المحتوى الرئيسى

مصر ليست «مسجد المشير» | المصري اليوم

09/14 23:38

الشعب في الحدائق والدولة في «مسجد المشير».. تصدر هذا العنوان صحيفة «المصرى اليوم» في ثانى أيام العيد، الخبر بروتوكولى عادى لكننى قرأته كإشارة لانفصال الدولة عن الشعب، فالرئيس يجلس في مسجد المشير طنطاوى، يحيط به قادة القوات المسلحة، وكبار المسؤولين في الحكومة، والمسجد كما يظهر في الصور شديد الفخامة والاتساع تضيئه الثريات الكهربائية التي تتحدى دعوات التقشف، بالعند في حملة «ما تنساش تطفى جهاز وحافظ على الإنجاز»، وأعتقد أن المشهد- كما رأيناه- يعبر عن صورة بلد مرتاح لا يعانى الفقر وشظف العيش والأزمات من كل نوع.

برؤية قانونية ودستورية، يمكن قراءة المشهد السابق بأنه يعبر عن وجود «تمييز» بالمخالفة لكل مبادئ الدساتير في العالم، بل بالمخالفة للحس الإنسانى والسياسى السليم، فقد أصبح التمييز سبة في جبين مصر، وللأسف فإن كل الشعارات التي رفعناها والدساتير التي كتبناها- لم تستطع أن تشفينا من تفشى التمييز كالنار في هشيم مجتمع الأشلاء، فكل فئة تريد أن تحصل لنفسها على مميزات أكبر من غيرها، دون استشعار للحرج، ولا الإحساس بظلم شركاء في الوطن لهم نفس الحقوق.

في السنتين الأخيرتين، زادت رواتب ومكافآت ثلاث مهن بصف استثنائية: القوات المسلحة، والداخلية، والقضاء، وقد حدث هذا في ظل أزمة اقتصادية تضرب كل فئات الشعب باستثناء الأثرياء طبعاً، خاصة أن زيادة الرواتب لم تقابلها زيادة في الناتج القومى ونسب النمو الاقتصادى، ولم تكن مكافأة مثلاً لنجاح خطة تنمية مبهرة، لكنها كانت اقتطاعاً من اللحم الحى للوطن ولفقراء الشعب، وبالتالى استشعر المواطن (دافع الضرائب المتعددة) أنه خارج اهتمام الدولة، كما استشعر المواطن الذي تحمل عبء ثورتين طامحاً لبناء دولة قانون، أن القانون «فيه زينب وفيه عبدالحميد أيضاً»، فعلى الرغم من كل ما أثير من لغط وانتقادات حول تورط محافظ القاهرة الجديد، الذي ينتمى إلى المؤسسة العسكرية، في قضايا فساد واستيلاء على مال عام دون وجه حق، لا يزال الرجل يمارس عمله الجديد، دون أن تقدم الحكومة تفسيراً للشعب عن هذا الأمر، وهل اللواء المهندس عاطف عبدالحميد برىء من هذه الاتهامات التي طالته أم لا؟ إذ لا يكفى نفى مركز دعم واتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء ما أثير من اتهامات تمس الذمة المالية لمسؤول كبير، والنتيجة أن تترك الحكومة الشعب في حيرة من أمره، فيزداد الإحساس بأن رجال المؤسسة العسكرية فوق المساءلة حتى بعد خروجهم إلى المعاش.

أتذكر الآن دولة المماليك التي حكمت مصر والشام لحوالى قرنين ونصف من الزمان، وأتأسف أن الكثير من تقاليد هذه الدولة لا تزال مستمرة، وأهمها هذا التمييز المرفوض بين أبناء وفئات الشعب الواحد، فقد كان المماليك يتمتعون بالإقطاعيات والعلوفات والرواتب السخية، ويسمح لهم السلطان بجباية الضرائب لحسابهم أحياناً استكمالاً لمستحقاتهم، كما يحدث من الكثير من أمناء وأفراد الشرطة الآن، وكان يشاركهم في المزايا القضاة ورجال الدين، وكان يطلق على أولاد المماليك غير المحاربين «أولاد الناس» وهؤلاء كان لهم الأولوية في الالتحاق بالوظائف الإدارية في الدولة والمنح والعطايا في المناسبات، ويبدو أن هذا التقليد لا يزال مستمراً بصرف النظر عن تغير الأسلوب وشكل الحكم نتيجة تغير الزمن.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل