المحتوى الرئيسى

قواته استُنزفت وخسر نصف مساحة سوريا.. أسباب مكنت الأسد من البقاء في السلطة بعد سنوات من الاحتجاج عليه

09/18 19:19

في اليوم التالي لعيد ميلاده الواحد والخمسين، قام رئيس سوريا بشار الأسد بجولة للاحتفال بـ"النصر" عبر الشوارع المغبرة للمدينة المدمَرة والمهجورة، التي حاصرتها قواته وجوعت أهلها حتى الاستسلام.

مرتدياً قميصاً مفتوح الياقة، ومبتسماً، قاد مجموعة من المسؤولين في بذلاتهم الداكنة اللون عبر المتاجر المهجورة والمباني المقصوفة، وأخبر أحد المراسلين أنه مع أن الولايات المتحدة الأميركية وروسيا قد أعلنتا وقفاً لإطلاق النار إلا أنه قد تعهد باستعادة جميع المناطق من "الإرهابيين"، يشير بشار الأسد بلفظ الإرهابيين لكل معارضيه.

ومع مرور 5 سنوات على هذا الصراع الذي دمر دولته وهَجَّر نصف سكانها وقتل مئات الآلاف من الأشخاص، إلا أن الأسد ينكر تحمله لأى مسئولية عن هذا الدمار.

وبدلاً من ذلك، يقدم نفسه كرئيس مسئول عن الدولة، والشخص القادر على توحيدها من جديد وإنهاء الحرب والتوفيق بين أهل سوريا جميعاً.

هذا الإصرار الذي التزم به الأسد لسنوات، حتى حين كانت قواته تقصف المدنيين بهجمات الغاز والبراميل المتفجرة، يُعَد عائقاً كبيراً أمام استمرار أي وقف لإطلاق النار، ناهيك عن إنهاء الحرب نفسها.

يبدو الوقف الجديد لإطلاق النار الذي تم إعلانه منذ أقل من أسبوع ضعيفاً وهشاً منذ البداية، ففي يوم السبت، أعلنت أميركا تنفيذها لغارات جوية قتلت فيها قواتاً تابعة للحكومة في شرق سوريا.

واستؤنفت الهجمات في جميع أنحاء سوريا، مما أعاق وصول المساعدات إلى سكان حلب المحاصرين، وهي أكبر مدن سوريا، ومازالت المساعدات عالقة على الحدود التركية.

أصبح الأسد إحدى الإشكالات الأساسية للحرب في سوريا: فهو في وضع آمن، ويدعم بقائه مجموعة من الداعمين الأجانب بينما تنقسم بلاده، ومع ذلك فقليل من الأشخاص يرون أن استمراره في السلطة سينهي الحرب في سوريا ويوحد البلاد من جديد.

ومع أن الأسد مازال منبوذاً من قبل الغرب، ومازالت تقاتل ضده عشرات الجماعات المسلحة للإطاحة به، إلا أن الجميع – وحتى خصومه – يعترفون بأنه استطاع النجاة من التهديدات المباشرة لحكمه، مما يجعل مسألة مصيره مشكلة عصية الحل.

وفي الغالب لن يتوقف الثوار عن القتال طالما استمر الرجل الذي يلومونه على غالبية وفيات الحرب رئيساً للبلاد.

منع الخوف على مصير سوريا بعد الإطاحة بالأسد، العديدَ من السوريين من الانضمام إلى التمرد على نظامه، وربما يكون قد منع أيضاً دُوَلاً كالولايات المتحدة الأميركية من التعامل معه بقوة أكبر.

وكانت النتيجة لكل ذلك هي مأزق صعب، فمكانة الأسد رئيساً لسوريا قد تضاءلت، ولكنها حتى الآن ما زالت مستقرة.

سمير التقي –مدير مركز الشرق للبحوث بدبي– قال عن الأسد إنَّ "المشكلة أنه لا يمكنه الانتصار في هذه الحرب، وفي نفس الوقت هو ليس في طريقه لخسارتها. ولكن في نهاية الأمر، ماذا تبقى لسوريا؟ فالأسد ما زال الرئيس، ولكنه قد خسر الدولة".

تعطي الأحداث الأخيرة في سوريا الانطباع بأن الأسد قد نجح حتى الآن في التخبط في مساره، بدون التعرض للمساءلة.

وقد مضى شهر أغسطس/آب الماضي دون إشارة تقريباً إلى الذكرى السنوية للهجمات الكيمياوية التي قامت بها قوات الأسد وقتلت فيها ما يزيد على ألف شخص عام 2013.

وقد تنازلت تركيا –إحدى الداعمين الأساسيين للثوار– عن مطالبها بترك الأسد للسلطة فوراً، وكذلك توقفت أميركا عن دعوتها لعزله.

وقد أعلنت كل من أميركا وروسيا في اليوم السابق لذكرى ميلاد الأسد في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول -والذي قام مؤيدوه بعمل موقع إلكتروني للاحتفال به– عن اتفاقية جديدة لوقف إطلاق النار تتضمن مزايا مدهشة للأسد.

فإلى جانب عدم تعرض الاتفاقية لمسألة مستقبل الأسد السياسي، جمعت الاتفاقية بين إحدى أكبر خصوم الأسد وهي أميركا، وروسيا أكبر حلفائه، في عمليات قصف مشترك للجهاديين الذين يهددون حكم بشار الأسد.

منذ سنوات عدة، توقَّع البعض أن ينضم الأسد إلى قائمة الطغاة الأكثر دموية في العالم.

لم يكن بشار الأسد -الشاب المتواضع وإخصائي البصريات- يخطط للعمل بالسياسة، ولكن والده حافظ الأسد –وسلفه في رئاسة سوريا- استدعاه من لندن عندما توفى باسل الأسد، الأخ الأكبر لبشار في حادث سيارة عام 1994.

وبعد أن تولى بشار الرئاسة خلفاً لوالده عام 2000، تمنى العديد من الأشخاص أن يقوم بشار بإصلاح الدولة. ولكن هذه الآمال تضاءلت مع الوقت، حتى اختفت تماماً مع بداية ثورات الربيع العربي عام 2011، عندما قام بشار الأسد بقمع المظاهرات السلمية وقتها بعنف ساحق.

وتطور النزاع منذ هذه اللحظة.

ومع أن هناك معارضة واسعة لحكمه، إلا أن مزيجاً من العوامل مكّن الأسد من الاستمرار في السلطة حتى الآن طبقاً للمحللين.

فخصومه حتى الآن ما زالوا منقسمين، وفشلوا في إقناع العديد من مواطني سوريا –وخاصة الأقليات الدينية– أنهم سيقومون بحماية حقوقهم وسيديرون الدولة بشكل أفضل من الأسد.

ونتيجة للمعارك المستمرة التي أرهقت قواته، يتلقى الأسد دعماً عسكرياً ضخماً من إيران وروسيا وحركة حزب الله بلبنان، بشكل يفوق بشدة ما تقدمه أميركا وحلفاؤها للثوار.

كما أدى صعود بعض التنظيمات الجهادية كتنظيم الدولة وجبهة فتح الشام –والتي كانت تعرف سابقاً بجبهة النصرة، وعلى علاقة بتنظيم القاعدة– بالعديد من السوريين وبعض المعارضين الدوليين للأسد، للاعتقاد بأن بشار الأسد هو أهون الشرين. فبينما يتعامل الأسد بوحشية مع قومه في سوريا، إلا أنه لا يهدد الغرب بشكل مباشر.

أظهرت جولة الاحتفال بـ"النصر" التي قام بها الأسد يوم الإثنين مدى الخراب بمدينة داريا، والتي كانت معقلاً للثوار لمدة طويلة، وتم إجلاء مواطنيها الباقين في الشهر الماضي بعد حصار طويل قامت به قوات السلطة.

وفي مقاطع مصورة نشرتها الحكومة السورية، نشاهد وصول بشار الأسد إلى مدينة داريا في سيارته السوبارو الفضية الخاصة، ويبدو عليه العصبية والملل أثناء سماعه للخطبة التي تم مدحه فيها لحمايته سوريا، ثم أدى صلاة عيد الأضحى.

وأثناء عزف الموسيقى العسكرية، تحركت الكاميرات بين مشاهد مختلفة للدمار الذى لحق بالمدينة، ومشهد بشار الأسد وهو يمشي في شوارعها أمام حاشيته.

وحين أوقفه أحد المراسلين ليلقي عليه سؤالاً، تحدث الأسد بنبرة هادئة عن المصالحة والوفاق وإعادة البناء. ثم سخر من خصومه بتسميتهم بالثوار المأجورين، في إشارة إلى الدعم الخارجي الذي يتلقونه، وضحك عند انتهائه من الجملة.

وفهمت حاشيته ما يرمي إليه، فهمّوا أيضاً بالضحك.

بالنسبة إلى العديد من السوريين، كانت رسالة بشار الأسد واضحة.

فكما قال مرهف جويجاتي –رئيس مجلس الإدارة بمنظمة "اليوم التالي" - والتي تهدف إلى إعداد السوريين لمستقبل ديمقراطي– عن هذا المشهد، إنَّ "بشار أراد أن يوضح لجميع السوريين أن هذا هو مصيرهم إن عارضوه".

وعلق مالك الرفاعي -الناشط المناهض للحكومة السورية وأحد أهالي داريا والذي تم تهجيره إلى شمالي سوريا– بأنه أحس بالشلل عندما شاهد الأسد يجوب شوارع مسقط رأسه المهجور، ولكنه أيضاً شارك مقطعاً مصوراً لسرب من الطيور كان يطير فوق رؤوس مواطني داريا أثناء رحيلهم عن المدينة، وفسرها كإشارة لعودة مواطني داريا إليها مجدداً كما قال.

وعلق على ذلك قائلاً في محادثة إلكترونية "هذه الطيور كانت رسالة قوية من السماء، بينما ما فعله بشار كان مجرد استعراض، محاولة لإظهار قوة شخص ضعيف بالأساس".

نوع آخر من المتعطشين للدماء

تضفي البذلات الداكنة لبشار الأسد ونبراته الهادئة عليه، مظهراً أكثر رقياً من غيره من الحكام العرب المستبدين كالعقيد معمر القذافي الحاكم السابق لليبيا والعراقي صدام حسين، واللذين كانا غالباً ما يلوحان بأسلحتهما ويلقيان خطابات متوعدة مهددين بها أعداءهم.

أو كما علق نديم حوري –الذي عمل مراقباً بـ هيومان رايتس واتش في سوريا لعشر سنوات– واصفاً بشار "هو نوع آخر من الدكتاتوريين المتعطشين للدماء، النوع الذي يتسوق على الإنترنت مستخدماً الآيباد الخاص به. بشار نوعاً ما هو النسخة الثانية من الدكتاتور العربي".

قُتِل كل من العقيد معمر القذافي وصدام حسين، بعد تدخلات أجنبية كانت تهدف إلى عزلهما من السلطة، وهو المصير الذي نجا منه الأسد على ما يبدو، وذلك مع ازدياد عدد القتلى أثناء حكمه عن نظيريه.

وقد ساهم إصراره هذا في إحباط من يرون ضرورة محاسبته على ما فعل.

وقد علق نديم حوري على الموقف الدولي من الأسد قائلاً، إنَّ "تفكير العديد من القادة في العالم واستعدادهم للتعامل مع الأسد اليوم، كما لو كان لم يطلق الغاز على قومه ولم يعذب الآلاف حتى الموت، يوضح فساد البيئة السياسية حالياً في العالم. هناك مستوى ما من تدخل المصالح في الأمور، ونقص في الطموح لعالم أفضل".

ومع ذلك، فالمحللون يلاحظون العديد من نقاط الضعف في موقف الأسد.

فبعد سنوات من الحرب، يسيطر الأسد على أقل من نصف مساحة سوريا، وقواته جرى استنزافها، مما يصعِّب عليه الاستيلاء على مناطق جديدة والحفاظ عليها.

ومع تدخل الدعم العسكري البري من إيران وحزب الله، والجوي من روسيا، لوقف تقدم الثوار، إلا أن هذا جعل الأسد معتمداً بشكل أكبر على القوى الخارجية التي تسعى لمصالحها الخاصة.

ويقول الدبلوماسيون الذين يتابعون الوضع السوري، إنَّه بينما ستظل إيران ملتزمة بدعم الأسد، إلا أن الروسيين من الممكن أن يتخلوا عنه إن تم حماية مصالحهم. وقد بدأت بالفعل بعض علامات الاستياء الروسي تجاه الأسد في الظهور.

ففي يونيو، قام وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو بزيارة سوريا، وهي الزيارة التي تمت على ما يبدو بدون علم بشار الأسد، مما يعني إحراجاً شديداً للرئيس الذي يتحدث دائماً عن السيادة الوطنية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل