المحتوى الرئيسى

''جهاز العروسة''.. عبء مادي تتمسك به الأسر رغم جنون الأسعار

09/20 12:25

عقب الارتفاع الأخير لأسعار الذهب ليصل سعر الجرام لعيار 21 إلى 463 جنيها، ظهرت أصوات مطالبة بالاستغناء عن الشبكة الذهبية واستبدالها بشبكة فضية أو الاستغناء التام عنها؛ توفيرا لنفقات الزواج، وهنا يتبادر السؤال هل الشبكة هي العبأ المادي الوحيد الذي يثقل كاهل الأسر ويدفع بهم إلى توقيع إيصالات الأمانة التي كثيرا ما يفشل البعض في دفعها؛ ما يؤدي بهم إلى السجن، والإجابة هي أن المبالغة في شراء الأدوات المنزلية والكهربائية يعتبروا عبأ أخر؛ ناتج عن ثقافة اجتماعية خاطئة.

سيارات نقل صغيرة تحمل مفروشات وأدوات منزلية وسجاد وأجهزة كهربائية، وهو ما يعرف ب "جهاز العروسة" تطوف الشوارع حاملة شباب وفتيات يتشاركون الغناء والزغاريد، هذا هو المشهد المعتاد لتوصيل منقولات بيت الزوجية بالأخص في المناطق الشعبية والأرياف، وهو المشهد الذي تتمسك كثير من الأسر به لدرجة تدفعهم للتضحية بحريتهم أو ربما الاستغناء عن حياتهم لعدم قدرتهم على مجاراة هذا المشهد.

وكانت وزارة التجارة والصناعة، أصدرت قرارًا ينص على منع استيراد 23 سلعة من بينها أدوات المائدة وأدوات الطعام والمطبخ وأدوات من زجاج المائدة، ما أدى إلى رفع أسعار هذه الأدوات بنسبة بدأت من 40% ووصلت حتى 100% في بعض المنتجات، وذلك مع الارتفاع المتزايد في أسعار الدولار، وقلة المنتج المصري والذي شهد أيضا رفع أسعاره.

"نادية".. اسم مستعار لفتاة حاولت التخلص من حياتها بعد تكرار خطبتها عدة مرات وفشلها في إتمام الزيجة نظرا للقدرة المادية البسيطة لأسرتها، فألقت بنفسها من شرفة منزلها ليأسها من حياتها، القصة يسردها ل"مصراوي" أحمد إبراهيم، الذي فزع عقب علمه بمعاناة الفتاة وهرع لمساعدتها.

ويقول:" طلبت من أسرة الفتاة إبلاغي بما تحتاجه وظننت أن الأمر يمكن حله بشراء الأساسيات من الأكواب والأطباق وغيرها من الأدوات بكمية تكفي الحاجة؛ وكانت صدمتي عندما قرأت قائمة المشتريات التي طلبتها الفتاة، وتضم كميات كبيرة من الأدوات المنزلية والمفروشات مرتفعة الثمن، فاكتفيت بمنحها مبلغ من المال على أن تقوم هي بتدبير المتبقي، لكن تعجبت مما طلبته".

قديما عرفت مهنة "الدَلالة" وهي عبارة عن الدَلال والدليل وكذلك الدلالة كلها كلمات تطلق على من يدلنا على الشيء ويرشدنا إليه، فقول عن المرأة دلالة، وعن الرجل دلال، فالدلال كما نعرف هو الرجل الذي يدل على السلعة.

ومع التطور ظن البعض أن هذه المهنة انقرضت؛ لكنها مازالت مستمرة بالأخص في المناطق الشعبية والريفية، وذلك من خلال شخص يتجول بين المنازل حاملا معه أدوات منزلية وكهربائية ومفروشات ليعرض بضاعته على السيدات والفتيات، على أن يكون الدفع آجلا من خلال توقيع إيصالات أمانة بها تاريخ للسداد، وإذا تم تجاوز هذا التاريخ يتم تقديم الإيصالات للنيابة.

"مريم رأفت" متطوعة في إحدى الجمعيات الخيرية في نشاط تزويج الفتيات قالت ل"مصراوي" إن الثقافة المجتمعية المغلوطة المتمثلة في المبالغة في شراء المفروشات والأدوات المنزلية هي سبب كثير من حالات الغارمات وهو ما تقدره مريم بحوالي 90% من حالات الغارمات التي تقابلها.

وتقول مريم:" لدينا نظام ثابت لتزويج الفتيات يشترط ضرورة وجود وثيقة للزواج وهو ما ترفضه الكثير من الأسر، وتكون المساعدة وفقا لميزانية قدرها 5 آلاف جنيها وتشمل شراء ثلاجة 12 قدم وبوتاجاز 4 عيون وغسالة نصف أتوماتيك وسخان ويتم توصيلهم"، وأضافت أن الأسر تعتبرها مساعدة هزيلة ولديهم طلبات مبالغ فيها ويعتبرون شراء المتطلبات الأساسية بعيدا عن الرفاهيات بخلا.

وأشارت إلى وجود أسر تستغل المساعدة وتقوم ببيعها، وقالت:" مهما قمنا بالبحث في مجال العمل الخيري لا يوجد أي ضامن ونحاول التعامل بحذر".

وتصف منة حسام المتطوعة سابقا في إحدى الجمعيات الخيرية نشاط تزويج الفتيات بأنه الأصعب؛ لأن بعض الحالات تكون بهدف النصب وحتى في حالة سؤال الجيران يتم اكتشاف تواطئهم من أجل الاستفادة المادية.

وذكرت "منة" حالة فتاة كانت والدتها مريضة وتخضع للعلاج في مستشفى المنيرة ولجأت للجمعية وتحدثت عن فقرها الشديد وساعدتها الجمعية على شراء بوتاجاز وملابس ومستلزمات منزلية، وبعدها حدثت مماطلة في عقد القران، وكانت المفاجأة أنهم باعوا كل ما تم شراءه من مساعدات بسبب أزمة مالية تعرضت لها الأسرة؛ وهو ما نتج عنه قطع الجمعية المساعدات عن هذه الأسرة.

كما لفتت إلى أن كثير من الفتيات تخجل من إحضار بطاقة خطيبها، والبعض الأخر يرفض تماما التعجيل بعقد القران ويكون المبرر الذي يتم ذكره دائما أن الزواج لا يتم إلا في حالة توفير جميع مستلزمات الزواج، وفقا للعادات المتبعه.

في الوقت ذاته أكدت "منة حسام" تمسك المساجد التي تقدم مساعدات لتزويج الفتيات بشرط عقد القران، وهو ما تستجيب له الأسر.

عن أغرب الحالات التي تعاملت معها كانت لسيدة بالغت في شراء الأدوات المنزلية بقيمة وصلت إلى 15 ألف جنيها ولجأت إلى الجمعية لأنها لم تعد تمتلك ما تبقى من أموال لإتمام الزيجة، وعرضت عليها الجمعية شراء بعض المستلزمات المنزلية الزائدة عن حاجتها لتوفير المال لكنها رفضت وتمسكت بطلب المساعدة، وعندما عرض عليها شراء مطبخ صغير وبوتاجاز طلبت شراء مطبخ كبير، وقالت إنها يمكنها تدبر نفقات شراء البوتاجاز، وبعد هذه المماطلة رفضت الجمعية مساعدتها.

"أم صباح" سيدة خمسينية تقيم في إحدى قرى الجيزة، وجدت نفسها تواجه عقوبة السجن بسبب عدم قدرتها على سداد مبلغ 150 جنيها دفعتها مقابل شراء خلاط لابنتها اشترط العريس شراءه، وفقا لقولها.

"أم فاتن" بائعة خضروات في إحدى أسواق حي فيصل، تقول إنها اضطرت لتوقيع إيصالات أمانة على نفسها بمبلغ 1500 جنيها لشرائها تلفزيون بشاشة LCD إضافة إلى أطقم الكاسات والأركوبال،"مينفعش بنتي تكون أقل من سلفتها وأخت جوزها كمان الجيران ياكلوا وشنا"، لذلك وجدت نفسها مسجونة بسبب عدم قدرتها على السداد.

"عبدالخالق" متعايش مع فيروس نقص المناعة البشري "الإيدز" وهو ما أضعفه صحيا وجعله غير قادر على العمل، رغم ذلك يقول:" اشتريت جهاز بنتي بالكامل من راجل طيب بيعدي على البيوت في المحلة وعنده كل حاجة حلوة ومستوردة وكتب إيصالات أمانة على نفسي بمبلغ 15 ألف جنيه".

"عبدالخالق" كتب إيصالات الأمانة بدون وجو مصدر رزق يمكنه من خلاله تسديد قيمة المشتريات، ويقول إنه يتنظر تقديم الإيصالات للنيابة وملاقاة مصيره؛ وهو السجن.

"مصراوي" نزل إلى "حمام الثلاثاء" والذي يعتبر أشهر سوق لبيع الأدوات المنزلية والمفروشات في مصر، ويقع في حي العتبة أسفل كوبري الأزهر، ويكتظ بالمحلات التجارية الضخمة إضافة إلى باعة الأرصفة والباعة الجائلين، ويوجد به منتجات من كافة المستويات السعرية.

"جنون الأسعار" هذا هو الوصف الأمثل لحال سوق الأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية والتي شهدت ارتفاعا في أسعارها بنسبة تراوحت بين 40 و 100% وفقا لما ذكره بعض التجار ل "مصراوي".

في شهر فبراير الماضي بدأت موجة الغلاء الحالية والتي تأثر بها بشدة قطاع الأدوات المنزلية والأجهزة الكهربائية، بعد زيادة الرسوم الجمركية على تلك السلع، وقرارات وزارة التجارة والصناعة الأخيرة بضبط الاستيراد وإلزام المستوردين بتسجيل المصانع الموردة بسجل خاص تابع للهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، هذا بالإضافة إلى أزمة الدولار المتمثلة في صعوبة توفيره فضلا عن الارتفاع المستمر في سعره.

البحث عن منتج مصري، هذا ما بحث عنه مصراوي، وفي مختلف أنواع الأدوات المنزلية من حلل وأطباق وكؤوس زجاجية ومفروشات يوجد منتجات مصرية أسعارها في المتوسط لكن لا يوجد بها تنوع كبير ويشهد لها التجار بالجودة، وإن كانت ليست مطلوبة بكثرة من الزبائن.

"خالد عبدالله" أحد الباعة قال ل"مصراوي" إن غالبية المنتجات مستوردة من تركيا وهي الدرجة الأولى يليها المنتجات المستوردة من الصين، ويوجد منتجات مصرية بنسبة قليلة وغالبيتها في الحلل وبالأخص الألمونيوم، وهي درجات منها ويتراوح سعرها بين 500 جنيها وحتى 1200 جنيها، وفي الفترة الأخيرة تزايد الطلب على الحلل السيراميك والتي يقال إنها صحية، وغالبية أنواعها مستوردة من الصين.

وأضاف أنه رغم الارتفاع المتزايد في أسعار الأدوات المنزلية لم يؤثر ذلك على إقبال الزبائن والكميات المطلوبة، لافتا إلى أن غالبية الفتيات لا تكتفين بشراء طقم حلل واحد.

أما أطقم المائدة المنزلية فلا يوجد منها صناعة مصرية وتتراوح أسعارها بين 600 وحتى 850 جنيها، أما الأطقم الصيني تبدأ من ألف جنيها وتصل إلى 15 ألف جنيها.

"هل تتغير الأسعار باستمرار؟" سؤال أجاب عنه خالد بتأكيد حدوث زيادة مستمرة في الأسعار، وأشارإلى طقم صيني كان سعره في شهر رمضان 1750 وصل سعره الآن إلى 3200 جنيها.

أما المفروشات المنزلية مفرش السرير التركي هو الأعلى سعرا ويليه الصيني، فيما اختفت المفارش السورية من السوق، وأصبحت المنتجات المصرية من مفارش السرير مصنوعة بأيدي سورية؛ وهي الأقل سعرا.

"عم رجب" بائع بطاطين وسجاجيد منذ 40 عاما، بعد تركه لقريته في محافظة أسيوط إلا أنه مازال محتفظا بلهجته الصعيدية، وقال ل"مصراوي":" أنا سعيد بقيود الاستيراد لكي نعطي الفرصة للمنتج المصري لفرض نفسه كما كان الوضع مسبقا"، وأشار إلى سجادة صلاة مصنعة في تركيا قائلا إن مثل هذه المنتجات كانت تصنع في مصر لكن توقفت لعدم قدرتها على منافسة المستورد.

وأضاف أن التجار بالغوا في زيادة أسعار المنتجات، لافتا إلى جودة المنتج المصري وتحسنه مع الوقت.

"حسام الجمل" بائع أدوات منزلية قال ل"مصراوي" إن السوق تأثر بشدة بقرار وزارة التجارة والصناعة، ولكن كان ينبغي دراسة الأمر أولا لأنه لا يوجد سوى مصنع واحد للصيني يقدم خامة جيدة يقبلها المستهلك بالتالي كان لابد من دراسة البدائل أولا قبل تطبيق القرار.

وأوضح أن رفع الأسعار ليس جشعا من التجار لكن زيادة أسعار الاستيراد والتخليص الجمركي فضلا عن ارتفاع سعر الدولار أدى إلى ارتفاع سعر المخزون، هذا بالإضافة إلى المصروفات الأخرى من عمالة واستهلاك كهرباء، وهو ما نتج عنه رفع الأسعار بنسبة تراوحت بين 40 و100%.

ولفت إلى ضعف الإقبال من الزبائن رغم أن شهر الصيف وموسم الأعياد يعتبر موسم رواج، وأوضح أن الباعة الذين يروجون بضائعهم في المنازل حركة البيع لديهم جيدة لأنهم يحصلون أموالهم بالتقسيط.

"قائمة الجهاز" هي عبارة عن قائمة مكتظة بكافة أنواع المفروشات والأدوات المنزلية تتداولها الصفحات الخاصة بالمرأة والعرائس عبر صفحات موقع التواصل الاجتماعي، وهي قوائم مبالغ فيها، كما تضم هذه الصفحات صور لشقق مكتظة بالمفروشات على اعتبار أنها الشقق المثالية والتي يجب أن تحتذي بها الفتيات.

تقضي العادات الاجتماعية المتبعة في الأوساط الشعبية والريفية بعرض كل ما تشتريه العروسة من مقتنيات على الضيوف الذين يحضرون لتهنئتها بالزواج، وتقول "مديحة مراد":" هذه هي عاداتنا وهو أمر لا يمكن تغييره، ورغم ضيق ذات اليد حرصنا على تجهيز بناتنا الثلاثة بأفضل صورة ممكنة، رغم أني موظفة في وزارة التموين وزوجي يعمل موظفا معي في نفس الوزارة إلى جانب أعماله الإضافية، ونعاني ماديا خاصة مع ارتفاع الأسعار المتزايد".

تكمل قائلة:"كنت أشتري المستلزمات والأدوات المنزلية كل شهر تباعا للفتيات الثلاث وهو ما يجعل إنجاب الفتيات عبأ ثقيلا لا يقدره أهل العريس".

عبرت نورهان السيد عن تضررها الشديد من العادات الاجتماعية التي تقضي بعرض مقتنياتها الشخصية على الزائرين وأضافت أنها تشاجرت مع والدتها التي بالغت في شراء أطقم الحلل والأطباق والكؤوس الكريستال من أجل وضعها في النيش والذي تكلف كثيرا.

فيما ذكرت نهى أحمد سالم، أن الفتاة تعيش الفرحة بالزواج مرة واحدة في حياتها وإذا لم تفرح وتشتري ما تريد من أدوات وإكسسوارات متى يمكنها الاستمتاع ببيتها، وقالت:" تقاس القدرة المادية والمكانة الاجتماعية للعروسة بعدد سيارات النقل التي تحمل جهاز العروسة".

أشرف هلال، رئيس شعبة الأدوات المنزلية في الغرفة التجارية، أكد في تصريحاته ل"مصراوي" على أن ارتفاع الأسعار ليس سببه جشع التجار وطمعهم، ولكنه نتاج لقرار وزير التجارة والصناعة الذي اشترط أن تكون المنتجات مرفقة بشهادة الفحص المسبق وفقا للمواصفات المصرية والعالمية وهذا القرار نتج عنه دفع 3 ألاف على الحاوية الواحدة.

أكمل حديثا قائلا إن ارتفاع سعر الدولار سببا وراء زيادة الأسعار، نافيا أن يكون الاستيراد سببا في زيادة الأسعار، لأن الفاتورة الاستيراديه وفقا لتصريحات رئيس الوزراء قيمتها 80 مليار دولار، والسلع التي يتم وصفها على أنها كمالية لا تمثل من هذا الرقم سوى نسبة تتراوح بين 12 إلى 15%.

Comments

عاجل