المحتوى الرئيسى

رمزى بارود يكتب: هل تدفع إسرائيل نحو الحرب الأهلية الفلسطينية؟ | المصري اليوم

09/11 22:28

لقد بلغ الانقسام داخل المجتمع الفلسطينى مستويات غير مسبوقة، وأصبح عقبة كبيرة فى طريق أى استراتيجية موحدة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلى العنيف أو لحشد الفلسطينيين وراء هدف واحد.

وزير الدفاع الإسرائيلى المتطرف، أفيجدور ليبرمان، يفهم هذا جيدا، ويتركز تكتيكه على الاستثمار أكثر فى هذه الانقسامات كوسيلة لتحطيم المجتمع الفلسطينى أكثر من ذلك.

«ليبرمان» شخص «متطرف»، حتى إذا ما قورن بالمستويات المتدينة من الجيش الإسرائيلى، ويعج إرثه الماضى بالتصريحات العنيفة والعنصرية، بينما تتمثل أحدث أعماله البطولية فى معاداته الراحل محمود درويش، الشاعر الأكثر شهرة فى فلسطين، ووصل به الأمر لدرجة مقارنته شعر «درويش»، الذى يدعو إلى الحرية، بالسيرة الذاتية للألمانى النازى، أدولف هتلر. لكن، بطبيعة الحال، هذا ليس أفظع بيان لـ«ليبرمان».

استفزازات «ليبرمان» فى الماضى كثيرة. وحتى وقت قريب فى 2015، هدد بقطع رأس المواطنين الفلسطينيين فى إسرائيل بفأس إذا لم يكونوا موالين تماما لـ«الدولة اليهودية»، ودعا إلى «التطهير العرقى» بحق الفلسطينيين فى إسرائيل، وهدد بقتل رئيس الوزراء الفلسطينى السابق إسماعيل هنية.

لكن إذا تركنا التصريحات المشينة جانبا، فإن أحدث حيلة لـ«ليبرمان»، هى الأكثر غرابة حتى الآن، إذ يخطط لاستخدام نظام ترميز لونى بارز فى البلدة القديمة لتحديد المجتمعات الفلسطينية فى الضفة الغربية المحتلة، وسيتم تقسيمهم إلى اللونين الأخضر والأحمر، وسيكون الأخضر «جيدا» والأحمر «سيئا»؛ ووفقا لذلك، فإن من هم فى الفئة الأولى، يجب أن يكافأوا على سلوكهم الجيد، فى حين تتعرض الفئة الثانية لعقاب جماعى، حتى لو تجرأ منهم عضو واحد على مقاومة جيش الاحتلال.

وهناك نسخة من هذه الخطة منذ نحو 40 عاما، لكنها فشلت تماما. والحقيقة أن مثل هذا التفكير المروع عندما يحدث فى القرن الـ21، دون أن يرافقه ضجة دولية، أمر محير. وسترافق خطة «ليبرمان» للترميز اللونى حملة لإحياء «روابط القرى»، وهى تجربة إسرائيلية فاشلة أخرى لفرض قيادة فلسطينية «بديلة» عن طريق تمكين نخبة من الفلسطينيين، وليس القادة المنتخبين ديمقراطيا.

ويهدف «ليبرمان» من هذا الحل لصنع قيادة، مثل «روابط القرى» فى السبعينيات والثمانينيات، وبالتأكيد، سيتم اعتبارهم عملاء وخونة من قبل المجتمع الفلسطينى ككل. لكن ما هى «روابط القرى» بالضبط؟ وهل ستنجح هذه المرة؟.

فى أكتوبر 1978، تم انتخاب رؤساء البلديات الفلسطينية التى شاركت فيها المجالس البلدية والمؤسسات الوطنية المختلفة، وبدأت التعبئة الجماهيرية تحت مظلة لجنة القيادة الوطنية، التى كان هدفها الرئيسى معارضة توقيع معاهدة «كامب ديفيد» بين مصر وإسرائيل ونتائجها السياسية المتمثلة فى تهميش الفلسطينيين.

وفى ذلك الوقت، كانت الحركة هى الشبكة الأكثر دقة وتوحيدا للفلسطينيين التى ظهرت فى الأراضى المحتلة أكثر من أى وقت. وعلى الفور، فرضت إسرائيل حملة أمنية قمعية على رؤساء البلديات وزعماء النقابات والقوميين من المؤسسات المهنية المختلفة.

ورد الفعل الوطنى، كان الإصرار على وحدة الفلسطينيين فى القدس والضفة وقطاع غزة، بين المسيحيين والمسلمين، والفلسطينيين فى الداخل والشتات. وكان الرد الإسرائيلى حازما، فابتداء من 2 يوليو 1980، بدأت حملة اغتيالات ضد رؤساء البلديات المنتخبين ديمقراطيا.

ومع ذلك كان «كامب ديفيد»، ومحاولات القضاء على الزعماء الوطنيين فى الأراضى المحتلة، بالإضافة إلى زيادة العنف من المتطرفين اليهود فى الضفة الغربية السبب فى الاحتجاجات الجماهيرية والإضرابات العامة وحدوث مواجهات عنيفة بين الشبان الفلسطينيين والقوات الإسرائيلية.

إسرائيل تنافس دائما لبناء قيادة بديلة للفلسطينيين. وهذه الجهود توجت فى عام 1978، عندما أنشأت «روابط القرى»، وأعطيت صلاحيات واسعة نسبيا لأعضائها، بما فى ذلك الموافقة أو الرفض على المشاريع التنموية فى الأراضى المحتلة. وكانوا مسلحين ولديهم حماية عسكرية إسرائيلية. لكن كان مصيرها الفشل أيضا، إذ كان ينظر على نطاق واسع إلى الأعضاء من قبل المجتمعات الفلسطينية بأنهم «عملاء متواطئون».

وبعد سنوات قليلة، اعترفت إسرائيل بالطبيعة الاصطناعية لإنشائها، وأنه لا يمكن تعبئة الفلسطينيين إلى تبنى رؤية إسرائيل لاحتلال عسكرى دائم وحكم ذاتى سطحى.

فى مارس 1984، قررت الحكومة الإسرائيلية حل «روابط القرى».

وليس لأن «ليبرمان» هو طالب التاريخ الذكى، لكن ماذا كان يأمل تحقيقه من هذه الحيلة. على أية حال حفزت الانتخابات البلدية عام 1976 الطاقات الفلسطينية لتحقيق الوحدة، والتفوا حول الأفكار المشتركة التى وجدت منصة موحدة فى منظمة التحرير الفلسطينية.

الآن، الخلاف الفلسطينى واضح. معركة «فتح» و«حماس» المطولة غيرت بشكل جذرى فى الخطاب القومى فى فلسطين، وحولته إلى شكل من أشكال القبلية السياسية.

ومن وجهة نظر «ليبرمان»، يجب أن تكون الفرصة مهيأة لتكرار وإعادة فرض تسوية «روابط القرى». ولن يختلف الأمر إذا كانت ستنفذ فى شكلها الأصلى أم لا، لأن الهدف هو توليد مزيد من الانقسام بين الفلسطينيين، وزرع الفوضى الاجتماعية، والصراع السياسى، وربما تكرار حرب أهلية قصيرة فى غزة مثلما حدث فى صيف 2007.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل