المحتوى الرئيسى

جابريللا.. أصيبت بالشلل الدماغي فأصبحت علاجا للمرضى الفقراء

09/18 15:05

منذ ثلاثة عشر عاما كان "رائد القباني" وزوجته في انتظار مولودهما الأول، حملت الزوجة، كانت على موعد مع وضع المولود، لكن خطأ طبيا وقع أثناء ولادة الفتاة "جبريللا"، بعد أسبوع واحد من ولادتها عرف الوالدان أن الفتاة مصابة بالشلل الدماغي، الخطأ الطبي تحول إلى قضية عمرها في المحكمة 12 عاما، لم تخرج القضية من دائرة القضاء بعد، والفتاة جبريللا حالتها وفقا للأطباء ميئوس من علاجها، لا تتمكن على الوقوف أو الحركة، لكن الفتاة الصغيرة أصبحت مصدر لإلهام للأب لمساعدة آخرين يشبهون حالتها.

فمنذ حوالي ثلاثة أعوام، فكر الأب بمساعدة ذوي الشلل الدماغي من الأطفال، خاصة ممن رآهم على أبواب المستشفيات الحكومية، يفترشون الطرقات ويحملون أبنائهم بحثا عن الشفاء، ينتظرون جلسة علاجات لا تأتي إلا متأخرا، ويؤخر ذلك تقدم حالتهم المرضية، فكر القباني في إنشاء مركز للعلاج الطبيعي لهم، يستقبل حالات الشلل الدماغي للعلاج مجانا بالجلسات، ويطلق عليه اسم ابنته "مركز جبريللا لعلاج أطفال الشلل الدماغي"، إذ لا يوجد علاج للمرض المعروف بخلل في وظائف الدماغ.

إجراءات روتينية وأوراق على الأب استيفاءها من أجل انشاء المركز، لم يكن يعرف أن الأمر بهذه الصعوبة، فقد الأمل في انشاءه في البداية، استمر بعمله في السياحة، حتى حمسته فتاة تعمل معه في الشركة "فجر"، رغم دراستها للحقوق، لكنها آمنت بالمشروع، أخذت القضية منذ البداية، حتى خرجت المؤسسة للنور، وبدأت بعد توفر مقر صغير في البحث عن الحالات المحتاجة لعلاج مجانا.

"حالات الشلل الدماغي نادرا ما يبقى فيها تحسن.. كل محاولاتنا هو تقليل سرعة التدهور في الحالة" يقول الأب ومؤسس المركز، مفسرا حالة طفلته بمشكلات في المعدة والعمود الفقري، وإصابتها مؤخرا بفيرس سي؛ نتيجة لكثرة نقل الدم، وموضحا حالة أبناء المرض إنهم مصابون بدمور في خلايا المخ، ونسب الشفاء تكاد تكون منعدمة.

بدأ المركز بعدد قليل من الأطباء، ووجدت كثير من الحالات خاصة من الفقراء وغير القادرين، ازداد عدد المرضى، وانفتح باب الخير لأطفال لا يجدون الرعاية في مستشفى أو مركز، تداول الأمهات مع بعضهن البعض حكاية المركز الذي يرعى الأطفال المرضى مجانا، وأصبحت "طاقة خير" تستقبل الصغار.

غرفتان وصالة متوسطة الحجم، تتلون باللون الأخضر تفاؤلا بالشفاء، تستقبل الأطفال من الصباح إلى آخر طفل يرحل من المركز، في زهراء مدينة نصر يفتح مركز جبريللا أبوابه لغير القادرين، يحمل الأمهات أطفالهم للعلاج الطبيعي، تكيفا مع المرض المزمن، في أفضل الأحوال يحصل الطفل من المستشفى الحكومي – إن وجدت- ما لا يزيد عن 15 دقيقة من هذا العلاج، فيما تجد الأمهات بـ" جبريللا" متسعا من الوقت لتدريب الاطفال، حتى يتطور نموهم من مرة لأخرى، ويعمل الأطباء على الحركة لأطراف الأطفال من أجل "تجاوب" ما مع المرض.

تحمل كل أم حكاية لطفلها، العلاج المجاني لا يلغي نداءات المؤسسة للتبرعات أحيانا عبر صفحتها الإلكترونية بفيسبوك، فهناك عدد من الحالات غير القادرة لا تستطيع دفع أجرة الأطباء، واللذين يحصلون على أجر زهيد، بجانب تبرعات تقصد الألعاب للترفيه عن دنيا الشلل، ويؤكد القباني أن المركز –وهو مؤسسة مشهرة من وزارة التضامن الاجتماعي- لا يحصل على أي دعم مادي من الحكومة مثله مثل الجمعيات المشابهة لاستقبال أبناء المرض.

على كرسي متحرك، تجلس الطفلة "سارة سيد وتستقبل كل من يأتي إلى المركز، ابتسامة لا تبخل بها الفتاة ذي الثامنة عشر عاما على كل وجه غريب يدلف للمركز، تحمل سارة مرض الشلل الدماغي منذ بداية أيام عمرها، تقول والدتها إنها لم تترك بابا لعلاجها إلا وطرقته، كل من الأطباء كان يأتي بتشخيص مختلف قبل أن تدخل إلى دنيا "جابريللا"، بدأ من تشخيص الولادة وحتى آخر طبيب، مستشفى أبو الريش وغيرها، حتى عرفت بالصدفة مقر المركز الخيري، تأتي بها الأم من منطقة "عزبة الهجانة"، والتي تأتي منها أيضا غالبية من الأمهات لمقر المركز لفقرهن الشديد.

عقب ولادة "سارة" بأسبوع عرفت الأم أن ابنتها ليست طفلة عادية، حركتها وزُرقة جسدها جعل الأم تشك في الأمر، تحكي الأم أن أحد الأطباء قال لها "ما تجريش على بنتك كفاية كدة"، بعد أن تيبس جسد الفتاة، لكن الأم لم تفعل، ظلت تدور في فلك المحاولات، حتى بعد أن جرت عملية خاطئة في ركبة الفتاة، واستطاعت سارة الجلوس وتحريك يدها، دب الأمل في حياة الأم بفضل تطور حالتها بعد أن قدُمت إلى مركز جبريللا، واستطاعت سارة أن تقوم ببعض الأشغال اليدوية، "لضم المكرونة بالخيط" كان أول الاكتشاف، لتعرف الفتاة أن تصنع أساور صغيرة فيما بعد، تحتفظ بهم في منزلها، وتعرض منهم في المركز كجزء من معرض صغير للمشغولات اليدوية.

"هو ليه المعاق في بلدنا ما بيخدش حقه؟".. سؤال تردده الأم بعد رحلة مرض لا تزال مستمرة، تقول الأم أن أكثر من طبيب بالمركز قالوا لها إن حال "سارة" سيتحسن كثيرا لو أن العلاج الطبيعي بدأ مبكرا، خمسة أيام في الأسبوع تأتي "سارة" بصحبة والدتها إلى المركز من منطقة عزبة الهجانة.

في إحدى غرفتي "جبريللا" سيستقبلك "فارس" طفل بملامح ضاحكة ووسيمة، عين عسلية وشعر أشقر تجعله أشبه بالأجانب، خمس سنوات لا يقدر الطفل المريض بالشلل الدماغي على الوقوف كاملا، يمسك الطبيب بإحدى قدميه ويربطهما من أجل تقوية العضلات، لا يقوى الطفل على التحكم في لسانه، يقول طبيبه أن ذلك نتيجة مرضه وهو عدم التحكم الكامل في أعصابه.

"كعب داير" في عدة مستشفيات أخذتها والدة فارس، تحكي لـ"مصراوي" عن ساعات الزحام في مستشفى أبو الريش، الطوابير التي لا يجد فيها الفقراء متسع من الوقت أو جهد من طبيب لحالة فارس، وإن وجدت تلاشت بما لا يكفي لكي يتطور نموه، الطفل "على ست بنات" وجد معاملة حسنة في مستشفى أحمد ماهر، لكن رعاية خاصة لا توفرها المستشفى وجدها الطفل في رحاب "جبريللا".

"اسينات"، فتاة من عمر عامين وعدة أشهر، تحملها والدتها على كتفها، أكثر من جهة ذهبت لها الوالدة والأبنة قبل أن تأتي إلى " جبريللا"، الضمور في بعض عضلات المخ جعل حركة الطفلة عالية جدا، مستشفى أبو الريش ثم المعهد العالي للطفولة، ثم معهد السع والكلام بإمبابة، رحلة مرض لم تتحسن حالتها كثيرا.

العلاج المجاني بتلك المستشفيات يجعل فرص الحالات أقل، "خمسة جنيهات" تدفعهم الأم في أبو الريش لكن الجلسات قليلة وحالة الأبنة غير مستقرة، بعد أن تعرضت لعملية في حلقها، لم تتحسن حالتها أيضا، يقول "سامح" الطبيب بالمركز أنه ربما يقع تشخيص خاطئ من الطبيب، لإن حالات الشلل الدماغي يتعامل معها الأطباء على إنها لن تشفي، لكن العلاج الطبيعي يحسن من فرص الحركة الأفضل لجسد الطفل، دون أن يتطور النمو العقلي.

أهم أخبار منوعات

Comments

عاجل