المحتوى الرئيسى

ريتشارد بانكس مستشار التحرير لمؤتمرات يورومنى يكتب: خريف مصيرى لصانعى القرار فى القاهرة | المصري اليوم

09/18 22:30

تناول العديد من المقالات فى المجلات والصحف العالمية المتخصصة فى الاقتصاد والأعمال الأوضاع فى مصر بشكل مزعج خلال الفترة الأخيرة. ووجهت تلك المقالات والموضوعات العديد من الانتقادات لصانعى القرار الاقتصادى فى البلاد، مع تطرقها أيضاً للقرارات التى كان من الواجب اتخاذها فى هذا السياق. ولم تحظ هذه الانتقادات بأى تعاطف معها فى مصر، وبالتالى لن أقوم بترديدها مرة ثانية. من ناحية أخرى، أعتقد أن الآراء التى نشرتها تلك المقالات تضمنت العديد من الألفاظ والكلمات السلبية غير المُجدية، مثلها فى ذلك مثل معظم وسائل الإعلام الآن، حيث كانت تلك الآراء تعتمد على الانطباعات والعاطفة أكثر من ميلها للنقد الموضوعى.

وبالرغم من اللغة الحالية التى تميل وسائل الإعلام الحديثة لاستخدامها عند وصف الأحوال الاقتصادية فى مصر، إلا أن مشكلات مصر وتحدياتها لن تُحل بهذه السهولة- حتى مع تعليقات المتخصصين فى جميع المحافل. لقد تحملت الطبقة العريضة من محدودى الدخل فى مصر صعوبات ومشكلات اقتصادية هائلة خلال السنوات الخمس الأخيرة. ولعل أهم ما يُقلق الحكومة المصرية الآن هو حجم المعاناة الإضافية التى يمكن لتلك الطبقات تحملها خلال المستقبل. وبالطبع تتسبب الإصلاحات الاقتصادية الداعمة للنمو الاقتصادى المستدام فى المستقبل المزيد من الضغوط، حيث يتكبد المواطنون ضريبة مؤلمة- بل ربما مؤلمة جدا. فالتضخم آخذ فى الارتفاع، وسيتم الاستغناء عن العديد من الوظائف فى القطاعات غير التنافسية، ولن توفر الحلول السحرية، مثل السياحة والبترول وتحويلات العاملين فى الخارج والاستثمارات الأجنبية المباشرة، أى حلول حقيقية خلال الإطار الزمنى المطلوب.

وبناءً على ما سبق، فإن الاتفاق مع صندوق النقد الدولى كان من الأمور الضرورية- بالرغم من أنه غير كافٍ- للبدء فى تحريك عجلة الاقتصاد المصرى فى اتجاه أفضل. إنّ هذه الاتفاقية ستعمل على زيادة حركة الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية القادمة للبلاد من خلال الاتفاقيات الثنائية أو متعددة الأطراف، وهى الاستثمارات التى ستساعد فى تمويل العديد من القطاعات، مثل الكهرباء والبنية التحتية والمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وهى قطاعات اقتصادية فى أمسّ الحاجة لتلك الاستثمارات فى هذا الوقت بالتحديد، حيث يعمل ذلك على تحفيز النمو الاقتصادى فى المستقبل. وبالرغم من ذلك فإنّ المواطن المصرى العادى لن يشعر بأثر هذه الاستثمارات أو الاتفاقيات بنفس الطريقة التى يشعر بها عند زيادة الدعم أو طرح المزيد من الوظائف الحكومية (فى الحقيقة لا يجب القيام بهذا أبداً فى الوقت الراهن!!).

إنّ التحديات الاقتصادية التى تعانى منها مصر حالياً تنبع من عاملين رئيسيين هما: توقف تدفق رؤوس الأموال الأجنبية القادمة للبلاد (والمتمثلة فى السياحة والبترول والاستثمارات الأجنبية المباشرة... إلخ). إنّ هذه التدفقات كانت تدعم الاقتصاد المصرى، وبالتبعية تدعم موقف الجنيه المصرى. إلا أن صانعى القرار فى مصر لا يمكنهم التحكم فى هذه التدفقات الخارجية بشكل كبير، ومع ذلك هناك العديد من الأمور التى يمكن للحكومة القيام بها فى مجالات الاكتشافات البترولية والغازية، والترويج للاستثمارات الأجنبية المباشرة وتحسين المستوى الأمنى من أجل دعم السياحة مع تطوير المنتج السياحى المصرى. ولكن تراجع أسعار البترول العالمية وضعف الاستثمارات الأجنبية المباشرة يؤثران على الجميع فى كل مكان.

لقد كانت المصالح المكتسبة والسياسات المرتعشة وغياب الرؤية والعديد من العوامل الأخرى هى الأسباب الرئيسية التى أدت لتفادى متخذى القرار والمواطنين لمواجهة الاختيارات الصعبة التى لا غنى عنها.

أما التحدى الثانى الذى يواجه الاقتصاد المصرى فيتمثل فى مقاومة صانعى القرار الحالى- اقتضاءً بصانعى القرار السابقين- وكذلك جموع المصريين، لاتخاذ القرارات الاقتصادية الصعبة والضرورية لوضع الاقتصاد المصرى فى مساره الصحيح. لقد بدأت المشكلات التى يعانى منها الاقتصاد المصرى الآن منذ 30 عاماً مضت. لقد شهدت تلك الفترة القيام ببعض التغييرات الاقتصادية الإيجابية- خاصة خلال رئاسة أحمد نظيف للحكومة المصرية- ولكن لم تكن هذه التغييرات كافية، ولم تتم أيضاً الاستفادة منها فى اتخاذ المزيد من القرارات الصحيحة.

ومرة أخرى تجد مصر نفسها أمام العديد من الاختيارات الصعبة: هل نقوم بتعويم الجنيه المصرى؟ هل نقوم بالخصخصة؟ هل نبيع الأراضى والأصول الوطنية للأجانب؟ كيف نقوم بتمويل التعليم والصحة لمحدودى الدخل؟ كيف نقوم بتمويل البنية التحتية بما يسمح بزيادة معدلات الإنتاجية وزيادة تنافسية منتجاتنا من حيث الجودة والسعر بهدف تشجيع التصدير؟

ولكن مرة أخرى يكون الاختيار هو الميل نحو الارتباك والتخبط. إنّ الأهمية الاستراتيجية لمصر هائلة لدرجة تُغرى القوى الدولية لجعلها دولة فاشلة، ولكن إحباط حدوث الفشل لا يعنى بالفعل أننا حققنا النجاح. إنّ مصر تستحق أن تنجح بكل جدارة، بل إن مصر قادرة على تحقيق النجاح بالفعل، ولكن ما يجب عليها فعله هو مواجهة التأثيرات الاقتصادية المصاحبة للتغييرات والإصلاحات التى يجب عليها القيام بها بكل شفافية ووضوح. سيكون هناك عدد كبير جدا من الخاسرين. هناك العديد الذين سيتمكنون من العثور على فرصة عمل جديدة، ولكن هناك العديد أيضاً الذين لن يتمكنوا من ذلك. فى الوقت نفسه يجب على مصر أن تضع خطة شاملة لمساعدة المتضررين جراء الإصلاح الاقتصادى والتغييرات المطلوبة فى إطار برنامج فعلى وواضح للإصلاح. لقد ركز صانعو القرار فى مصر وغيرها من الدول لوقت طويل جدا على زيادة الناتج الاقتصادى أو تحقيق الاستقرار الاجتماعى. ولكن عليهم الآن التركيز على الاثنين معاً- باعتبارهما من المكونات المهمة للمجتمع فى المستقبل.

نرشح لك

أهم أخبار صحافة

Comments

عاجل