المحتوى الرئيسى

أحمد دبور يكتب: مبادرة واشنطن.. مصر للجميع! | ساسة بوست

09/15 14:02

منذ 32 دقيقة، 15 سبتمبر,2016

في بداية سبتمبر 2016، عُقدت ورشة عمل في العاصمة الأمريكية واشنطن، حضرها ممثلو الكثير من القوى التي تصف نفسها بالثورية، بهدف ما قالوا إنه لم شمل الجميع في مواجهة حكم العسكر في مصر، وكسر الانقلاب، والاتفاق على مبادئ توحد جميع القوى بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم، وكان من بين الحضور رئيس مركز الحوار المصري الأمريكي عبد الموجود الدرديري عن الإخوان المسلمين، ومنسقة 6 أبريل سوسن غريب، والناشطة سوسن جاد، وشارك عالم الفضاء عصام حجي بمداخلة، كما كان حاضرًا فريق عمل يُطلق على نفسه اسم «الدستور الموازي».

فيما نشر موقع عربي 21 القريب من الإخوان المسلمين ما أسفر عنه هذا اللقاء، والذي جاء في صورة توصيات عشر، حملت الوصايا شعار «مبادرة مصر.. وطن للجميع»، ومن ضمن ما جاء فيها: «آلية ديمقراطية تضمن الحماية من ديكتاتورية الأغلبية أو الأقلية- الشرعية من الشعب وللشعب وحده- حرية ممارسة الاعتقاد دون أية قيود- الحقوق والحريات على قاعدة الإعلانات والمواثيق العالمية لحقوق الإنسان- الدولة لا هوية ولا مرجعية لها إلا مدنيتها- لا يتدخل الدين في الدولة ولا تتدخل الدولة في الدين»، وجاء في عربي 21 أن تلك التوصيات التي صدرت عن ورشة «واشنطن»، ستتم دراستها مع توصيات ورش أخرى في تركيا وقطر وأوروبا؛ من أجل صياغة ورقة عمل سيتم الإعلان عنها رسميًّا خلال الأيام القليلة المقبلة.

كان أول من نشر هذه المبادئ فريق عمل الدستور الموازي عبر صفتحهم على موقع فيس بوك حتى قبل عربي 21، وقال الفريق إن قرارهم بالمشاركة في هذه الورشة تم «برغم عزوف بعض القوى التي لها وزنها السياسي والاجتماعي والثقافي كأقباط مصر، أو أطراف علمانية، أو البهائيين والشيعة، على سبيل المثال لا الحصر»، وقالوا إن هذا بسبب أن هذه القوى «ترى استحالة التعامل مع الإسلاميين على خلفية أحداث ما بعد انتخاب محمد مرسي»، وبدا من كلامهم أنهم جاؤوا على أنفسهم مُجبرين للجلوس مع أطرافٍ كانت في هذا الاجتماع محل امتحان واختبار؛ حيث قالوا: «لا نريد إصدار الأحكام النهائية بأن قوة أو قوى ما -كما هو معلوم لدى الجميع- ما زالت لا تريد الاعتراف بأن مصر دولة مدنية، يجب فيها فصل الدين عن الدولة بشكل صريح، ودون تحايل»، فهل نجح الإسلاميون «الحاضرون» في اختبار واشنطن؟

يبدو أنهم نجحوا، فقد تضمن نص الخبر عن مبادرة واشنطن على الموقع المقرب من الإخوان المسلمين عبارة: «سيتم الإعلان عن تلك التوصيات رسميًّا خلال الأيام المقبلة»، فها هي توصيات تُعلن في سفور وبجاحة بالغة علمانية الدولة، وتنمّرها وانقلابها على الهوية الإسلامية، والتزامها الكامل بإعلانات ومواثيق حقوق الإنسان التي تُخالف الإسلام في جزءٍ منها، ولكنهم لأنهم يخشون الشعب ويخافون منه فلم يتفوهوا بكلمة علمانية، ولا بكلمة إسلام، وكأنهم لا يُريدون فصل الإسلام عن السياسة والاقتصاد والاجتماع، بل كل ما يُريدونه هو فصل الدين عن الدولة!

ودعوني أسجل احترامي لوضوح مسعى فريق عمل الدستور الموازي، والذين قالوا بوضوح: «كان شرطنا الوحيد هو أننا لن نكمل في أية تحركات أو مساع دون الاتفاق على شكل الدولة كما نؤمن بها، جمهورية مدنية ديمقراطية حديثة لا تتدخل الدولة فيها في الدين، ولا يتدخل الدين في الدولة، ولا مؤسسات دينية تابعة لها، ولا حكم عسكري فيها»، فها قد وضعوا العلمانية كشرط واضح ومُعلن ومبدأ فوق دستوري لأي اصطفاف أو تعاون، أي أنهم لن يتعاونوا في أي تحركات ثورية أو مساعٍ سياسية تأتي بالإرادة الشعبية، ومن ثم انتخابات علنية وبالتالي حكومة إسلامية إلا بشرط بسيط للغاية «علمانية الدولة»، بل إنهم يستحقون منا أن نصفق لهم حقًّا، فلتصفقوا لهم -تصفيق حاد- فلقد تجرعوا المُر حتى قالوا: «برغم حالة الاحتقان تجاه الأحزاب الإسلامية، وتحديدًا حزب الحرية والعدالة كحزب حاكم في فترة أوصلتنا لما نحن فيه الآن، إلا أننا قلنا إننا سنعطي الأمر فرصة أخيرة -على مضض- ليس من أجل الحزب، وإنما من أجل شبابه الملقى داخل السجون»، أليس هذا كرمًا بالغًا يا سادة يا كرام؟!

وهل من هم في السجون ملقون من أجل العلمانية واللاهوية واللاإسلامية؟ فإن كنا نريد لأماجد الناس ومهج القلوب من المعتقلين المأسورين بكافة انتماءاتهم وخلفياتهم أن يخرجوا، إلا أنه لا يُمكن أن يكون الثمن بيع العقائد والتنمّر لإرادة الشعب وهوية الأمة، ولكن ها للأسف قد نجح في امتحان مبادرة واشنطن الإسلاميون الذين حضروا، فلقد كان التحذير شديدًا والوعيد رهيبًا «قمت اتخضيت بقى»؛ فقد قال فريق عمل الدستور الموازي في حق الأحزاب الإسلامية التي حازت إرادة أغلبية الشعب المصري: «وذلك من ناحيتنا على الأقل قبل أن نتخذ قرارًا نهائيًّا يتفق مع الأصوات العديدة التي تقول باستحالة قبول عودتهم للسياسة مرة أخرى على أساس ديني»، وهنا كانت المفاجأة!

ما تم هو هذه الورشة أو ذاك اللقاء بواشنطن في مطلع سبتمبر، أسفر عن مبادئ العلمانية التي أتت في التوصيات، ثم تراجع ممثل الإخوان عن القبول بها، فأعلن فريق الدستور الموازي انسحابه من هذه الورشة وما يُسفر عنها، مُضمنًا بيان الانسحاب على صفحته بموقع فيس بوك يوم 8 سبتمبر التوصيات والتهديدات أو قل النصائح، بعدها بأيام وفي يوم 13 سبتمبر نشر موقع عربي 21 موافقة ممثل الإخوان عليها مُجددًا، بصيغتها الأولية التي تقول بعلمانية الدولة، وقد أبان فريق الدستور الموازي في بيان انسحابه: «قد نتفهم صعوبة مهمة ممثل حزب الحرية والعدالة في أن يحذو حذو حزب النهضة التونسي، ويقوم بتحمل مسئولية إقناع أفراد حزبه بمبدأ أن تكون مصر دولة علمانية يتم فصل الدين فيها عن الدولة، لكن في جميع الأحوال هذا لا يعني أن يكون البديل أن نخسر جميعًا مصر من أجل بعض الأفراد»، وها قد نجح بعض الأفراد في الاختبار، وقبلوا بالعلمانية في النهاية خيارًا، عبر مبادرة واشنطن!

هل استشعرت كم البؤس في اللحظة التي نعيشها؟ هل ترى معي حجم الإفلاس الذي أجبر ممثلًا عن أكبر جماعة إسلامية في العالم أن يتنازل وبشكل مُعلن، ويعلنونها معًا: «نريد مصر الثورة علمانية حتى ولو أرادها الشعب شيئًا آخر»، ثم سيحدثونك عن الشرعية، والشريعة أيضًا! فجماعة ملء السمع والبصر وقيادات شعبية وعمل جبّار طوال عقود، كل هذا يقف صاغرًا ويكاد يركن شيئًا كثيرًا لمجموعة مغمورة ذات علمانية مرفوضة من الأغلبية الكاسحة في الشعب المصري، فيا للعجب!! أم إنها واشنطن؟!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل