المحتوى الرئيسى

لغة الهَوْ هَوْ | المصري اليوم

09/20 00:39

تلقيت هذه القصة البارعة من القاص «عمرو زين»:

«هبّ بواب العمارة من فوق الكنبة الخشبية المتكئ عليها لما رآه خارجاً من باب المصعد، يخطر فى مشيته كطاووس متأنق، أقبل عليه سعياً، رافعاً كف يمينه إلى جوار أذنه. بادره الإعلامى الكبير بالتحية الصباحية المعتادة فرد عليه البواب: «هَوْ..! هَوْ !»

توقف الإعلامى لسماع النباح الصادر عن البواب وهز رأسه فى شىء من الخيلاء بينما ابتسامة المجد تجوب شفتيه المكتنزة: «لابد أنك تابعت حلقتى بالأمس».

-«هَوْ..هوْ»! أجاب البواب وهو يحرك رأسه إيجاباً.

سار فى خطواته المتباهية، وأخذ مجلسه فى المقعد الخلفى للسيارة المرسيدس الفارهة حيث سارع السائق إلى فتح الباب ومن ثم غلقه بعد ركوبه مانعاً البواب الذى انطلق فى إثره من نيل هذا الشرف العظيم. واكتفى البواب بإطلاق نباح طويل فى وداع ذلك الإعلامى المعروف الذى يقدم أهم البرامج السياسية التى تبثها القناة كل مساء.

ضغط على زر أمامه بمجرد دخوله مكتبه مستدعياً سكرتيرته الخاصة.

أطلقت السكرتيرة نباحاً أنثوياً رقيقاً مما دعاه للقول: «حتى أنت يا حنان؟ صحيح حلقة الأمس كانت ناجحة للغاية وأحدثت فرقعة مدوية حتى أنى تلقيت العديد من الاتصالات سواء من معارفى أو من العاملين فى الحقل الإعلامى لتحيتى على موضوع الحلقة وللإشادة بشجاعتى وصراحتى خاصة عندما قلت إننا شعب لا يجيد إلا فن النباح دون إعمال العقل ولو قليلا. لكنى لم أتصور أبداً أن يصل تأثير الحلقة إلى هذا الحد، كل من قابلتهم منذ صباح اليوم وكأنهم فقدوا القدرة على الكلام».

رفعت السكرتيرة كتفيها عالياً، ومطت شفتيها وبسطت كفى يديها أمامها دون أن تنطق بكلمة. وحركت يديها لتشير أنها لا تستطيع التحدث فما كان منه إلا أن ناولها ورقة لتكتب فيها ما لا تستطيع أن تنطق به ففعلت ثم أعادتها إليه، استغرق مفكراً فيما كتبت «ضباط الأمن كانوا هنا للتحقيق معك» هل يُعقل هذا؟ نحن سياسة قناتنا معروفة للجميع، نحن ندعم الدولة قلباً وقالباً.. نحن من مؤيدى النظام الجديد. لابد أنها مجرد دعابة. أجل دعابة سخيفة لا أكثر.

غادر مكتبه محملاً بالكثير من التوتر حتى إنه أمضى بقية اليوم دون أن يجرى مكالمة واحدة مع المسؤولين أو الزملاء من رجال الإعلام المشهورين على خلاف العادة.

سرح فى أفكاره متأملا. بالأمس لا يدرى ماذا حدث له! لحظة من الأريحية جعلته يشعر أنه يعتلى العالم. وبوسعه أن يوجه النقد للجميع. حتى لهؤلاء الذين هم فوق.. فوق.. فوق جدا.. فهل أخطأ؟

أمر السائق بالتوجه إلى مدينة الإنتاج الإعلامى، حيث يقع مقر القناة التليفزيونية، إلا أن مخرج البرنامج اختلى به وأخبره بأن هناك إخطارا بمنعه من الظهور على الشاشة.

صحبه المخرج حتى باب الخروج من الاستوديو قائلا: «فكر جدياً فى أخذ إجازة. سافر إلى أى مكان هادئ لتستجم قليلا ولتتخلص من ضغوط العمل».

جافاه النوم. هل أخطأ حين تناسى وضعه الحقيقى وتناولهم بالنقد؟ أخذ حبة منومة ليهرب من أفكاره ويتمكن من النوم. طاردته الكوابيس فى نومه. والكلاب الشرسة لم تكف عن ملاحقته.. محاصرته.

قال كبيرهم وهو يهمّ بعقره: «حتى تصبح من عشيرة الكلاب عليك ب..». هز رأسه فى طاعة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل