المحتوى الرئيسى

عـفواً سـيد نيـوتن | المصري اليوم

09/17 22:57

السيد نيوتن طرح فى مقال الخميس الماضى قضية جوهرية، كُنا قد تحدثنا فى اليوم نفسه عن شقها الأول، المتعلق بصفقة السلاح الأمريكية إلى إسرائيل، البالغة قيمتها ٣٨ مليار دولار، إلا أننا لم نناقش الشق الآخر الذى طرحه نيوتن، والمتعلق بالسؤال التقليدى: لماذا لا تحصل مصر على نفس السلاح كما حصلت إسرائيل، بل إن مصر قد تكون لها الأولوية، ذلك أنها رمانة الميزان، وميزان الرمانة، وهكذا، من وجهة النظر الرسمية طبعاً.

ما أردت قوله للسيد نيوتن ليس سراً، ولا أمراً غريباً، إنما هو الرد الذى تجاهله هو، فى حمية الانفعال، وهو أيضاً الرد الذى سوف يسمعه من الإدارة الأمريكية، بل هو الرد البديهى من أى مواطن، مصرى، أو عربى، أو أعجمى، وهو أن إسرائيل- من وجهة النظر الغربية- دولة ديمقراطية، ليس لديها خمسون ولا ستون ولا سبعون ألفاً فى السجون، دولة تستثمر فى التكنولوجيا، وليس فى بناء المعتقلات، دولة فى عداد دول العالم المتقدم، وليس النامى، أو المتخلف، قيمة صادرات إسرائيل الشهرية هى نفس قيمة صادراتنا السنوية، مع الفارق الكبير فى تعداد السكان.

أيضاً كل التصنيفات الدولية تتفوق علينا فيها إسرائيل، فى جودة التعليم، كما الصحة، كما البيئة، كما البحث العلمى، كما دخل الفرد، كما كل شىء تقريباً، بالتأكيد نحن هنا لا نتحدث عن إسرائيل كدولة محتلة، تنتهك حقوق الفلسطينيين، ولا نتحدث عن تاريخها الدموى بصفة عامة، لأن كل ذلك يجد ارتياحاً أمريكياً غربياً فى معظم الأحوال، ولا يدخل فى تصنيفاتهم تجاهها، نتيجة أيضاً التقاعس العربى فى هذا الشأن.

تعالى أيضاً يا سيد نيوتن نبحث فى قصة رمانة الميزان، والنفوذ، والكلام القديم المستهلك هذا، أستطيع أن أؤكد لك بكل ثقة أن نفوذ إسرائيل لدى عواصم المنطقة أصبح أقوى من النفوذ المصرى، وما يعنينا هنا هو دول الجوار، أو حتى دول الأزمة، إلا أننا إذا اتجهنا بالمقارنة مثلاً نحو دول المغرب العربى لنطرح السؤال: ما هى الدولة التى يمكن أن تقع تحت تأثير النفوذ المصرى الآن، لا أحد. أيضاً فيما يتعلق بالقارة الأفريقية عموماً، ما هى الدولة الأقوى فى علاقتها مع مصر عنها مع إسرائيل، أيضاً لا أحد، حتى دول الخليج العربية ثبت أن معوناتهم تهدف إلى جرنا خلفهم فى معارك لا ناقة لنا بها ولا جمل. أما فى الدول المأزومة، كالعراق وسوريا ولبنان وغيرها، فالأيام تثبت يوماً بعد يوم تغلغل النفوذ الإسرائيلى هناك أكثر من أى دولة عربية أخرى، حتى فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لم يعد الوسيط المصرى مصدر ثقة!.

ما كنا نتغنى به فى السابق أصبح من الماضى ياسيد نيوتن، الدور المصرى فى المنطقة تراجع عن طيب خاطر أحياناً، وقسراً أحياناً أخرى، إلى الحد الذى يصعب معه العودة. الدور المصرى آثر الخضوع والخنوع، فى مقابل معونات وقروض واعتراف بشرعية الأمر الواقع، الدور المصرى لم يعد يتعلق بحسابات استراتيجية، أو بحسابات الأمن القومى، أو حتى بحسابات المكسب والخسارة، على العكس، أصبح فى معظم الأحوال ينطلق من حسابات شخصية، وعلاقات خاصة، «ومن خرج من داره، إتقل مقداره».

يكفى أن مصر رسمياً لم تعد تطالب بما يطالب به نيوتن، بل لم تعد تطالب بشىء أساساً، ربما اعترافاً منها بأن لديها شيئاً ما خطأ، شاهدنا زياراتنا الخارجية على الهواء مباشرة، شاهدنا التراجع، أحاديثهم المباشرة معنا، من ألمانيا، إلى فرنسا، إلى إيطاليا أصبحت مختلفة، السؤال دائماً وأبداً عن الديمقراطية، عن حقوق الإنسان، عن بديهيات يبدو أصبحت من الماضى بالنسبة لنا، الاحتجاجات التى تستقبلنا بالخارج فى معظمها للأسف مصرية، ما بين مهاجرين ولاجئين وهاربين ومنفيين وناقمين وخائفين، جميعهم فى النهاية يهتفون سلباً ضد سياسة وطنهم، يرسمون صورة رمادية طوال الوقت عن مصر، لم نسع أبداً إلى إعادة استيعابهم، بل لم نحاول، الأسباب فى ذلك معلومة، أهمها أن المقاومة شديدة من المستفيدين بالداخل.

أيضاً سوف نختلف مع السيد نيوتن فى أننا لسنا أبداً فى حاجة إلى سلاح بهذا الحجم الذى حصلت عليه إسرائيل، خاصة أننا أصبحنا نتحدث عن سلام دافئ معها، وهى العدو الأوحد لنا فى المنطقة، هى العدو التاريخى، وإلا فمن سنحارب بذلك السلاح؟ نحن فى حاجة إلى استثمارات بقدر هذا المبلغ، فى حاجة إلى مصانع منتجة، تشغيل أيدٍ عاملة، استصلاح أراضٍ، مشروعات كثيفة العمالة، مشروعات كبرى قومية حقيقية، مساعدات عينية ومالية، فى حاجة إلى استشارات، إلى خبراء، قد نكون فى مرحلة سابقة سلكنا هذا النهج، وهو شراء السلاح، لأسباب تتعلق بالشرعية والاعتراف بما جرى، الآن يجب تغيير طريقة التفكير لصالح الوطن والمواطن على السواء، بعيداً عن المصالح الشخصية.

لن نستطيع أبداً أيها السادة الحصول على مكاسب خارجية دون بناء جبهة داخلية متماسكة وقوية، لن نستطيع إقناع الآخرين باحترامنا، إذا لم يكن هذا الاحترام مستمداً من الداخل، لن نستطيع أن نكون فاعلين فى محيطنا الإقليمى والدولى، إلا إذا كانت هناك إرادة الاعتماد على الذات، دون الحاجة إلى مساعدات من هنا وهبات من هناك، حين ذلك فقط سوف تسعى الولايات المتحدة وغيرها إلى التعاون، من خلال ندية العلاقات، وليس بالعطف والإحسان، حين ذلك فقط لن نستجدى هؤلاء من أجل السلاح، ولا هؤلاء من أجل المال، ولا حتى النفط، والغاز، والقمح، إلى غير ذلك من قائمة طويلة، بخلاف صناديق النكد الدولية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل