المحتوى الرئيسى

«إرث السيسي» | المصري اليوم

09/15 00:26

يحمل الرئيس عبدالفتاح السيسي، إرثاً ثقيلاً تنوء عن حمله الجبال، فهو لا يحمل أعباء 60 عاماً فقط من التحديات كما يتصور البعض، بل أن الأمر أبعد من ذلك بكثير، فقد ظلت مصر مئات السنين قبل ثورة يوليو 1952 ترزخ تحت وطأة الظلم والقهر والجهل وحرمان الشعب من ثمار مجهوداته، واستيلاء الحكام وزمرة من حاشيتهم على خير بلادنا التي كانت تئن من الجوع والفقروالمرض، ولذا لم يكن غريباً قبل أن يقبل الرئيس تكليف الشعب له بخوض انتحابات الرئاسة قبل عامين أن يواجهه بحقيقة التجريف الذي حدث للدولة المصريةفي المجالات كافة خصوصاً الاقتصادية منها خلال سنوات غياب العدالة وتفشى الفساد، وصراحة الرئيس دفعت بعض الصائدين في الماء العكر إلى محاولة النيل منه مستغلين المشكلات الاقتصادية التي يعاني منها بعض البسطاء ومتوسطي الدخل وفي مقدمتها ارتفاع أسعار بعض السلع، وهذا تصرف إعتدنا عليه من جانبهم فهذه بضاعتهم الفاسدة التي يعيشون من عوائد ترويجها عبر وسائل الإعلام، فليس خافياً على أحد أن العالم كله يعاني من مثل هذه الأزمات ومصر ليست جزيرة منعزلة تعيش منفردة بعيداً عن هذه الصعوبات، فقد أعلن صندوق النقد الدولي أخيراًأنه لاحظ انحداراً مضطرداًللاقتصاد الصيني خلال السنوات الخمس الماضية وتناقصت نسبة النمو من 10.6% عام 2010 إلى 6.8% في 2015، ثم إلى 6.3% عام 2016، وهذا التباطؤ دفع الكثير من المحللين الغربيين في العالم إلى القول إن الاقتصاد الصيني ينزلق إلى هاوية، فإذا كان هذا شأن دولة تمثل عنواناً للنمو في العالم، فلماذا نقسو على رئيسنا وإصدار أحكام مسبقة على الحكومة بأنها لم تنجح في تحقيق برنامج اقتصادي إصلاحي.

الأمرالمثير للشفقة أن هؤلاء البائسين الذين يهاجمون الرئيس في الصحف والقنوات الفضائية الخاصة ومواقع التواصل الاجتماعي، وصل بهم الأمر إلى الزعم بأن الرئيس قائد عسكري فقط نجح أمنياً في دحر الإرهاب، لكن الملف الاقتصادي لم يحدث فيه إنجازات، و«السيسي» الذي يفخر ويعتز بوصفه «رجل مقاتل» منذ أن وصل إلى سدة الحكم، يستعين بأمهر الخبراء الاقتصاديين لإيجاد حلول للمشكلات الاقتصادية الملتبسة منذ مئات وليس عشرات السنين كما قلت، لكن أظن أنه لا يلقى الدعم الكافي لإنهاء المشكلات العالقة، خصوصاً أزمة الدعم التي تلتهم موازنة الدولة سنوياً وفي النهاية تذهب هذه الأموال إلى جيوب الأثرياء ولايصل أهالينا البسطاء إلا الفتات، فعلى سبيل المثال تدفع الدولة عشرات المليارات لدعم الطاقة خصوصاً البنزين وتذهب هذه الأموال لأصحاب السيارات غالية الثمن وعندما أصدرت الحكومة كروت البنزين لبدء تفعليها لم تجد من يعاونها في بدء العمل بها منذ ما يزيد على عام، والسؤال الاّن لماذا يحصل الأغنياء على دعم؟ أليس من الأفضل توجيه هذه المبالغ لتطوير التعليم والصحة؟ أم أن مافيا المستفدين من «بقاء الوضع على ما هو عليه» ستظل تخيف الحكومة التي لا تجد إعلاماً يساندها لبدء تفعيل منظومة الكروت الذكية للبنزين؟ والأمر نفسه ينطبق على تذكرة المترو التي لم يزيد ثمنها منذ 12 عاماً وأذكر أن سعرها كان 125 قرشاً قبل أن يتم تحديده بجنيه واحد من أجل «الفكة»، والغريب أن هذا الجهاز الحيوي الذي يعتبر بمثابة شرايين القاهرة يحتضر، ومنذ أيام تعطل الخط الأول «حلوان ـ المرج» لمدة ساعة واحدة وكادت العاصمة أن تتحول إلى مدينة مغلقة.

الغريب أنه كلما همت الحكومة لتحريك سعر تذكرة المترو يسارع الإعلام إلى التحذير وتحفيز المواطنين ضد الدولة، من أجل بقاء سعر التذكرة ثابتاً، وكلنا نعلم أن المسافة من حلوان إلى المرج بالمواصلات العادية أتوبيسات أو ميكروباصات تتكلف 10 جنيهات على الأقل، والنتيجة أن خدمة المترو تزداد تراجعاً وقد ننزل من بيوتنا في صباح أي يوم لنكتشف أن المترو بات أثراً من الماضي لأنه مع مرور الوقت سيندثر في حال لم يتم تطويره، والأمر نفسه ينطبق على هيئة السكة الحديد التي تخسر مليارات كل عام، إذ كشف التقرير النهائي لختام الموازنة العامة لهيئة القومية لسكك حديد مصر لعام 2014 ـ 2015، أن صافي خسائر الهيئة بلغ 5 مليارات جنيه، وأضاف التقرير أن مصروفات الهيئة بلغت 7 مليارات جنيه، وأن الإيرادات بلغت 2.111 مليار جنيه، نتيجة ارتفاع السولار وزيادة الأجور، وبلغت خسائر الهيئة في آخر 4 سنوات 12 مليار جنيه، لأن المصروفات 20 ملياراً خلال تلك الفترة، مقارنة بنحو 8 مليارات جنيه إيرادات فقط، ولذا لم يعد غريباً أن تستمر حوادث القطارات يومياً وصرنا نتقبل مصرع الأبرياء من أحبائنا على خطوط السكة الحديد كل صباح دون أن ننبس ببنت شفة، وكأن الأمر لا يعنينا أو حدث في دولة أخرى، ولا تخرج من فمنا كلمة «الله يرحمهم»، بينما يوجه الاعلام الانتقادات للحكومة ووزير النقل المغلوب على أمره وقيادات السكة الحديد وينتهي الأمر في غالبية الحوادث بالقبض على عامل التحويلة أو السائق وإحالته للمحاكمة وننسى لننظر حادثاً جديداً، ولا يخفى على أحد أننا جميعاً نعلم كيف نتخلص من هذه الماّسي اليومية على خطوط السكة الحدية، وذلك عن طريق تطويرها وذلك لن يتم إلا برفع أسعار التذاكر، ولو كانت هذه الهيئة في أي دولة في العالم لما تأخرت الحكومة لحظة واحدة في إغلاقها طالما لا تدر ربحاً وتتسبب في هذه الحوادث.

وأقص عليكم مأساة قطار العياط رقم‏832‏ التي حدثت في عام 2002 وقد كنت شاهداً عليها، ومحققاً صحفياً لها، إذ كان القطار متوجهاً من القاهرة إلى أسوان، واندلعت النيران في إحدي عرباته في الساعة الثانية صباحاً يوم 20 فبراير،‏ عقب مغادرته مدينة العياط وبالتحديد عند قرية ميت القائد، ثم اندلع الحريق بالقطار كله وامتد بسرعة إلى باقي العربات، التي كانت مكدسة بالركاب المسافرين لقضاء عطلة عيد الأضحىفي قراهم ومدنهم في الصعيد، وكسر بعض الركاب النوافذ الزجاجية‏،‏ وألقوا بأنفسهم خارج القطار‏، ما تسبب في مصرعهم غرقاً بترعة الإبراهيمية المجاورة لخط السكة الحديد‏، وقال الدكتور عاطف عبيدرئيس مجلس الوزراء حينذاك،في مستشفي العياطالمركزي للصحفيينأثناء الاطمئنان على المصابين، إن الحريق بسبب انفجارموقد بوتاجاز في بوفيه إحدي العربات بالقطار‏، وامتدت النيران إلى باقي العربات‏، وكان هذه الحادث الأبشع في تاريخ السكة الحديد، طوال عمرها الذي يزيد على 150 عاماً، وكان كفيلاً بالإطاحة بوزير النقل في ذلك الوقت الدكتور إبراهيم الدميري، إذ شاهدت 365 شخصاً متفحمين على الكراسي، وبجوار الشبابيك والأبواب وفوق بعضها أثناء محاولتهم الفرار من الموت لكن أحرقتهم النيرانوتحولت الجثث بهيئتها وقوفاً أو جلوساً إلى كتل من الفحم، الأيادي والأجساد «الرمادية» ا متشبثة بالأمل في الحياة ومحاولات النجاة ترسم صورة لأبناء وطننا الذين أصبحوا وقوداً لنيران لا ترحم، وبعدها ألقت أجهزة الأمن القبض على 11 من مسؤولي السكة الحديد وأحيلوا للمحكمة بتهمة الإهمال التي قضت في النهاية ببرائتهم جميعاً، بعد أن تبين عدم مسؤوليتهم عن الحادث فمنظومة السكة الحديد تحتاج إلى تطوير شامل والحوادث ليس المسؤول عنها موظف أو مائه، فالأهم أن تضخ فيها الأموال اللازمة لإعادتها إلى الحياة.

دعونا لا نلقى اللوم كله على الحكومة، فعلى الرغم من مسؤوليتها جزئياً عما حدث، إلا أنها يجب ان لا تتحمل المسئولية كاملة، فهيئة السكة الحديد تحتاج إلى تحديث، في وقت تعاني فيه الدولة من اقتصاد تسلمه الرئيس «السيسي» منهاراً وهو الاّن يبذل ما في وسعه لإعادته إلى الحياة، لكن السكة الحديد تحتاج إلى مبالغ مالية ضخمة لتحويلها إلى قطاع مربح يصون أهالينا من الموت الذي ينتظرهم عند كل مزلقان، وهنا تأتي قيمة الإعلام الذي يتوقف دوره عند وقوع مثل هذه الحوادث على لطم الخدود وشق الجيوب فضلاً عن توزيع الاتهامات، والمطلوب أن يكون أكثر فاعلية ودعماً للحكومة ورئيس الدولة، فالمشكلة شخصها الخبراء منذ سنوات والحلول معروفة ولابد أن ندعم جميعاً مرافق الدولة مالياً بما يمكنها من تقديم خدمات تليق بالمواطن المصري وتحافظ على حياته،وقد شعرت بالتفاؤل عندما سمعت أحد أعضاء البرلمان يتحدث عن واقعة انقلاب 3 عربات من قطار ركاب العياط بالجيزة قبل أيام، والذي تسبب في مصرع 5 أشخاص وسقوط العديد من المصابينوتوقف حركة القطارات بين القاهرة والوجه القبلي، إذ أكدأن مجلس النواب وضع السكك الحديدية والنقل النهري ضمن أولوياته، موضحاً أنه تم تشكيل لجان متخصصة لتقف على أسباب حوادث القطارات المتكررة بمنطقة العياط، وأن وزير النقل الدكتور جلال سعيد، لديه خطة لإصلاح وتطوير السكك الحديدية ويجب تفعيل العقوبات لردع التجاوزات، مؤكداً أن «تذاكر القطارات مدعمة بشكل كبير، وهو ما يسبب خسارة لهيئة السكة الحديد».

Comments

عاجل