المحتوى الرئيسى

اتفاق قائم على "افتراض الثقة".. هل تصمد خطة روسيا وأميركا المعقدة لإحلال السلام في سوريا؟

09/11 00:38

في أواخر صيف عام 2011، أعلن الرئيس الأميركي باراك أوباما أن حُكم بشار الأسد "غير شرعي"، وقال له إن الوقت قد حان "للتنحي". وفي أوائل خريف عام 2015، استهزأ مسؤولون أميركيون باحتمال أن يتدخل فلاديمير بوتين عسكرياً في سوريا بصورةٍ مباشرة، باعتبارها خطوة سيكون لها عواقب وخيمة على الجانب الروسي.

اليوم، اعترف وزير الخارجية الأميركي جون كيري رسمياً بشرعية "جيش الأسد" عن طريق ترسيم منطقته في القتال؛ ورحَّب بالقوات الجوية الروسية شريكاً محتملاً للولايات المتحدة في شن حرب تزداد تعقيداً وتشوشاً ضد ما يسمى "الدولة الإسلامية" والقاعدة. ومن الجدير بالذكر أن القاعدة كثيراً ما تختلط مع الجماعات المدعومة من الولايات المتحدة، وفقاً لما نشرته موقع The Daily Beast الأميركي.

وفي مؤتمر صحفي بجنيف، تأخّر كثيراً حتى أن معظم الصحفيين كانوا على يقين من أنه لن يُعقَد فبدأوا بطلب المشروبات الروحية والبيتزا، بدأ كيري في سرد تفاصيل الخطة الثنائية المُعقَّدة. وجاءت تصريحاته مليئة بالتحذيرات المتكررة والجمل الشرطية وهو يصف اتفاقاً يُفترض بالضرورة أن يقوم على الثقة بين الولايات المتحدة وروسيا، لكنه في الحقيقة لن يقوم على أي قدرٍ من الثقة.

بدأ كيري تصريحاته بـ: "لو، وأود أن أؤكد على كلمة لو، بُدأ تنفيذ هذه الخطة بحسن نية، وقام أطراف الخطة بما يستطيعون فعله وبما يُطلب منهم فعله، يُمكن أن تكون هذه لحظةً تترجم فيها الجهود الديبلوماسية متعددة الأطراف... إلى واقعٍ وإلى عملية انتقالية حقيقية يشهدها الشعب السوري".

لكن لا أحد يُصدق هذه التصريحات حقاً.

ووفقاً لروبرت فورد، السفير الأميركي السابق في دمشق الذي استقال من وزارة خارجية "كيري" اشمئزازاً من سياسة إدارة أوباما في سوريا، "تقليص الأعمال العدائية، إذا استمر، سيسهم في تخفيف المعاناة الإنسانية، وهذا شيء جيد. لكن ليس ثمة طريق واضح أمامنا إلى اتفاق سياسي من شأنه أن يحل الأسباب الجذرية للأزمة السورية بطريقة دائمة".

وأياً ما كان الخير الذي يُمكن لهذا الاتفاق أن يُحققه، فهو ليس أكيداً على الإطلاق.

يقول كيري، إن نظام الأسد سوف يُحظَر من القيام بمهام قتالية جوية "في أي مكان توجد فيه المعارضة ويقع في منطقة اتفقنا عليها دون تحديد دقيق". لكنه لم يحدد تعريف "المعارضة السورية"، فهي تشير إلى عدد كبير من المجموعات المختلفة فكرياً، إلا أنه لم يزِد على أنها لا تشمل "داعش" أو "جبهة النصرة" التي تدين بالولاء للقاعدة ويُطلق عليها الآن "جبهة فتح الشام".

ومشيراً إلى أن الغارات العشوائية المدمرة التي شنتها القوات الجوية السورية طيلة سنوات بحجة ضرب "النصرة" لم تؤدِ سوى إلى تضخم صفوف الجهاديين، بدا كيري وكأنه يعني أن الضربات الدقيقة ستؤدي إلى العكس بطريقة أو بأخرى. كما أصر على أن أي قوات معارضة "شرعية" يجب أن "تنأى بنفسها بكل طريقة ممكنة عن النصرة وداعش" للاحتفاظ بشرعيتها، وهو احتمال لن تضمنه حتى أذكى القنابل الذكية.

ويقول تشارلز ليستر، مؤلف كتاب "الجهاد السوري" ومراقب الحرب الأهلية السورية عن كثب لموقع "ذا ديلي بيست": "لا يمكنني رؤية عدد كبير من المعارضة المسلحة ينأون بأنفسهم عن الخطوط الأمامية التي توجد فيها النصرة"، وأضاف: "هناك مخاطر كثيرة جداً لمثل هذه الخطوة، وليس لديهم دليل سابق على استعداد النظام للالتزام بهذه القيود. سوف تفعل جبهة النصرة كل ما بوسعها الآن لإقناع فصائل المعارضة أن هذا لا يعدو أن يكون مؤامرة لتقويض الثورة؛ وهو ما أخشى أن الكثيرين على أرض المعركة سيصدقونه بعيون مغمضة".

ثمة إشكالية أخرى هنا، وهي تحديد كيري بأن الأسد ممنوع فقط من القصف في الأماكن التي تُقرر الولايات المتحدة وروسيا معاً أنها محظورة. إنها طريقة مستترة لقول ما جاء في مشروع نص هذا الاتفاق الذي تم تسريبه قبل أسابيع، وبعبارات لا لبس فيها: "يمكن للأسد نشر طائراته الحربية خارج المناطق المخصصة إذا استولت النصرة على أراضٍ فيها، و"يمكن لروسيا استخدام القوة الجوية في الدفاع عن القوات الحكومية السورية في حال شنت النصرة هجوماً عليها من داخل المناطق المحددة، إذا اتفقت مسبقاً على ذلك مع الولايات المتحدة".

وبموجب الاتفاق، يمكن للأسد وروسيا أن يضربا "النصرة" في مواقع بعينها دون موافقة مسبقة من الولايات المتحدة إذا حدثت "تهديدات وشيكة" من قِبَل جبهة النصرة تجعل الحصول على هذه الموافقة "أمراً غير متيسر". وهنا يجب أن نتساءل: ما الذي يمكنه أن يمنع دمشق وموسكو من إيجاد "تهديدات وشيكة" فجأةً في كل مكان ضد أطراف يرونها تمثل "النصرة" أو تابعة لها قبل أن تحصل على موافقة واشنطن؟

لما يقرب من 6 سنوات، ادعى الأسد وحلفاؤه أن النظام ليس في حرب سوى على مجموعة تابعة لـ"تنظيم القاعدة"، في حين أصر بوتين منذ سبتمبر/أيلول 2015 أنه يضرب بالأساس تنظيم داعش، مع أن كل الأدلة التجريبية وتقييم البنتاغون يقولان عكس ذلك.

العقيد المتقاعد في سلاح الجو الأميركي ريك فرانكونا، الذي شغل سابقاً منصب الملحق الجوي في سفارة الولايات المتحدة في سوريا قال: إذا فعل الروس ما فعلوه في المرة الأخيرة، إذ جرت محاولة لوقف الأعمال العدائية ولكنهم استمروا في قصف قوات المعارضة تحت ستار أنهم في الحقيقة "إرهابيون"، فسينهار هذا الاتفاق في وقت قصير.

لا يعني هذا أن البيت الأبيض قد سلّم أموره بصورة كاملة إلى الكرملين بالفعل، فقد أكد كيري أن "فترة طويلة" من "تقليص" العنف في سوريا هو الاختبار الحقيقي لإمكانية شن ضربات جوية مشتركة بين أميركا وروسيا. لكن هذه الفترة لن تكون طويلة جداً؛ فستستمر 7 أيام فقط، ابتداءً من يوم 12 سبتمبر/أيلول، وهو اليوم الثاني من عيد عيد الأضحى، ويجب أن تشمل كل الجماعات المسلحة في سوريا، باستثناء النصرة وداعش، وهما الجماعتان التي من المتوقع أن تفعلا كل ما بوسعها لمنع الأعمال العدائية من التراجع، وهما الجماعتان اللتان لن يتوقف قصفهما على الأرجح.

خلال هذه الهدنة في عيد الأضحى، من المُفترض أن يشعر حيّان اثنان في حلب المحاصرة بالآثار المباشرة لهذا الاتفاق: أحدهما هو طريق كاستيلو، وهو الشريان الرئيسي لقوافل المساعدات الإنسانية، والتجارية، والعسكرية في المحافظة التي تقع شمال سوريا. وقال كيري بالخطأ إنه حالياً محظور من الجانبين.

في الحقيقة، يمكننا القول إن "ثلاثة أطراف" تتنازع هذا الطريق: القوات الموالية لنظام الأسد، والمعارضة السورية بولاءاتها المتعددة، والميليشيات الكردية المدعومة أميركياً تحت مسمى "وحدات الدفاع الشعبي". لقد قاتلت الأطراف الثلاثة بعضها في وقتٍ ما، وسيُطلَب منها الآن التوقف بعد أن تحوَّل الطريق إلى ما أطلق عليه كيري "منطقة منزوعة السلاح".

وعلاوة على ذلك، فإن حي الراموسة، وهي منطقة مهمة من الناحية الاستراتيجية في حلب انتقلت السيطرة عليها ثلاث مرات في الأسابيع القليلة الماضية وتقع الآن تحت سيطرة النظام، سيشهد مستويات غير مسبوقة من التعاون بين النظام والمعارضة (التي، بغرابة شديدة، تقودها هنا النصرة والفصائل الجهادية المتحالفة معها)، إذ يجب عليهما، النظام والمعارضة، الآن تأمين "وصول المساعدات الإنسانية والتجارية بانتظام ودون عوائق إلى شرق حلب وغربها".

يُحظر شن أية هجمات أو محاولات لاستعادة السيطرة على الأراضي في الراموسة، وحتى السماء فوقها ستظل خالية من البراميل والقنابل الحارقة لمدة أسبوع، حتى وإن كانت جبهة النصرة تخطط لهجوم مضاد كبير لكسر الحصار مرةً أخرى.

وتساءل ليستر: "هل سيتخلون عن تلك الخطط طواعيةً ويلتزمون بكل بنود الاتفاق هكذا ببساطة؟".

وأخيراً، أعلن كيري أنه إذا سارت الأمور بنجاح فإن يوم 12 سبتمبر/أيلول سيشهد بدء الاستعدادات لإقامة مركز التنفيذ المشترك (JIC) مع استضافة مناقشات أولية بشأن ما تسيطر عليه حالياً جبهة النصرة ومجموعات المعارضة من الأراضي السورية، ونتائج هذه المناقشات سيتم التحري عنها والتصديق عليها من قِبل خبراء أميركيين وروس يُنتظر الإعلان عن أسمائهم.

لكن ثمة خبيران لا أوصي بأن يقوما بهذه المهمة: ميخائيل خودارينوك، وهو عقيد متقاعد في سلاح الجو الروسي، والمراقب الأميركي للوضع في سوريا توبياس شنايدر، وكلاهما قدَّم هذا الأسبوع أحكاماً قاطعةً بشأن عدم امتلاك النظام السوري قدرات عسكرية يمكن الوثوق بها. وتساءلا عما إذا كانت المجموعات القتالية الصغيرة التي تنهض بمعظم عبء القتال عن الأسد ستلتزم بأوامر الرئيس أم لا.

وكتب شنايدر لموقع War on the Rocks، إن "بنية قوة النظام اليوم لا تختلف بصورة جذرية عن بنية الميليشيات المعارضة. فعلى الرغم من أن الجيش العربي السوري يتمتع بإمدادات أكثر بكثير بفضل هيكله اللوجستي الذي لا يزال قائماً، فإن القوات الحكومية القتالية تتكوَّن اليوم من مجموعة كبيرة من الميليشيات شديدة المحلية التي تتحالف مع فصائل مختلفة، وجهات راعية محلية وأجنبية، وأمراء الحرب المحليين".

هذه المجموعات تتاجر في الأسلحة، والبشر، والنفط لصالح "داعش" والجماعات المتمردة - أي الجهات نفسها التي يُفترض أن يكونوا في صراع وجودي معها - وعادةً أيضاً ما تشتبك مع قوات الأمن السورية متمتعين بالحصانة، كما يقول شنايدر؛ لأنه "ليس لدمشق اليوم أية قوى موالية تملك من القوة ما يكفي لتنظيم صفوف هذه العصابات".

أما خودارينوك فهو أقل تفاؤلاً بشأن فرص الأسد في قتال "الإرهابيين"، سواء أكانوا حقيقيين أم مُتخيَّلين، والتحكُّم في حلفائه الذين لا حصر لهم.

في مقال نُشر في صحيفة "غازيتا" الموالية للكرملين، استنتج خودارينوك أنه "في حين تخوض الميليشيات، والمتطوعون الإيرانيون، وحزب الله ولجان الحشد الشعبي المعركة بدلاً من الجيش السوري، يشغل جنود بشار الأسد أنفسهم بجمع الرشاوى عند نقاط التفتيش".

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل