المحتوى الرئيسى

"ملناش مكان فيها".. قصص شباب "زي الورد" حطم الفساد أحلامهم

09/18 14:36

"هذه البلاد لم تعد بلادي" كلمة يتفوهها معظم شباب العصر، فإنها ليست حالة فردية بل أصبحت حال جيل.. أصبحت ظاهرة مجتمعية، ليس كما يظن البعض أن الشباب لا يريدون العمل وكل ما يهمهم هو مواقع التواصل الاجتماعي والسوشيال ميديا، لكن هؤلاء "اليافعين" اختتمت شهادة مستقبلهم بكلمة "ليس لك مكان فيها".

تلك الكلمات البسيطة تمنع كثيرا من الشباب من تأشيرة أحلامهم، فهي أحبار أقلام تحجزهم عن القبول بوظائف معينة، فمثلا ليس لك مكان بين جدران وزارة الخارجية إلا وكانت واسطتك "ثقيلة"، وهكذا في كل مؤسسات الدولة كالنيابات والجامعات.

هذا هو حبل المشنقة الذي يلتف حول عنق "آمال" الشباب الصاعد المتهم بالتكاسل والإهمال، فلا يفصل شاب عن شاب إلا بكلمة "ما واسطتك"، وليس ما درجتك العلمية.. أو قدرتك على إدارة مؤسسة، فهؤلاء الشباب منهم من يصاب بالاكتئاب والانعزال عن العالم ومنهم من يفضل الانتحار وترك العالم، والعاقل منهم يرمي بنفسه في أحضان الغربة.

مروة من معيدة جامعية إلى ربة منزل

دراسات وأبحاث ركزت عليها الفتاة العشرينية التي عكفت على الدراسة لنيل أفضل المراكز في كليتها، فكانت أكبر أحلامها أن تصبح معيدة في كلية الخدمة الاجتماعية؛ لتساعد غيرها في هذا المجال، تلك هي مروه عبدالفتاح، البنت الوحيدة لأسرة صغيرة تتكون من ثلاثة أشخاص بسطاء.

فعلى مدار أربعة أعوام، حصلت "مروة" على تقدير امتياز في كليتها، مما يبين اهتمامها بدراستها وتفوقها، وطموحها للحصول على ما تتمناه، وبعد كل هذا الاجتهاد تنتظر الفتاة المجتهدة خبر تعيينها كمعيدة، ولكن تفاجأ بتعيين ابنة إحدى أساتذة الكلية.

وتتحطم أحلام "مروة" وتصبح أطلالا من الماضي، وتدخل في أقصى حالات الاكتئاب، حين رأت دموع والديها بسبب قلة الحيلة، وعدم وجود ما يتوسطوا به في الجامعة لتحصل ابنتهم على تلك الوظيفة القيمة.

وكثيرا ما فكرت في الانتحار، لكنها تتوقف في آخر لحظة بسبب قوة إيمانها، لتضطر الابنة المتميزة للزواج دون العمل، لتصبح في نهاية الأمر من معيدة إلى ربة منزل فقط.

"أبوك سواق" شوهت عقل جيل

كاد أن يلتحق بالنيابة العامة لكن تتوقف عقارب ساعته حين رفض من الوظيفة رغم توافر كل الشروط المطلوبة فيه، وتعطل الزمن بسبب "أبوك سواق"، فأنت غير لائق اجتماعيا، هكذا أغلق مستقبل أحمد عبد الحميد، خريج كلية الحقوق جامعة عين شمس بتقدير عام امتياز.

بعد أن كان حلم "أحمد" هو دخول كلية الشرطة ليصبح ضابطا حرا يقبض على المتهمين، تعرض خلال دراسته للثانوية العامة لحادث سير، لكنه لم يتوقف فقد تقدم لامتحانات نهاية العام، وحصل على مجموع لكلية الشرطة بالفعل، لكن مع اختبارات القدرات، تبين خلال الفحص أعراض الحادث..فرفض.

لم يفقد "أحمد" الأمل فدخل كلية الحقوق ليبذل قصارى جهده حتى يتعين في النيابة العامة، وبالفعل تتوافر فيه كل الشروط اللازمة، فالثقافة واللياقة البدنية والعقل الصحيح، لكنه ومع رفضه من الوظيفة المرموقة بسبب عمل والده البسيط، أصبح من ضابط أو رئيس نيابة إلى متهم في عين نفسه بأنه.. "فقير".

تحطمت حالته النفسية عقب تلك الحوادث، ليصل به الأمر إلى اعتقاده بأن السفر للخارج هو طوق النجاة الذي سيلحق بأخر أنفاسه، فالشاب الطموح وجد لنفسه حلم آخر يسعى إليه، كما أنه وعد نفسه بأن إما السفر أو الموت، لكن لن يمكث في هذا البلد _مصر_ أكثر من ذلك.

وفي بحث للدكتور عبدالخالق فاروق، الخبير الاقتصادي والمتخصص في قضايا الفساد، حمل عنوان "السلطة والثروة والعلاقة الشوهاء.. كيف تحول الفساد إلى بنية مؤسسية متكاملة في مصر؟"، يتحدث فاروق عن آليات إفساد أعضاء المؤسسة القضائية، قائلا: "ظلت الهيئة القضائية المصرية عصية على الكسر أو الاحتواء لسنوات طويلة، سواء قبل ثورة 23 يوليو عام 1952 أو بعدها".

وأكد فاروق خلال بحثه، أنه مع تزايد أعداد خريجي كليات الحقوق سنويًا، ورغبة الكثيرين منهم في الالتحاق بسلك القضاء (النيابة العامة) أو حتى الهيئات القضائية الأخرى، مثل مجلس الدولة أو النيابة الإدارية، فإن إغراق المؤسسة القضائية وتوريط بعض أعضائها في ممارسات غير قانونية وغير أخلاقية من نوع الوساطة والمحسوبية في تعيين أبنائهم وأقربائهم في سلك النيابة العامة، وفي المقابل إهدار حقوق بعض المتقدمين في المسابقات الذين هم أكثر جدارة وكفاءة.

وفي بحث للبنك الدولي، صدر عام 2012 بعنوان "الارتقاء الاجتماعي في مصر.. مهنة الأبوين عامل مساعد"، جاء فيه: رغم أن الشباب الذي يدخل سوق العمل بات أكثر تعلمًا مما كان عليه في الماضي، فإن فرص العمل تزداد تراجعًا، وكلما ارتفع مستوى التعليم لدى الشباب كلما زاد احتمال فشلهم في الحصول على فرصة عمل.

كما أبرزت الدراسة عدم تكافؤ الفرص بين الشباب المصري الطامح للدخول إلى سوق العمل، يمتهن أكثر من واحد من بين كل اثنين من الشباب المصري الطامح إلى الانضمام لسوق العمل نفس مهنة الوالد.

لا يتوقف كثير من علماء النفس والاجتماع عن التحذير من أن ارتباط الوظيفة المرموقة بمؤهل أو وظيفة الأب، يخلق إنسانًا مشوهًا نفسيًا ومجتمعًا معاقًا فكريًا، لا يتمكن من التقدم، فالكفاءات والنوابغ لن تجد مكانة لها في مجتمع المحسوبيات، وتكون النتيجة هجرة العقول المصرية للخارج.

وكان الدكتور أحمد زويل والدكتور مجدي يعقوب والدكتور أسامة الباز، على رأس من تحدثوا عن أن هناك وظائف بعينها لا يدخلها أبناء البسطاء من الشعب المصري، كالشرطة والقضاء والسلك الدبلوماسي، والسبب الذي يقال دائمًا "غير لائق اجتماعيًا".

ويسير على دربهم الدكتور يسري عبدالمحسن، أستاذ الطب النفسي، الذي أكد أن كثير من الشباب الذين لديهم طموح كبير يصابون بالإحباط وخيبة الأمل إذا تقدموا لوظيفة ويتم رفضه بسبب أنه ليس لديه "واسطة" مهمة، كما إنه يفقد الثقة في الناس وفي الآخرين.

ونفى عبد المحسن أن الشاب الذي يصاب بالاكتئاب عند رفضه من وظيفة ما يقدم على الانتحار، موضحاً أن الشاب إذا يقدم على الانتحار يكون لديه استعداد نفسي لذلك في بادئ الأمر، فيكون ذلك الرفض سببًا لزيادة المرض، قد يكون هناك إحساس بالقهر، لكن لا يؤدي للانتحار.

كما أشار عبد المحسن إلى أن الشاب السليم نفسيًا يتكيف، ويبحث عن اتجاهات أخرى، مضيفًا أن الشاب المكافح الذي يسعى لتحسين مستواه، سواء على المستوى الأكاديمي أو العملي، لا تؤثر فيه مثل هذه الادعاءات، وعليه أن يكون دائم السعي وراء اختيارات كثيرة.

وشدد أستاذ الطب النفسي، على أن عدم حصول الشاب الطموح على تلك الوظائف يؤدي للحقد الطبقي ويخلق نوعًا من التنافس غير الشريف وإحساسًا عامًا بعدم العدل والإنصاف مما يصنع أزمات اجتماعية.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل