المحتوى الرئيسى

أمريكا ..ما زالت طليعة الانحطاط !

09/16 16:54

اقرأ أيضا: جريمة جروزني ..تأصيل شرعي أم لعبة سياسية ؟! الجريمة المذهبية المتكاملة في ( جروزني ) ! عادل النادي رمز الإذاعة ..أناشدك ألا تفعل ! خالد منتصر .. عندما تتجمل المخالب بالمانيكير خالد منتصر الطبيب ..و الإصرار على عباءة المفكر ؟ !

كان المفكر الفرنسي الكبير الراحل ( روجيه جارودي ) ( 1913 _ 2012 ) , أول من صك هذا التعبير , تجسيدا ً لحقيقة الدور الأمريكي في العالم المعاصر , فهي _ بحق _ ( طليعة الانحطاط ) , توجها ً و رؤية و صياغة للمنظومة الدولية ! تجيد كل فنون ( العمولة و السمسرة ) سياسيا ً  بلا أدنى خجل ( و لو معنوي أو ديكوري ! ) ,و تتربح من تدمير البنية التحتية للأوطان الكبيرة بانتهازية ( براجماتية ) لا حد لقذارتها , و ( تطرمخ ) على الجرائم القمعية الضخمة _ وقت اللزوم _ كأنها لا تسمع و لا ترى مادام القامعون جزءا ً عضويا ً من فرقتها العازفة , يطبلون بالأمر و يواصلون العزف بإشارة الإصبع ! و يمكن أن تفتعل ( واشنطن ) سببا ً ملفقا ً لاستباحة أحشاء الدول فتندفع بكرة نيرانية هائلة تشوي كل من في طريقها , حين يكون العزف نشازا ً  من بعض الأطراف بما يستوجب التأديب , أو بعيدا ً عن الخيمة الوصائية ( للفتوة / المايسترو)  صاحب نوتة العزف المعتمدة التي يعد من المحاذير الخروج عنها , و النموذج الواضح هنا قصف مصنع الأدوية في السودان الشقيق , بدعاوى و ذرائع ملفقة تماما ً و كان المصنع المذكور يغذي دولة السودان بنصف احتياجاتها من الأدوية , و لكن السيد الأمريكي رأى في كبسولات و أقراص العلاج المتواضعة , التي ينتجها مصنع الخرطوم مقدمة لإرهاب ( محتمل ) ! و صدر الفرمان و خرجت المقذوفات النارية لتدمر البنايات بلا رحمة ! و قد رأى المفكر الكبير ( نعوم تشومسكي ) أن ( الأرهاب الأمريكي ) هو الأخطر _ عالميا ً _ من أي إرهاب لدول أخرى أو تنظيمات , مهما تكن قوتها و بما في ذلك ( تنظيم القاعدة ) أو ( داعش )  , و مضى ( تشومسكي ) في كتابه : ( 11_ 9 ) يقول : ( ..إن أكبر إرهاب هو الإرهاب ( الأمريكي ) الذي تجلى في ( نيكاراجوا ) عام 1980 , و سقط نتيجة له الآلاف , و في السودان حيث جرى قصف مصنع للدواء يغذي نصف حاجيات السودان من الأدوية و حيث جرى حصار العراق و مات مليون طفل نتيجة الحصار ! ..) هيأت ( واشنطن ) المسرح المحلي و العالمي , باحترافية عالية , بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر , لتصدير مفهوم ( الاستباحة ) إلى كل شيء و جعل الجميع _ بلا استثناء _ في مرمى نيرانها المميتة الرهيبة , و تم إذابة كل السقوف الأخلاقية / الشكلية و إزاحتها من طريقها تماما ً لتتلاعب واشنطن _ وحدها _ بمفهوم غائم لكلمة ( الإرهاب ) تسقطه على خصومها متى شاءت حتى و إن لم يرتكبوا شيئا ً , و تنزعه عن أصدقائها المفضلين فتمنحهم التبريكات السامية , حتى و إن سملوا الأعين أو نزعوا القلوب من أحشاء أصحابها نزعا ً أو حتى سووا مدنا ً بالأرض ,  ما دام الكتالوج الأمريكي الاستراتيجي يحظى بالاحترام !  

 و لا يرى ( جارودي ) , عجبا ً في ذلك , فقد اختارت واشنطن الانحطاط طريقا ً منذ بداية كيانها فوق الأطلس , و فضلت الطرق ( المنحطة ) وسيلة ( تكتيكية )  للوصول إلى الهدف بأسرع وقت و بأكثر الوسائل نجاعة و تأثيرا ً ! جهر ( جارودي ) بهذا الرأي في كتابه الشهير : ( الولايات المتحدة ..طليعة الانحطاط ) ( 1997) , و عاود تأكيده في كتابه : ( من أجل حوار بين الحضارات )( 1990) , حيث رأى أن أمريكا لعبت دور السافل الذي يظهر بعد تصارع الكيانات الكبيرة , ليحصد الأرباح و يجمع في حجره كل حصاد الفواتير الكبيرة التي دفعها الآخرون من دمهم و خزانتهم و بنيتهم التحتية , و لا عجب _ مرة ثانية _ في ذلك فصرخة الجنين الأمريكي الأولى , ولدت من مجزرتين هائلتين : ( مذبحة الهنود ) و ( نقل العبيد ) لأمريكا , فضلا ً عن نزيف أوروبي كبير واكب الحربين العالميتين ! هكذا أفصحت أمريكا عن قوتها الهائلة في أعقاب عام 1945 , فزأرت بقوة آلاف الضباع , و اكتسحت كل القيم بلا هوادة , و اختارت طريق التدخلات العسكرية الخشنة _ برا ً و بحرا ً و جوا ً _ و استباحة حدود غيرها و مدنهم و عاجهم و ذهبهم و نفطهم , و كأنها تتصرف في ضيعتها أو مزارعها الخاصة ! و لم تجد واشنطن عناء كبيرا ً  لتنفيذ مخططاتها في المنطقة العربية , التي لم تألف منذ عقود فكرة الحريات و التي ابتلعت طعم ( الاستقلال الشكلي ) بينما المنظومة المحلية في كل الأقطار العربية تقريبا ً , تتحرك آلياتها و كياناتها و كل حجر فيها بضغطة زر من الراعي الأمريكي الذي تغلغل بأصبعه في كل مرفق و مؤسسة ووزارة بدرجة من الإحاطة الدقيقة التي حددت نوع الملابس الداخلية لبعض الزعماء العرب  !  و من هنا قال ( جارودي ) صراحة في واحدة من التفاتاته المبدعة : ( ..السيطرة ( الأمريكية ) باقية , حتى بعد إعلان الاستقلالات ! ..) و لم تفهم النخب ( الحنجورية ) العربية . و قد تأكدت واشنطن أن حالة الخضوع العربي ( المازوخي ) أو المرضي الذي يتلذذ بالاستعباد و يخاصم الاستقلال الوطني منذ عقود  و يفر من الحريات المدنية بجزع , و هي حالة تنتظم عواصم القرار العربي الكبرى , حالة مستحكمة و ملازمة للكيانات العربية الفاعلة و مضت الأمور العربية الكبرى _ عبر عقود _ تتشكل بتليفون ( واشنطن ) السري السحري , الذي يرفع صغارا ً ليصيروا زعماء , و يخفض قادة وطنيين كبارا ً ليصيروا رعاعا ً مارقين , و قد تستدير واشنطن _ كما تفعل كثيرا ً _ لتبيع رجالها الأوفياء عند أول محطة , فتنزع عنهم أوسمة الزعامة و تلقيهم بلا ظهر أو مقدمات على قارعة الطريق ! 

 أعجب إلى غير حدود من أدبيات واشنطن  الرومانسية , التي يكثر فيها مصطلحا ( العنف ) و ( الإرهاب ) , و هي التي بدأت رحلة البلطجة العسكرية _ بلا شرعية أو بأقنعة شرعية مموهة أو بكذب صريح _ فزحفت إلى الدومنيكان عام 1916 لتجتاحها بحجج واهية و تحتلها ثماني سنوات ! و لم تجد بأسا ً في أن تقصف مدينة درسدن الألمانية ( الحليفة ! ) بطائراتها  عام 1945 لتخلف مائة و خمسين ألفا ً من القتلى الأبرياء ! كما لم تجد بأسا ً في أن تحول البشر و الحجر في هيروشيما و ناجازاكي بأوامر ( ترومان ) إلى ظواهر إشعاعية مذابة بتأثير القصف النووي الرهيب ! ثم تعاود قصف فيتنام بلا رحمة لتفرم ألوفا ً من المدنيين تحت تروس آلتها العسكرية الرهيبة ! و في كل مرة لا تجد واشنطن أية مشكلة في التبرير بعد أن صبغت المسرح الدولي بانتهازيتها ( المميزة ) أو ( طرمختها ) الفاجرة على الجرائم , كما حدث عندما قتلت ( روميرو ) رئيس أساقفة السلفادور عام 1980 و هو يرعى القداس  ثم مضت ترقص في الميديا بانتشاء و ضمير مستريح ! 

 و عندما كانت التضحيات البشرية و المادية , تثير غضبة الرأي العام الداخلي , كانت واشنطن تختار وسيلة جديدة للتركيع , وهي لعبة رعاية الانقلابات العسكرية الداخلية  _ المهندسة بمنتهى الدقة لتمكين رجالها الأوفياء  ! _ كما صنعت في انقلاب ( حسني الزعيم ) في دمشق عام 1949 و قد رعته بحنان بالغ المخابرات المركزية الأمريكية , أو في تدبير انقلاب ( سوهارتو ) في إندونيسيا عام 1968 و الذي رعته ( السي . آي . إيه ) للإطاحة بخصمها الألد ( سوكارنو ) حيث رعته واشنطن بذات الحنان الدافيء القادر على تمرير كل جرائم القمع و الاستباحة الدموية حيث تغطي على رجالها الأوفياء مهما كانت ألحانهم دموية, فالمهم هو عدم الخروج على النوتة الموسيقية التي أعدتها مسبقا ً  ! 

 و وصل الحنان الأمريكي السخي إلى العراق الشقيق عام 1991 , فدارت ماكينات المطابع في الصحف الأمريكية بدعوى امتلاك بغداد لأسلحة دمار شامل بعد أن كادت القوة العسكرية و الاقتصادية العراقية المتنامية تصل بواشنطن إلى حافة الجنون , و هجمت واشنطن بغل سادي و حقد موتور على بغداد , فدمرت في الدفعة الأولى من صواريخ ( كروز ) التي ألقتها على العراقيين 8437 دارا ً سكنية و 157 جسرا ً و سكة حديدية و 130 محطة كهرباء و 249 دارا ً لرياض الأطفال و مائة مستشفى و 1708 مدرسة ابتدائية ..كل ذلك في الدفعة الأولى فقط من القصف الصاروخي  لتحويل البنية التحتية إلى أطلال مثيرة للبكاء الدامع و العبر المهمة لمن يفكر مستقبلا ً في تحدي المشيئة الأمريكية  ! 

 و صممت واشنطن لمصر كتالوجا ً خاصا ً بدءا ً من عام 1974 , في إطار خطة تفكيكية طويلة المدى معدة للقاهرة  , لنزع أجزائها لآخر مسمار و صامولة , فأبقت سيناء رهينة خالية من العمران و التنمية في إطار الملاحق الأمنية لاتفاقات ( كامب ديفيد ), بحيث يمكن إعادة احتلالها خلال أيام متى رغبت الحليفتان واشنطن و تل أبيب فلم تسمح واشنطن لمصر إلا بقوة عسكرية جادة في المنطقة ( أ ) فيما بقيت المنطقتان ( ب ) و ( ج ) بقوة تسليحية شديدة الضعف  ! و مضت في خطة شيطانية لخصخصة مرافق القطاع العام و شركاته , بعد أن كان يشكل قاعدة اقتصادية صلبة للاقتصاد المصري الوطني في أوقات السلم و الحرب معا ً , و مضى ( مبارك ) _ و من قبله ( السادات ) _ يفكك و يبيع بلا هوادة أو تبصر ! و مضت واشنطن في التحكم الدقيق في مكونات الحياة السياسية في مصر , حزبا ً حزبا ً ! قبل أن تمضي في صناعة طبقة رأسمال متأمركة _ على عينها _ تضمن خنق السوق و الضغط على رئته و مسامه و إدخال الشتلات الزراعية الإسرائيلية  إلى  مصر أو تصدير الأسمنت المصري لبناء الجدار العازل في إسرائيل متى لزم الأمر  ! و يتزامن مع ذلك إضعاف الروح العربي و الإسلامي تدريجيا ً في أي مشروع وطني مصري لضمان عزلة القاهرة عن جاراتها العربيات بشكل نهائي ! 

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل