عن وجه سناء وعائلة البلبول.. والاعتقال الإداري
جلست سناء البلبول تحمل في يدها اليمنى صورة لفلذات كبدها، الأسيرَين محمد ومحمود، وباليسرى لوحةً كبيرة عليها صورة زوجها الشهيد أحمد، شيخ المقاومة الذي أُسِر لمدة عامين وطورد عشرةً أخرى، قبل أن يُغتال في العام 2008 في البلدة القديمة لمدينة بيت لحم في الضفة الغربية.
وراء وجه سناء قصصٌ من الصبر والنضال ومواجهة العدو، تُكتَب في سطور صفحات نضال مدينة بيت لحم. كيف لا، وهي أمٌ المعتقلَين المضربَين عن الطعام محمد ومحمود، وللأسيرة المحررة نوران، وزوجة لأسير شهيد.
اعتقل الشقيقان محمد (25 عاماً) ومحمود (21 عاماً) ليلة التاسع من حزيران الماضي، وحولتهما قوات الاحتلال إلى السجن الإداري مباشرة من دون التّحقيق معهما، وجاء ذلك بعد شهرٍ من الإفراج عن شقيقتهما نوران (16 عاماً) التي قَبَعت في سجون الاحتلال ثلاثة شهور متواصلة.
ويرقُد الأسير محمد اليوم في مستشفى «آساف هيروفيه»، ومحمود في مستشفى «الرملة» بالداخل المحتل، وكلامهما تحت حراسة جنود الاحتلال وكل منهما مكبل القدمين، وتُمنع أمهما وأختهما من زيارتهما.
وتجدر الإشارة إلى أنّ الأسير محمد البلبول درس طب الأسنان في جامعة القاهرة في مصر، وشقيقه محمود عمل ضابطاً في السّلطة الوطنية الفلسطينية، والإثنان بدآ إضرابهما المفتوح عن الطعام في الأول من تموز الماضي.
تقول سناء بأعصاب متماسكة: «يخوض ولداي معركة الأمعاء الخاوية لتحدي الاحتلال بجسدَيهما النحيلَين من دون انكسار، يخوضان المعركة بعزيمة تفوق الجبال، وهما على يقينٍ بالنصر».
وتضيف بصوتٍ مختنق: «أولادي بيموتوا وأنا بموت كل يوم معهم، ما في حدا بالعالم شايف ولا سامع، خبروني إنّه محمد فقد بصره ومحمود ما بيقدر يمشي وأنا نفسي أشوفهم قبل ما يصير أكثر من كدا»، مستغيثةً بالنواب الفلسطينيين في الكنيست للضغط على سلطات الاحتلال للسماح لها بزيارة ولديها.
وتذكر والدة الأسيرين أن محمد يعاني من أوجاع بالقلب، وأصبح معرضاً للموت المفاجئ، وجسمه المُنهك فقد المناعة، وخَسِر من وزنه أكثر من 40 كيلوغراما، ويجد صعوبة بالغة في الكلام.
وعن حالة محمود، تكشف الوالدة أنّه تعرض للضرب أثناء تواجده بالمستشفى، وحاول الجنود خداعه بالقول له إن أخاه فكّ إضرابه، وإن صحته في تراجع، حتى فقد قدرته على الحركة والنّطق، متسائلةً: «ماذا يريد العالم من أسير مضرب أكثر من 70 يوماً»؟، مستصرخةً أهالي الداخل المحتل بزيارة ابنيها وطمأنتها عليهما، وإبلاغهما بأنّها تحبهما وتدعو لهما دوماً، وإيصال رسالة لهما بالصبر والثبات.
ودعت المؤسسات الرسميّة والدّولية والقوى الوطنية والإسلامية كافة، إلى الاستمرار في فعاليات التضامن، للضغط على الاحتلال بإصدار قرار إيقاف اعتقالهما الإداري، والرئيس محمود عباس بالعمل على إنقاذ نجليها المهددة حياتهما بالموت.
وتلبية لنداء ام الأسيرين، جابت شوارع قطاع غزة وبيت لحم وبلعين والخليل ومدن فلسطينية أخرى، مسيراتُ تضامن مع الأخوَين البلبول ومالك القاضي، رافعة شعارات اكدت على ضرورة التّمسك بالثّوابت الوطنية والدفاع عن الأسرى.
ويستمر الأخوان البلبول في إضرابهما عن الطعام لأكثر من شهرين احتجاجاً على اعتقالهما الإداري بحجة التّحريض على صفحات التّواصل الاجتماعي، من دون تقديمهما للمحاكمة ما يتنافى مع المواثيق الدولية.
وكان الأسير المحرَّر خضر عدنان قد أطلق معركة الأمعاء الخاوية، وسار على نهجه كل من سامر العيساوي ومحمد علّان وبلال كايد ومحمد القيق، ومئات الأسرى الآخرين الذين يدخلون في إضرابات متتالية عن الطعام رفضاً لسياسة الاعتقال الإداري.
ويستمر الاسير مالك القاضي في إضرابه عن الطعام لأكثر من 60 يوماً رفضاً لسياسة الاعتقال الإداري ويقبع في مستشفى «ولفسون»، لكن سُمِح لوالدته بالبقاء إلى جانبه بعد دخوله في غيبوبة.
يشار إلى أنّ الأسير مالك القاضي (21 عاماً)، من مواليد مدينة بيت لحم، طالبٌ في اختصاص «الصحافة» في جامعة القدس، وأسيرٌ محرَّرٌ قبع في السّجون لأربعة أشهر، وأعاد الاحتلال اعتقاله في شهر تموز الماضي، ودخل في الإضراب منذ 15 من تموز الماضي.
وأوضحت والدة الأسير القاضي أنّه يعاني من آلام حادة في الرأس والصّدر والبطن ومن ضبابية في الرؤية، ومهدد بإصابة أحد أجهزة جسده بالتّلف، وهو لا يقوى على الكلام ولا الحركة، مؤكدةً أنّ الأطباء حاولوا استخدام العلاج القسري مع الأسير.
الاعتقال الإداري هو إجراء تلجأ إليه قوات الاحتلال لاعتقال المدنيين من دون تهمة محددة، ما يَحرِم المعتقل ومحاميه من معرفة أسباب الاعتقال، وغالباً ما يتم تجديد أمر الاعتقال لمرات متعددة.
وصادق الكنيست الإسرائيلي على قانون التّغذية القسرية، الذي يُخول المحكمة إعطاء الضوء الأخضر للطبيب لإطعام الأسير المُضرِب بالإجبار، بما يخالف إرادته.
وبَعَثَ المراقب الدائم لدولة فلسطين لدى الأمم المتحدة رياض منصور رسائل إلى الأمين العام للمنظمة الدولية ورئيس مجلس الأمن ورئيس الجمعية العامة، تطرق فيها إلى وضع الأسير القاضي، داعياً الجميع إلى التّدخل لإنقاذ حياة الأسرى.
بدوره، حَمَّلَ وزيرُ العدل الفلسطيني علي أبو دياك حكومة الاحتلال مسؤولية حياة الأسرى المضربين عن الطعام. وحذر في تصريح خاص لـ«السفير» من مواصلة سياسة القهر والقتل الممنهج والإهمال الطبي للأسرى في معتقلات العدو.
من جهته، اكد النّائب في الكنيست عن القائمة العربية المشتركة أحمد الطيبي لـ «السفير» أنّ قضية الأسرى من أصعب القضايا التي تطرح في الكنيست، لأنّ العدو يعدّهم إرهابيين.
Comments