المحتوى الرئيسى

برلين - "ليلة الأديان" من أجل انفتاح العقول والقلوب

09/19 13:08

في وقت تتزايد فيه المخاوف من الإرهاب وتنتشر فيه مواقف التطرف والشعبوية، شهدت برلين فعالية تواصلية شارك فيها مؤمنون من مختلف الأديان. فكيف يمكن لمثل هذه الفعاليات المساهمة في تقوية التفاهم والتواصل بين كل الناس؟ في وسط برلين التاريخي تعج ساحة "جندارمن ماركت" بالسياح. ولا عجب في ذلك فاليوم هو يوم سبت في الساحة التي تحيط بها ثلاثة مبان أثرية: الكاتدرائية الألمانية، والكاتدرائية الفرنسية، وبيت الحفلات الموسيقية. منذ الصباح الباكر كانت السماء مكفهرة وملبدة بالغيوم. مجموعة من الناس تقوم بترتيب طاولات واحدة جنب أخرى لسشكل جميعها مائدة واحدة طويلة. لم تمهل السماء هؤلاء كثيراً، حيث بدأ المطر يهطل بغزارة وكأنه حبال متصلة ببعضها البعض، والناس يركضون بحثا عن مكان يحتمون فيه . التجأ بعضهم إلى مبنى الكاتدرائية الفرنسية. في التاريخ البعيد بنى اللاجئون الهوغونت (البروتستانتيون الفرنسيون) تلك الكاتدرائية بعدما استقروا في برلين. الهوغونت فروا في نهاية القرن السابع عشر من الاضطهاد الديني وحصلوا على مأوى لهم في برلين والمناطق المحيدة بها. في هذه الكاتدرائية بدأت صلاة مشتركة لعدة مؤمنين من أديان مختلفة تحت شعار"صلاة السلام". وما أن انتهت الصلاة حتى انقشعت الشمس بين الغيوم لتبعث بدفء أشعتها. تم نشر أغطية بيضاء على الطاولة الطويلة ووضعت صحون طعام نباتي عليها بدون مشروبات روحية. إنها "المائدة البيضاء". أبواب مفتوحة على مصراعيها للعام الخامس على التوالي تٌقام فعالية "الليلة الطويلة للأديان". في هذا العام يشارك فيها حوالي 90 مسجدا وكنيسة وكنيس يهودي وجمعيات دينية بوذية وسيخية وبهائية وهندوسية، وجمعيات روحانية، وأخرى عابرة للأديان، وأخرى للحوار بين الأديان. منسق "الليلة الطويلة للأديان"، د. توماس شيمل، يخبرنا عن هذه الفعالية قائلا: "تفتح دور العبادة ومقار الجمعيات أبوابها لتزويد كل شخص بالمعلومات، فتمنحه الفرصة لطرح أسئلة قد تكون حرجة. ولا تستغل دور العبادة هذه المناسبة للتبشير" مؤكداً أن فرص تعريفية وحوارية لا أكثر ولا أقل. وتشمل الفعاليات في دور العبادة صلوات وجولات تعريفية ، ومحاضرات تعريفية وندوات حوارية، ورشات عمل، وحفلات، وجلسات التأمل واليوغا، وعروض أفلام...إلخ. ويرى مهاتما، وهو رجل دين من السيخ، أن هذه الفعالية تساعد على التعريف بالديانة السيخية؛ لأن "هناك في ألمانيا، وللأسف، نقص في المعلومات عن الأديان غير الإبراهيمية كالهندوسية والسيخية والبوذية". كما يعتقد فان هاولم، من طائفة الماهايانا البوذية (إحدى الطائفتين الرئيسيتين في البوذية)، أن لقاء الأديان مهم لأنه يزيل الجهل بالأخر وفي نفس الوقت "يقوي أيضاً معرفة الشخص بدينه ومعتقده". وحسب المنظمين فقد شهد هذا العام زيارة حوالي 7 آلاف شخص لهذه الفعالية. أحد هؤلاء الزوار هو هيربرت أوفا بيرق. هيربرت مهندس في الخمسينات من العمر، الذي يصرح أنه مقتنع بأكثر من دين واحد وأنه يأخذ من كل دين ما هو مقتنع به، كما يؤكد على أهمية هذا التجمع الديني الكبير ويلاحظ أنه يعوض "الذهاب لمسجد أو إلى كنيس يهودي أو معبد بوذي فقط". محاولة ردم الهوة يذهب أمارجيت سن، وهو رجل دين سيخي، إلى أنه "لا هوة بين الأديان والمعتقدات. كلنا أولاد الرب وبالتالي كلنا أخوة، وكلنا نريد السلام. الهوة هي بين السياسيين وبعض المجموعات، التي تحاول استغلال الدين لتحقيق أغراضها". كما يرى مورا سوارس، وهو رئيس جمعية معتنقي الديانة البرازيلية ذات الأصول الإفريقية، كاندومبليه، "أن التقاء الناس من مختلف الأديان والمعتقدات والثقافات يساعد على التقريب بينها. أهم ما في الأمر هو التواصل". وتوافقه الرأي سيدة ألمانية متقاعدة، عرفت عن نفسها بأن اسمها آنا وقالت إنها كانت سابقاً كاثوليكية: "أنا مهتمة بالصوفية والبوذية ولكن ليس كدينين، بل من الناحيتين الروحية والثقافية". تظاهرة جاءت في وقتها صادف وقت تظاهرة "المائدة البيضاء" في ساحة "جندارمن ماركت" وجود العرسيين كورنيليا بورس وأندرياس بورس. العريسان يقضيان شهر العسل في برلين. ويرى العريسان أن مثل هذه الفعاليات مهمة في زمن الخوف من الإرهاب وصعود اليمينين المتطرفين والشعبويين. ويلاحظان أن"هناك من يستغل الدين لتحقيق أهداف ما". ويرى د. توماس شيمل الأمر بذات العين: "القاسم المشترك بين الإرهابيين واليمنيين المتطرفين هو محاولتهما تشويه الواقع. نريد بهذا الفعالية عكس الواقع الحقيقي وهو أن معتنقي كل الأديان والمعتقدات والثقافات يعيشون في مجتمعنا بسلام. ونريد أن نظهر أن كل معتنقي الأديان يثمنون عالياً العيش المشترك في سلام وعدالة وتعددية". غير أن مثل هذه الفعاليات لن تقنع الإرهابيين واليمينين لأنهما "غير منفتحين قلب وعقلا" كما يصرح هيربرت أوفا بيرق. ثم توجهنا إلى رواق يقدم معلومات حول طقوس دفن الموتى المسلمين. وقابلنا هناك سيدة من إيرلندا الشمالية مع صديقتها الألمانية ورجل ألماني آخر يعمل في مأوى للمسنين. وشرح الشاب طقوس الدفن عند المسلمين، كما أفادهم ببعض التفاصيل القانونية والإدارية. هناك أسباب كثيرة تؤدي الى الأحكام المسبقة. وتجمع أغلب الدراسات أن الشرط الأساسي لإزالة أو التقليل من هذه الأحكام المسبقة هي ضرورة التواصل مع الآخر. ففي مثل هذه التظاهرات يمكن طرح أسئلة عن اللباس وطقوس الصلاة والأحكام الدينية، ومن خلالها يمكن ردم الفجوة في المعرفة ومراجعة تفسير الأمور. فان ميي، مسؤولة في جمعية ومعبد "جبل بوذا المضيء" في برلين، وصفت الفعالية بإنها "فرصة لطرح الأسئلة والتنور وإزالة سوء الفهم". كما اعتبر أحد رجال الدين المسيحيين أن مثل هذه الفعاليات تمنح الشخص فضاءا لمعرفة الآخر وبالتالي لإزالة حدة هذه الأحكام أو تخفيفها."

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل