المحتوى الرئيسى

جثة وبيجامة وأشياء أخرى (٤) | المصري اليوم

09/14 23:19

هكذا هتفت الفتاة الرقيقة الحازمة، وهى ترتمى فى أحضان أحمد الذى راح يربت على كتفها متجاهلا الأستاذ عزت تماما. شرع يتأمله فى فضول محاولا أن يخمن شخصيته ولم ينكر بينه وبين نفسه أنه يشعر ببعض الغيرة. كيف يحتضنها هذا الوغد أمامه؟ ألا يعرف أنه كان سيفكر فى الارتباط بها لو لم يكن متزوجا!

- حنعمل أيه دلوقت يا أحمد؟ دول نقلوه المشرحة!

- ولا يهمك أنا حاتصرف.

وانطلق أحمد. انطلق بكل ما تعنيه الكلمة من معان. فى ثوان معدودات كان الأمر منتهيا. بضع همسات مع موظف المشرحة، وأوراق نقدية دُست فى ثقة فى جيب قميصه، مع ابتسامات متبادلة ورجاء أن يحضر إليه فورا فى حالة أى ميت آخر. وجو عام من الثقة والحبور ساد فجأة. تحسس الأستاذ عزت شبشبه المقطوع بأصابع قدميه التى غطاها التراب اللزج. ولم يملك نفسه من أن يشعر نحوه بالحسد لأنه يرتدى بذلة وربطة عنق وحذاء لامعا. وأهم شىء على الإطلاق أنه لا يرتدى البيجامة.

- فين العربية يا باشا؟، تساءل الحانوتى وهو ينحنى لأحمد فى احترام زائد.

وتقدم بضعة رجال يحملون الجثة حيث كانت السيارة تقبع فى الظلام، يتبعهم أحمد محتضنا الفتاة التى كان سيتزوجها لو لم يكن متزوجا، ومن خلفهم عزت يجر الشبشب. وحين هم بصعود السيارة وجد رجلين يجلسان فى المقعد الخلفى على جانبى الجثة، والفتاة الباكية فى المقعد الأمامى، وأحمد يقود السيارة، باختصار لا مكان له.

من الأصل لم يلحظ مأزقه أحد. انطلقت السيارة بسرعة وأستاذ عزت يرمقها فى ذهول، ولم يفته أن يلقى نظرة وداع حنون على صاحب الجثة التى لا يعرف اسمها، والذى قضى معظم الطريق فى حجره.

الموقف الآن كما يلى: أستاذ عزت واقف بالبيجامة وشبشب مقطوع فى فناء المستشفى على بعد أميال من بيته ولا مال معه.

لا توجد أى سيارات أجرة على مرمى البصر. وغالبا ما سيرفض سائقو التاكسى الوقوف لرجل هذا هيئته. السبيل الوحيد أن يعود على أقدامه، مع العلم أنه لا يعرف الطريق. وربما يخذله الحظ فتلقى دوريات الأمن القبض عليه ويصبح مجبرا على أن يدلى بشخصيته. شىء واحد يطمئنه فى هذا المأزق! أنه لا يمكن أن يكون حقيقيا. نعم هو بكل تأكيد حلم. أو بالأحرى كابوس. لقد تتابعت الأحداث بسرعة فائقة. لا يستطيع أن يلوم نفسه أبدا. ولو عاد الزمن لتورط فيما تورط فيه الآن. لعن الله الشهامة وهستيريا البنات وشقيقته التى ينوى أن يقاطعها إلى الأبد. ولكن لماذا يفكر وكأنه مأزق حقيقى. إن شاء الله هو حلم وسوف يفيق منه بعد قليل، ولكن الأحوط حتى يستيقظ عليه أن يأخذ بكل الاحتمالات ويبدأ رحلة عودته.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل