المحتوى الرئيسى

تحليل اقتصادى: أصحاب المصالح يعرقلون الإصلاح والتقدم | المصري اليوم

09/11 04:26

أتوقف فى البداية عند ثنائية الحكومة والشعب. فى الكثير من المناسبات يُنْظر إلى كل من الطرفين ككتلة واحدة متجانسة. وإذا كانت معاملة الحكومة كوحدة واحدة مفهومة من منطلق المسؤولية التضامنية لمجلس الوزراء، فمن غير المفيد كثيرا تعميم موقف «الشعب» أو «الناس» من السياسة العامة والقرارات والقوانين التى تتبناها أو تتخذها الحكومة. ويبقى ذلك صحيحاً حتى مع الاسترشاد ببحوث واستقصاءات الرأى العام باعتبارها تلخيصاً لموقف ورأى «الشعب» كله أو فى غالبيته. وإذا استثنينا حالة الإجماع الشعبى على أهداف عليا وقيم أسمى تحدد هوية المجتمع وثوابتها، لعل فى مقدمتها الاستقلال الوطنى بكل جوانبه، وحدة الأراضى المصرية وحمايتها من أى عدوان والاعتزاز بمصريتنا إلى جانب دياناتنا كمصريين، هناك تباينات بسيطة أو شديدة فى مواقف ورؤى الجماعات والفئات الاجتماعية المختلفة، خاصة فى المجالات الاقتصادية.

فى زمن الأيديولوجيات المتصارعة كان يتم تقسيم السكان حسب دورهم فى العملية الإنتاجية، ما بين إقطاعيين وفلاحين (ملاك كبار ومزارعين)، رأسماليين وبروليتاريا (عمال)، أصحاب أموال وأعمال ومديرين وماليين.. وهكذا. تطورات كثيرة وشاملة أدت إلى تغير عميق فى البنية الاجتماعية (الطبقية) لأى مجتمع عصرى، سواء بسبب انتشار التعليم واكتساب المهارات، التقدم التقنى الهائل، الثورة الرقمية، العولمة وسطوة أسواق المال والخدمات المالية. وبينما كانت فى السابق تتوحد مصالح- ومن ثَمَّ مواقف- الطبقة العاملة ومن ورائها حركات نقابية مؤثرة، أو كارتلات التجمع الصناعى العسكرى ومن ورائها لوبى (جماعة ضغط) سياسى، تشرذمت هذه الطبقات التقليدية وتجزأت القوى الاجتماعية إلى فئات متحركة حسب مستوى الدخل ومصدره واستدامته وغيرها من العوامل. لاشك أن هذه التطورات أثرت وتأثرت بحركة وتغير دور الأحزاب السياسية، التى لم تعد تعبيراً عن تجمع مصالح ورؤى ومبادئ طبقة أو فئة اجتماعية متجانسة.

تطورات مماثلة وقعت فى مصر فيما قبل وبعد ثورة يوليو 1952، وكذلك الحال منذ منتصف السبعينيات والتحول نحو اقتصاد السوق. ورغم بدء تمايز مصالح أطراف مختلفة فى المجتمع، فقد ظلت مسألة نقد السياسات الحكومية ومعارضة البعض لها تتم باسم «الناس» فى تعميم غير صحيح، أو باسم «الفقراء»، وكأن الشعب كله من الفقراء أو المطحونين الذين يشملون- وفقا للبعض- فئات من الطبقة المتوسطة. وفى كل الأحوال كانت الآراء والتحركات والمواقف الرافضة لبعض الإجراءات الاقتصادية- أو تلك الغاضبة من ارتفاع الأسعار أو نقص المعروض من سلعة أو قصور وتدهور خدمة عامة فى منطقة ما- تُصور ذلك على أنها معاناة شعبية تستوجب حرمان الحكومة من مصداقيتها وكفاءتها، بل تطالب بتعديلها أو إسقاطها.

على مدى عقود طويلة بقيت الحكومات متهمة بأنها لا ترعى ظروف وأحوال الناس، وأن كل إجراء تتخذه يضر بمستوى معيشتهم [رغم تأكيد كل الحكومات على مراعاتها للبعد الاجتماعى] وأنها إما غافلة (أو متعمدة) عما يترتب على سياساتها من غلاء وبطالة وسوء حال التعليم والسكن والصحة والمرافق... إلخ. الصورة دائماً فى الإعلام ولدى العامة هى أن الحكومة فى مواجهة الشعب. وفى بعض الأحيان يتم الترويج لدعاوى انحياز الحكومة لجزء ضئيل من الشعب (الأغنياء ورجال الأعمال) على حساب باقى الشعب من الفقراء ومحدودى الدخل والطبقة المتوسطة.

كل تعميم فى مثل هذه الأحوال خطأ. ليس دفاعاً عن حكومة أن ترى صواب قرار لها بينما يراه آخر غير ذلك، وليس من الصدق أن يبالغ البعض فى تقييم أثر إجراء ما، فيعتبره بداية الانهيار أو الخسران المبين. غياب الأحزاب السياسية وعدم تبلور التركيب الطبقى (البنية الاجتماعية) لمجتمع غاب عنه تطور عملية التصنيع والتقدم العلمى والتكنولوجى وتداخل مكونات الدخل والثروة، أدى إلى قصور أدوات التحليل السياسية والاقتصادية الملائمة. ومن ثَمَّ استمر التعميم فى فهم وتحديد علاقة السلطة التنفيذية مع الناس (الشعب) فى مجموعه. منهج الاقتصاد السياسى وحده هو القادر ليس فقط على فحص التداخل بين الاعتبارات السياسية والاقتصادية، ولكنه بالإضافة إلى ذلك، يحدد نمط توزيع الأدوار وفقاً لتوزيع السلطة والثروة بين فئات المجتمع ومدى تعبير الحكومة عن التوازن بين هذه المصالح والأدوار.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل