المحتوى الرئيسى

عودة بشير: باسيل يُحْيي خطاب الفيدرالية

09/14 08:14

في الأساس، لم يخرج اللبنانيون من منازلهم تأييداً للعماد ميشال عون إلا لتعبهم من المحاور وخطوط التماس والكانتون البشيريّ الإلغائيّ الضيق الذي عاد إليه الوزير جبران باسيل، مناقضاً ترداد الجنرال أن البلد أصغر من أن يقسَّم وأكبر من أن يُبلَع

ينسى الوزير جبران باسيل بين وقت وآخر أنه رئيس حزب التيار الوطني الحر، ويعتقد أنه زعيم أحد محاور الحرب الأهلية أو رئيس حركة لبناننا التي أسسها النائب سامي الجميّل أيام مراهقته السياسية، ويعبّر عن «استصعابه العيش» مع «هذا النوع من التهميش»، مؤكداً أن «المظلومية تبيح كل شيء»، بحسب ما قال بعد اجتماع تكتل التغيير والإصلاح الأسبوع الماضي. وبعيداً عن دبلوماسية «الرئيس» وعدم تسميته الأشياء بأسمائها، ينشط عدة «باسيليين» في مواكبته افتراضياً بالتعبير عن وجوب إعادة النظر في الوطن أو تغييره إن كان «الإصلاح» مستحيلاً. وهو ما يتناغم مع قول أيتام اليمين اللبنانيّ الذي خسر جميع حروبه إن بشير الجميّل اختار أن يكون رئيس كل لبنان حين خُيِّر بين أن يكون رئيساً للكانتون المسيحي أو كل لبنان، فيما تنعكس الآية اليوم، فيقول البعض إن استحالة تعيين قائد جيش ماروني جديد لكل لبنان يجب أن تدفع إلى تعيين قائد خاص بجيش ماروني جديد (يكون كل عناصره من الضباط) واستحالة انتخاب العماد ميشال عون رئيساً لكل لبنان يجب أن تدفع إلى تعيينه رئيساً لجمهورية الرابية ومعراب.

وفي ظل انحصار التفاعل مع كلام باسيل بدائرة ضيقة من المحازبين، لا بدّ من توضيح بضع نقاط قبل تسمم رؤوس جديدة بالطرح القواتيّ ــ الإسرائيليّ الميت القديم:

في الحرب الأهلية كان ثمة خطوط تماس تمزق الخريطة اللبنانية وجرائم حرب ودبابات إسرائيلية وتهجير «طويل عريض» وتمويل دولي لأمراء الحرب وأمر واقع اقتصادي واجتماعي وتربوي وخدماتي، وكان التقسيم جزءاً من بعض الحلول المتداولة. أما اليوم، فلا دبابات ولا جرافات ولا اهتمام دولي من قريب أو بعيد بإعادة رسم الخريطة اللبنانية. اليوم ثمة دستور وقوانين، ولا يمكن بطبيعة الحال مَن يعجز عن توفير الأكثرية اللازمة لتغيير قانون الانتخابات أو تعيين قائد جديد للجيش أو محاسبة مدير عام أن يؤمن الأكثرية النيابية اللازمة لتعديل الدستور، سواء لتحديد ماهية «الميثاقية» في نص واضح أو قوننة الفيدرالية. تيار المستقبل مثلاً لا يوافق على إمرار أي قانون انتخابات يخسّره نائباً واحداً من كتلته النيابية التي تتوزع مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، فكيف يوافق على «تشليحه» نصف النواب؟ «المظلومية تبيح كل شيء». إلا أن من يرفضون إعطاء باسيل كرسياً صغيراً هنا أو هناك لن يعطوه نصف البلد أو أكثر لمجرد أن يلوّح لهم بإصبعه أو يتظاهر مع بضعة آلاف أو حتى مئات الآلاف.

مشروع الفيدرالية انتهى قبل اغتيال بشير الجميّل والتلويح بها مراهقة سياسية

ولعل باسيل لا يعلم إلا أن الآلاف استشهدوا من أجل وحدة هذا البلد ومنع تقسيمه وهم يواصلون التأكيد في الميادين السورية أن «إسقاط مشاريع التقسيم» أولوية. ولا شك بالتالي في أن الخيارات المتوافرة أمام باسيل قليلة جداً على هذا الصعيد، ولعل ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة إن كان يعتقد أن وضع المسيحيين اليوم عسكرياً واقتصادياً ودولياً أفضل مما كان عليه قبل أربعة عقود، وبوسعه شخصياً أن يحقق ما عجز بشير الجميّل عنه. أما من يواصلون التشدق بالتجربة الكردية، معتقدين أن بوسع الموارنة أن يكونوا أكراد لبنان، فلا يفقهون شيئاً، لا في الجغرافيا ولا في التاريخ ولا في طبيعة الشعب الكردي. فالمقارنة المتأنية تؤكد أن أحداً في العالم لا ينظر إلى الموارنة كشريك استراتيجي في مسألة ما، وآخر من فكر في الموارنة كـ»شريك» كان الإسرائيليين الذين لم يصدقوا كيف عادوا إلى كيانهم دون تنسيق حتى مع شركائهم المفترضين. أما «الحلف» الكردي – الأميركي فثابت ووثيق. ومقارنة بالأكراد لا يملك الموارنة موارد طبيعية يمكن أن تثير اهتمام أحد ما لم يكن تفاح كفرذبيان والعاقورة وتنورين يحتوي يورانيوم مخصباً؛ ولا موقعهم الجغرافي مميز حقاً، فيما الأكراد ينتشرون في منطقة تمثل واسطة عقد أربع دول كبرى في الإقليم: إيران والعراق وسوريا وتركيا. وفي مقابل «إجماع» نسبيّ بين المكونات السياسية الكردية على «القضية القومية»، يزداد مسيحيو لبنان تشتتاً عند كل منعطف، علماً بأن تجربة «توحيد البندقية» البشيرية لم تُنتج لهم سوى الجراح التي لم تندمل بعد.

أهم أخبار متابعات

Comments

عاجل