المحتوى الرئيسى

أحمد السيد الكيال يكتب: القرار العاطفي

09/18 10:33

من أصعب المواقف التي نواجهها في حياتنا، تلك التي نضطر فيها إلى إتخاذ قرارات، وإن كان الكثير يحاول الهروب من إتخاذ تلك القرارات المتعلقة بالعمل أو الدراسة، فجميعنا يعاني بشدة عندما يكون القرار متعلقًا بالعلاقات الإنسانية وخصوصًا (العلاقات العاطفية).

أسهل قرار متعلق بهذا الشأن، هو قرار (بدء العلاقة)، عادة ما يكون متسرعًا وأحيانًا متهورًا، ولكن سهولة إتخاذه تكمن في أن طرفي العلاقة ربما لم يتعرفوا بعد على بعضهم البعض بشكل مكتمل، لأنه من الطبيعي أن يقدم كل طرف صورة مزينة أو مجملة عن نفسه، وربما أيضًا لم ينتبه كلا الطرفين لطبيعة الإلتزامات والصعوبات التي ستواجههم، ودائمًا يكون أحد طرفي العلاقة هو متخذ قرار البدء ضمنيًا، إلا أن ذلك لا يعني تحمله أي مسؤلية، لأن العلاقة لن تبدأ إلا بقبول الطرفين، وبالتالي فمسؤلية ذلك القرار مشتركة دون شك.

أما أصعب تلك القرارات العاطفية بلا منازع، هو قرار (الإنهاء)، فعندما تدخل العلاقات العاطفية إلى نفق عدم الوضوح أو عدم الإقتناع، يجد الشخص نفسه في حالة من التشابك وإرتباك المشاعر، القلق والخوف وأحيانًا الفزع، والإحساس بالمسؤلية والذنب، كل هذه التعقيدات التي تواجهنا، يكون لها دور مؤكد في ترددنا في إتخاذ القرار.

صعوبة القرار تكمن في أنك تحتاج لمجهود نفسي شاق، والنقطة الفاصلة ستكون في أن تستطيع القيام بعملية (بناء الحقيقة)، دون أن تتأثر بمشاعر تؤثر على قراءتك للأحداث والمشاهدات، فتزيف الواقع الذي عليك أن تتعامل معه، فربما هناك حدث ضخم أو مهم إستلزم أن تتخذ قرارًا، وربما هو حدث متكرر، ولكن تكراره أكمل صورة لإنتفاء الأمل، في حدوث تغيير منشود لا إستغناء عنه، لأنه كان سيكمل عملية التواؤم والتجانس بين طرفي العلاقة، أو يبني جسر الثقة الحقيقية التي ستمر بهما إلى غمار الحياة.

كنت أتصور دائمًا العلاقة بين شخصين أنها (حبل مطاطي) له مقبضين، يمسك كل منهما بأحدهما، وعلى الرغم من أن المشاعر غالبًا لا تحتفظ بوضع مستقر، تصعد وتهبط وفق أحداث ربما تكون يومية، ولكن هناك حد أدني لإنخفاض هذه المشاعر، بما يعني أن الصعود إلى القمة يعقبه الهبوط إلى القاع، أو العكس وبشكل مستمر، يمثل خطرًا يهدد بقاء تلك العلاقة، لأن عملية الصعود والهبوط العنيفة، ستؤدي بالتبعية لقطع ذلك الحبل، أو ستسبب شعور أحدهما بالألم أو التعب الشديد من الإمساك بهذا المقبض، فلا يستطيع التمسك به أكثر من ذلك.

من أكثر الأخطاء شيوعًا، هو إصرارنا الدائم على تحميل فشل أي علاقة لأحد طرفيها، فشل العلاقة مسؤلية، ولكن ربما بالفعل أحد طرفي العلاقة يحمل وزر فشلها، وربما كلاهما ذلك، وربما كان هناك خطأ في عملية الإختيار والقبول من الطرفين، وأن فشلها كان بسبب عدم توافر شروط نجاح علاقة بينهما، ببساطة ليس عيبًا في أي منهما، فقط ربما لا يناسب أحدهما الآخر.

ويعد موضوع (المسؤلية عن فشل العلاقة) من أكثر الموضوعات التي تضغط نفسيًا على متخذ القرار (قرار الإنهاء)، وأعتقد أن في هذا مغالطة كبيرة، فبرغم أن الأساس في هذا القرار أن متخذه شعر بأنه لا يستطيع الاستمرار، إلا أنه بذلك اتخذ قرارًا في صالح الطرفين، لأن عدم قدرته على الاستمرار تعني بأنه لن يستطيع الوفاء بإلتزاماته تجاه العلاقة والطرف الآخر.

وبالتالي ليس بالضرورة أن يتحمل متخذ هذا القرار مسئولية الفشل، ربما هي مسؤلية الطرف الآخر أو مسئولية مشتركة، وبالتالي أيضًا لا نستطيع أن نحّمل صاحب قرار البدء بمسئولية فشلها، لأنها ببساطة مجرد تجربة إنسانية، نسب النجاح والفشل فيها متساوية، ولا يعني استمرارها ونجاحها أننا ملائكة، أو أن نصير شياطين في حال فشلها.

في النهاية، يجب أن نتأكد من عدة أشياء غاية في الأهمية:

– (القرار العاطفي) قرار حر، سواء كان بدء أو إنهاء علاقة، لا يحق لطرف العلاقة أو لأي أحد من محيطك الإنساني أن يلومك على هذا القرار، لأنه ببساطة أحد حقوقك الطبيعية.

– (قرار الإنهاء) قرار يتعلق بقدرة تحملك لواقع العلاقة، ويمكن أيضًا أن يشير هذا الواقع لعدة حقائق منطقية متوقعة في المستقبل.

– يجب على متخذ قرار الإنهاء أن يشرح للطرف الآخر موقفه كاملًا، ويوضح له الأسباب التي تمنعه من الاستمرار.

– (التوقيت) مهم جدًا في إتخاذ القرار العاطفي، المقامرة في هذا الشأن ليست شيئًا جيدًا، فالصبر بخصوص خسائر فادحة ربما سيكلفك خسائر أكثر، إلا أن إتخاذ القرار الصحيح -وإن كان متأخرًا- أفضل كثيرًا من عدم إتخاذه.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل