم البحوث حول دور اللغة الوظيفي في شكل معين من أشكال التعبير يسمى (السرد).

فعندما يسترجع  الآباء والأمهات الذكريات مع الأطفال الصغار جداً حول الأحداث الماضية، يعلمونهم -ضمنيا- مهارات السرد حيث يتعرفون كيفية إختيار أحداث مهمة لتذكرها وكيفية هيكلة الحديث عنها بالطريقة التي يمكن للآخرين فهمها.

وعلى الرغم من أن سرد المعلومات يكون لأغراض واقعية، فإن سرد الذكريات له بعد اجتماعي وهو مشاركة التجارب مع الآخرين. وبهذه الطريقة تحافظ الحكايات العائلية على إمكانية الوصول للذكريات مع مرور الوقت، كما أنها تُزيد من تماسك أجزاء القصة بما في ذلك التسلسل الزمني للأحداث، والفكرة الرئيسية، ومدى تأثيرها الوجداني. وعليهِ فإن القصص الأكثر تماسكًا يتم تذكُّرْها بصورة أفضل.

يمتلك الكبار في قبائل الماوري Maori (السكان الأصليين لنيوزيلندا) ذكريات طفولية – لعُمر سنتين ونصف – أي أقدم من جميع المجتمعات التي تمت دراستها إلى الآن، وذلك كله بفضل أسلوب الآباء المتوسع جدًا في سرد الحكايات العائلية.

ويتمتع الكبار في قبائل “الماوري” (السكان الأصليين لنيوزيلندا) بمستويات عالية في استرجاع ذكريات الطفولة (في عمر سنتين ونصف)  أي من اقد المجتمعات التي دراستها حتى الآن، وذلك بفضل أسلوب الآباء في قبائل الماوري المسهب للغاية من سرد القصص العائلية بتفاصيلها الصغيرة.

وتقول “شينسكي” إن الاستغراق في سرد الذكريات له وظائف اجتماعية متنوعة في مختلف الثقافات، والتي تساهم في الاختلافات الثقافية للذكريات الأولى المتعلقة بالسيرة الذاتية من حيث الكمّ والكيف والتوقيت. فيميل الكبار في الثقافات التي تقدر الاستقلالية (أمريكا الشمالية، وغرب أوروبا) إلى سرد ذكريات من الطفولة أقدم وأكثر من أقرانهم في الثقافات التي تقدر التبعية (آسيا، وأفريقيا).

وتظهر هذة الإختلافات الثقافية في الأسلوبين اللذين يتبعهما الأباء. ففي الثقافات التي تعزز مفاهيم الحكم الذاتي، يركز الوالدان أكثر على سرد تجارب الأطفال الفردية ، والأفضليات، والمشاعر، وبدرجة أقل على علاقاتهم مع الآخرين، والأمور الروتينية، والمعايير السلوكية. على سبيل المثال، الطفل الأمريكي قد يتذكر الحصول على نجمة ذهبية في مرحلة ما قبل المدرسة في حين أن الطفل الصيني قد يتذكر أثناء تعلم أغنية معينة في نفس المرحلة .

وفي حين أنه لا تزال هناك أشياء لا نفهمها حول فقدان الذاكرة الطفولية فالباحثين يحرزون تقدما. على سبيل المثال، هناك المزيد من الدراسات المستقبلية المطوّلة التي ستتابع الأفراد من مرحلة الطفولة وحتى المستقبل. هذا يساعد على إعطاء حسابات دقيقة للأحداث، التي هي خير من يُسأل المراهقين أو البالغين بأثر رجعي لـ تذكر الأحداث الماضية التي لم يتم توثيقها.

أهم أخبار صحة وطب

Comments

عاجل