حوار مع أبى: وألحقنى بالصالحين | المصري اليوم
سمعتُ أبى يختمُ صلاتَه بقوله: «ربِّ أوزعنى أن أشكرَ نعمتَك التى أنعمتَ علىَّ وعلى والدى وأنْ أعملَ صالحًا ترضاه، وأدخلْنى برحمتِك فى عبادِك الصالحين».
فاندهشتُ وسألتُه: «يا أبى، لماذا تتواضع فى دعائكَ ربّكَ وهو الكريم ذو الفضل؟! أنت رجلٌ صالحٌ بالفعل. فكيف تدعوه أن يُدخلكَ فى زُمرة الصالحين وأنت منهم؛ بينما بوسعكَ أن تدعوه أن يُدخلك الجنّة مباشرة؟ أليس الطمعُ فى كرم الكريم مُباحًا؟ هل تدعوه بما فى يدك، وتستحى أن تدعوه بما هو المُنتهَى حيث الفردوس الأعظم؟».
ابتسم أبى فأشرقت وسامتُه، وقال: «ومَن قال إن مرتبة الصالحين ليست هى المُنتهَى الأعظم؟! مرتبةُ الصالحين هى حُلمُ الأبرار والأتقياء، بل هى حُلمُ الأنبياء والرسل». هل تدرين مَن قائلُ ذاك الدعاء الذى ختمتُ به صلاتى؟ إنه لنبى الله سليمان؛ قاله ضاحكًا حين سمع النملة تُحذّر رفيقاتها ليدخلن مساكنَهن لئلا يدهسهن موكبُ الملك سليمان. «حتى إذا أتوا على وادِ النملِ قالت نملةٌ يا أيها النملُ ادخلوا مساكنَكم لا يحطمنّكم سليمانُ وجنودُه وهم لا يشعرون. فتبسّم ضاحكًا من قولها وقال ربِّ أوزعنى أن أشكرَ نعمتَكَ التى أنعمتَ عليَّ وعلى والدىّ وأن أعملَ صالحًا ترضاه وأدخلنى برحمتِكَ فى عبادك الصالحين». (النمل 18-19). هتفتُ متعجّبةً: «نبىّ مُرسَل يرجو ربّه أن يجعله عبدًا صالحًا؟» فقال أبى: «وبرحمة الله، لا بعدله»، كأنما يخافُ النبىُّ ألا يستحق تلك المرتبة العليا بعدل الله، فطلبها برحمته.
ثم أردف أبى: «وليس النبىّ سليمان وحسب من تمنّى هذا على الله، بل كذلك نبىّ الله يوسف. حيث يقول القرآنُ على لسانه عليه السلام: (ربِّ قد آتيتنى من الُملك وعلّمتنى من تأويلِ الأحاديث فاطِرَ السمواتِ والأرض أنتَ وليِّى فى الدنيا والآخرة توفَّنى مسلمًا وألحقنى بالصالحين). (يوسف 101). كذلك أبوالأنبياء إبراهيم عليه السلام كان يدعو ربَّه أن يجعل ذريّته من الصالحين، كما فى قوله: (ربِّ هَبْ لى من الصالحين، فبشّرناه بغلامٍ حليم،....، وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصالحين). (الصافّات 100-101- 112)». وفى موضع آخر: «ووهبنا له إسحاقَ ويعقوبَ وجعلنا فى ذريّته النبوةَ والكتابَ وآتيناه أجرَه فى الدنيا وإنه فى الآخرةِ لمن الصالحين» (العنكبوت 27). وفى موضع آخر: «ووهبنا له إسحاقَ ويعقوبَ كلاًّ هدينا ونوحًا هدينا من قبلُ ومن ذُريّته داودَ وسليمانَ وأيوبَ ويوسفَ وموسى وهارونَ وكذلك نَجزى المحسنين وزكريا ويحيى وعيسى وإلياسَ كلٌّ من الصالحين». (الأنعام 84). ثم يصفُ اللهُ نبيَّه إبراهيم بقوله: «ولقد اصطفيناه فى الدنيا وإنه فى الآخرة لمن الصالحين»، (البقرة 130).
Comments