المحتوى الرئيسى

وليد فكري يكتب: أنا ملتزم.. لكني منحط!

09/13 10:14

لكم دينكم ولي دين (٢٥)

منذ فترة قام مجموعة من الشباب بحملة ضد التصنيف، التقطوا لأنفسهم صورًا وقد رفعوا لافتات مكتوب عليها عبارات مثل: “أنا مش محجبة بس بصلي”، و”أنا بحط ميك أب بس محترمة” ..إلخ.

من لديه الحد الأدنى من الفهم السليم للأمور يدرك ببساطة أن الحملة لا تروج لشيء إلا عدم تصنيف الإنسان والحكم عليه في مجمله من مجرد مظهر خارجي، بغض النظر عن مدى الاتفاق مع هذا المظهر من عدمه.

كانت مجرد جلسة تصوير عادية لواحدة من عشرات الحملات المنتشرة يوميًا على مواقع التواصل الاجتماعي.. لكن كيف يمر الأمر ببساطة؟!

هذا غير ممكن يا عزيزي، فثمة من يبحثون عن الدناءة والانحطاط بعدسة مكبرة وملقاط.. يدورون كالخنازير يبحثون في كل ركن عن قذارة ما يمارسونها، وبِركة وحل ما يتمرغون فيها على سبيل الإحساس بالوجود في حياة لا قيمة فعلية لهم فيها!

فقد قام بعض المحسوبون على التَدَيُن بغزوة مباركة على هؤلاء الزنادقة الذين اجترئوا على أن يطلبوا عدم تصنيفهم بناء على مظاهرهم.. فقام بعضهم بنشر كاريكاتيرات رخيصة تسخر من تلك الحملة، كرسم لفتاة غير محجبة تحمل لافتة تقول: “أنا مش محجبة بس محترمة”، ورجل ينظر لها بشبق وهو يحمل لافتة أخرى تقول: “أنا متحرش بس محترم”!

أي أن العبقري مصمم الرسم قرر السخرية من الفتاة “السافرة” من خلال توظيف نموذج “المتحرش”.. أي أنه بشكل أو بآخر قد برر التحرش بسفور الفتاة!

هل تعرف يا عزيزي الرسام ما اللفظ المستخدم لوصف من يبرر عدوانا “جنسيا” كالتحرش بأي مبرر مهما كان؟

ولأن قاع الكنيف عميق، فكان لابد أن يقوم البعض الآخر من الغيورين على دينهم بتصميم ألبوم كامل من الصور التي تحمل تيمة: “أنا كذا لكن كذا”، ولكن هذه المرة باستخدام صور أشهر ممثلي الأفلام الإباحية!

لن أسأل مصمم الألبوم من أين له تلك الحصيلة الغزيرة من الصور، فضلًا عن المعرفة، لأننا نعرف “البير وغطاه” فيما يتعلق بتعامل هؤلاء القوم مع شهواتهم، ولكني أتساءل حقًا عن دلالات استخدام أشاوس الشريعة هؤلاء لـ”شخصيات جنسية” كالمتحرشين وممثلي البورن في انتقادهم لحملة رأوها مخالفة لمعتقداتهم؟!

هل يعكس هذا رغبة مكبوتة في ممارسة مهنة ما انتهت -رسميًا- من المجتمع المصري منذ نهايات أربعينيات القرن الماضي؟!

لو كان الأمر كذلك، فدعوني أطمئنكم.. أنتم تمارسونها بالفعل، لكن بشكل مختلف بعض الشيء، وإن كان أكثر حِطة من ذلك الذي كان يمارَس من قبل، فعلى الأقل كانت المومس تقول: “أنا مومس”، والقواد يقول: “أنا قواد”، ولم يكن أي منهما يغلف أفعاله بالفضيلة والمباديء!

لديكم مشكلة مع مضمون الحملة أو شكلها؟ لا بأس، حقكم، ولكن هل كان من الصعب أن تناقشوا منظميها وأن تناظروهم؟

أرد أنا: بلى، من الصعب عليكم هذا، لأنكم تربيتم في مدرسة يعتمد النقاش فيها على “أفحمه، ألقمه حجرًا، دمغه، جعله يبهت ويرتج عليه”، مدرسة تصف المناقشات بـ”القول الصاعق، الصواعق الحارقة، التنكيل”، وكأن المناقشة مشاجرة بين زمرة من الردّاحين على قارعة الطريق.. بالتالي فإن المناقشة بالحجة والدليل هي ليست مما تربيتم عليه.. والمقارنة البسيطة بين ما قاموا به لعرض وجهة نظرهم وما قمتم أنتم به، يعكس الفارق بين من تربى ثقافيًا في كنف المناقشات الراقية، ومن تلقى تربية كتلك التي تتلقاها الكباش المتناطحة في الزرائب.

ثم قولوا لي بالله عليكم: ما الذي أغضبكم؟ أنهم دعوا لعدم التصنيف؟ ألا تشكون أنتم أنفسكم من هذا؟ كم من مرة أقمتم الدنيا ولم تقعدوها من أجل تصنيف الملتحي كمتطرف والمنتقبة كمتأخرة عقليًا (وهو تصنيف مرفوض بالطبع)، وطالبتم الناس بعدم الحكم عليكم من مظاهركم؟ فلِمّ تأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم؟ تلومون الناس على فعل أنتم تقومون به، بل وتبررونه، كتلك التي وُصِفَت في المثل الشعبي بأنها “تلهيك وترازيك وتجيب اللي فيها فيك”!

إختاروا أمرا من اثنين: إما أن تلتزموا الامتناع عن تصنيف الآخرين، ويمتنع الآخرون عن تصنيفكم، أو ألا تشكوا من أية تصنيفات عنصرية طالما أنكم تمارسونها؟

لكن ماذا أقول في “التعالي الديني” الذي تمارسونه؟! فمن منطلقه يصبح كل قول موجه لكم: “هذا القول مردود عليه”، بينما كل قول صادر عنكم هو: “ليس كلامي بل كلام الله”

ولو مورست العنصرية -غالبًا من طرفكم- تجاه مخالفيكم، فلكم ألف مبرر وألف سبب، بينما لو مورست ضدكم فقام بعضنا بالدفاع عنكم فـ”لا حمد ولا شكرانية”، بل هو حق مكتسب! كيف نجرؤ ألا نؤديه؟!

وبالطبع لا مجال للحديث معكم بالمباديء العامة والمنطق أو إقناعكم أن “الدين” شيء، و”فهمكم للدين” شيء آخر، فاحتكار توكيل الدين هو الـ”cheat” (كود الغش) الذي تستخدمونه في اللعبة، وأنتم لا تجيدون اللعب النظيف، ومن أين تأتي النظافة فيمن معاشهم في أكل لحم مخالفيهم ميتًا؟!

تقولون إن القائمين على الحملة محل الخلاف يبررون “الجهر بالمعصية”؟

حسنًا، لن أناقشكم في تصنيفكم لأقوالهم وأفعالهم كـ”معاصي”، ليس عن اقتناع أنها معاصٍ، بل بالعكس، ولكن بصراحة عن رغبة في أن أعاملكم بقدر عقولكم رأفة بنفسي من أن ينتهي النقاش معكم بي وقد فعلت مثل ذلك الرجل الذي صرخ على الملأ: “من أين حُشِرَت عليّ البهائم اليوم؟!”

لكني سأناقشكم في كيفية الرد، هل سمعتم في القرآن عن آية كريمة تأمر الرسول -عليه الصلاة والسلام- وبالتالي تأمرنا، أن ندعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وأن نجادل بالتي هي أحسن، ويُختم الأمر الإلهي بتنبيه أن الله هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين، كي لا يغتر أي منا بنفسه؟

هل قرأتم يومًا قولًا يأمرنا أن نبشر ولا ننفر؟

أين الحكمة، الموعظة الحسنة، المجادلة بالحسنى، التبشير؟

لا يوجد.. فقط يوجد انحطاط أخلاقي واضح وتلميحات -بعضها ماس بالأعراض- وماذا جنيتم؟

“قصفتم الجبهة”؟! عاشت همة الرجال الذين أنفقوا وقتًا وجهدًا في تصميم ورسم وابتكار وتنفيذ لمجرد “قصف جبهة” الجانب الآخر.. أين الحجة؟ الإقناع؟ كم اجتذبتم من المتفقين مع الطرف الآخر بالحجة والبرهان؟ أم أن السخرية هنا كانت لمجرد السخرية والشعور بالتفوق والانتصار؟

هل تعرفون من الذي يبحث عن الانتصارات الرخيصة الصغيرة؟

إنه المحبط، الفاشل، النكرة، يا نكرات!

رجال طول بعرض يتشدقون بالدفاع عن الدين، أقصى جهدهم هو “التلقيح” واستخدام تيمات جنسية في السخرية من أصحاب فكرة معينة.. أنتم أشد خيبة ممن وصفهم الإمام علي -عليه السلام- في خطبة له بـ”يا أشباه الرجال ولا رجال، أجسام البغال وعقول ربات الحجال” (ربة الحجال: الطفلة الصغيرة التي تلعب الحجلة).

وعلى سبيل المصارحة، أنتم تعلمون جيدًا أنكم قد أصبحتم “لا شيء”.. منكشفون للجميع، تفسرون نفور الناس عنكم ليس بأنكم منفرون، ولكن بأنكم “الغرباء” الذين يقبضون على دينهم كالقابض على الجمر في آخر الزمان، وبحق الله ماذا يكون جنون العظمة إلا هذا؟

أقول لكم إن من صفات القابض على دينه محتسبًا لله ألا يرى نفسه في منزلة أعلى من غيره.. أما ما أنتم فيه فهو ما يوصف بـ”الورع البارد”.. أي التدين النابع فقط عن رغبة في التميز.

على هذا الأساس فأنتم تعلمون جيدًا كذلك أنكم لن تستطيعوا أن تفرضوا على أحد نمط حياة ترونه أنتم مثاليًا، فأنتم لا تملكون القوة لذلك لا ماديًا، ولا تلك القوة المعنوية المتمثلة في الإقناع.. بالعكس، أنتم تنقصون ولا تزيدون، ومن يترككم إنما يفعل ذلك ساخطًا عليكم لاعنًا انحطاط أخلاقكم!

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل