المحتوى الرئيسى

سيناريوهات ما بعد سقوط «داعش».. عودة «القاعدة»

09/10 23:15

نشر موقع "وول ستريت جورنال" الأمريكي، اليوم السبت، مقالًا للكاتب الأمريكي ياروسلاف تروفيموف، استعرض فيه توقعاته لما سيحدث بعد هزيمة تنظيم داعش، وأنّه يرى أنّ الفرصة ستكون سانحة أمام تنظيم القاعدة ليخرج إلى النور مجددًا، وإلى نص المقال:

"في الرابع من يوليو عام 2014، صعد رجل دين يرتدي ملابس سوداء يدعى أبوبكر البغدادي إلى منبر الجامع الكبير في مدينة الموصل العراقية، معلنًا تأسيس خلافة جديدة، كان لهذه (الدولة الإسلامية) المزعومة تطلعات عالمية، خاصة أنها كانت تسيطر بالفعل على شرق سوريا وغرب العراق، وتعهّد الخليفة الذي نصّب نفسه بنفسه بإعادة الكرامة، والعزة والحقوق والقيادة، لرفاقه من المسلمين السنة في كل مكان".

جاءت هذه الخطبة الجريئة من ثاني أكبر المدن العراقية متوجةً بأسابيع من الحرب الجهادية الخاطفة التي شهدتها مناطق العرب السنة في العراق، كما ظهر بعد ذلك، محاولة تنظيم داعش لغزو العالم.

الآن يبدو أنه من المرجح أن ينهار التنظيم بالسرعة التي ارتفع بها، فعلى مدار العامين الماضيين حارب خلالها الجميع، من القاعدة إلى إيران الثيوقراطية الشيعية والولايات المتحدة وروسيا، كما تصاعد معدل شن التنظيم لهجمات في الغرب وفي أماكن أخرى، أو ادعى مسؤوليته عنها، حتى في الوقت الذي مُني فيه بهزائم متتالية، وتخلى عن مدينة تلو الأخرى.

من السهل الاعتقاد بأن داعش لا تزال ملتزمة بمسيرتها، لكنها ليست كذلك، على مرّ العام السابق، تقلّصت الأراضي التي تتحكم بها – والتي قاربت يومًا ما حجم المملكة المتحدة – على نحوٍ متسارع في كل من العراق وسوريا. فقدت الدولة الإسلامية مدينتي الرمادي والفلوجة في العراق، ومدينة تدمر السورية التاريخية والريف السوري الشمالي على الحدود مع تركيا، وأُطيح بميليشياتها في ليبيا في الأسابيع الماضية من مقر قيادتها بمدينة سرت، وفي الشهور المقبلة، سيواجه التنظيم معركة من المحتمل ألا ينتصر بها من أجل المركزين الهامين المتبقيين لديه: الموصل بالعراق والرقة بسوريا.

ربما يكون من الأفضل ألا نسأل هذا السؤال، لكنه يجب أن يُسأل رغم ذلك: ما الذي سيحدث بمجرد سقوط داعش؟ ربما سيعتمد مستقبل الشرق الأوسط على مَن سيملأ الفراغ الذي ستخلفه وراءها على الأرض، وربما ما هو أكثر أهمية، في خيال (الجهاديين) حول العالم.

بما أننا نشهد هذا الأسبوع الذكرى الخامسة عشرة لهجمات 11/9، ستكون أحد العواقب المحتملة لزوال التنظيم هو إعادة إحياء منافسها الأيديولوجي، تنظيم القاعدة، الذي عارض طموحات البغدادي منذ البداية، ربما لا تزال القاعدة تستعد لموجة جديدة من الهجمات في الغرب وفي كل مكان، وهو ما قد تتوق بقايا الدولة الإسلامية لفعل مثله لإظهار أنها لا زالت ذات أهمية.

ويقول دانيل بنيامين من كلية دارتموث، والذي عمِل منسقًا لشؤون مكافحة الإرهاب في وزارة الخارجية أثناء إدارة أوباما "ببساطة، لا يعني رحيل داعش انتهاء مشكلة الجهاديين، سيُمثل القضاء على الخلافة إنجازًا، لكنه على الأرجح سيكون بمثابة نهاية البداية بدلًا من أن يكون بداية النهاية".

ما جعل داعش فريدة – وعامل جذب كبير، حتى الآونة الأخيرة، لكثير من الشباب والساخطين من المسلمين – هو نجاحها في إيجاد دولة حقيقية في سوريا والعراق، العام الماضي في مدينة الموصل، كانت أسعار الطعام أقل من مثيلاتها في بغداد وبقيت الشوارع نظيفة، وطرد التنظيم أهالي المدينة المسيحيين والشيعة، ومنع صالونات التجميل النسائية، وحظر على الرجال حلق لحاهم وألقى بمثليي الجنس من الرجال من فوق أسطح المنازل، وعلى عكس حكم طالبان في أفغانستان خلال التسعينيات من القرن الماضي، فإن موقعهم كذلك جاء في قلب الشرق الأوسط حيثُ يستطيع أتباعهم من كافة أرجاء العالم أن يهاجروا إليهم بسهولة نسبية، عبر حدود تركيا.

وعندما أعلن البغدادي عن خلافته، مطالبًا بأن يبايعه كافة المسلمين حول العالم وأن ينتقلوا، إن أمكن، إلى الدولة الجديدة، انتقد زعماء جهاديون ورجال دين أعلى مكانةً تلك الخطوة باعتبارها غير شرعية، رفضوا "الخليفة" باعتباره غير مؤهل وحذروا من أن المشروع بأكمله سينهار حتمًا، وسيُعرض قضية الجهاديين للخطر.

كان أيمن الظواهري، زعيم تنظيم القاعدة، واحدًا من أشد هؤلاء المنتقدين شراسةً، فقد وصف الدولة الإسلامية "بالخوارج" الجدد – طائفة منشقة من صدر الإسلام مكروهة عالميًا ومعروف عنها قتلها للناس دون تمييز وتصف كذبًا المسلمين الآخرين باعتبارهم كفارًا.

لكن مع تزايد قوة داعش، بدا أن مثل هذا النقد بلا أهمية، واعتبرت – إلى جانب مؤيديها ومتطوعيها المحتملين – انتصاراتها على أراضي المعركة في سوريا والعراق وليبيا بمثابة تصديق إلهي على مشروعها، وبدّل العديد من المنتمين لتنظيم القاعدة، بامتدادهم الواسع حتى الفلبين وشمال القوقاز، بيعتهم إلى البغدادي.

بنفس المنطق، رغم ذلك، تقوّض الخسائر على أرض المعركة اليوم الأسس الدينية لداعش، وقال ستيفان لاكروا، المتخصص في الحركات الإسلامية بمعهد الدراسات السياسية بباريس، "ستخلق خسارة الأراضي مشكلة كبيرة لأن جزءًا هائلًا من شرعية داعش منذ إنشائه خلافته المزعومة عام 2014 جاء نتيجة سيطرتها على الأراضي"، وأضاف أن التنظيم جادل "بأن الخليفة ذو شرعية تحديدًا لأنه يسيطر على الأراضي".

يسيطر البغدادي اليوم على مساحات أقل وأقل من تلك الأراضي، بعد تخلي داعش عن بلدة جرابلس السورية وعشرات القرى المجاورة بلا قتال يُذكر في الأسابيع الماضية، "نحن في نقطة هنا حيثُ نقف تمامًا في قلب الخلافة"، كما قال الجنرال جوزيف فوتل، قائد القيادة المركزية الأمريكية، في 30 أغسطس الماضي.

لن تختفي داعش، سواء باعتبارها أيديولوجية أو تنظيم إرهابي، حتى وإن خسرت كافة أراضيها، لقد نجا سلفها في العراق من الحملة العسكرية الأمريكية بين عامي 2007 و2009، لترتد مرة أخرى بعد أن وفّرت السياسات الطائفية للحكومة العراقية التي يقودها الشيعة الثورة ضد النظام السوري برئاسة بشار الأسد فرصًا جديدة لضم الأتباع والتوسع، ومن شبه المؤكد أن داعش حاولت إظهار أهميتها من خلال ارتكاب مزيد من المذابح التي تتصدر عناوين الصحف في المنطقة والغرب، وكما يحذر خبراء مكافحة الإرهاب، قد تكون سكرة موت التنظيم شرسة.

من الممكن أن يستغل المنافس الأيديولوجي الأكبر للتنظيم في الوسط الجهادي، وهو تنظيم القاعدة الذي يقوده الظواهري الوضع الحالي، فالقاعدة تدّعي الدفاع عن السنّة ضد ما تسميه "التحالف الصفويّ الصليبيّ" بين إيران والولايات المتحدة (الصفويون هم سلالة حكمت إيران وحوّلتها في القرن السادس عشر الميلادي إلى اعتناق المذهب الشيعي).

وقد كان الظواهري دومًا شديدَ الانتقاد لتنظيم "داعش"، فقد بدأ بتوجيه النقد عبر قنوات خاصة ثم صار يوجّهه علانيةً، وقد خرجت من عباءة تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين، فرع القاعدة في العراق، بعد وقت قصير من مقتل مؤسس فرع القاعدة الأردني أبومصعب الزرقاوي في قصف جويّ أميركيّ في عام 2006، وقد تنازع الظواهري مع الزرقاوي ومع من خلفوه في قيادة القاعدة في العراق (التي سمّيت لاحقًا باسم "دولة داعش") حول استهداف التنظيم للمدنيين الشيعة وقتلهم مع عدم السعي لضمان دعم شعبيّ لأهداف التنظيم.

ومع اندحار دولة العراق الإسلامية على أيدي القوات الأمريكية والميليشيات السنّية الموالية للحكومة العراقية، أعاد التنظيم تثبيت نفسه مرة أخرى في سوريا مع اندلاع الثورة السوريّة 2011 وتحوّلها إلى حرب أهليّة، وقد أصبح الفراغ السياسيّ والعسكري الناتج عن تلك الحرب ملاذًا للتنظيم، إذ سعى إلى توظيف المظلمة السنّية لاستقطاب المتطوعين من كافة الأنحاء، حتى أصبح التنظيم أبرز منظمة جهادية في العالم، وفي فبراير 2014، وبعد أشهر من الخلافات المريرة، فكّ تنظيم داعش ارتباطه مع القاعدة، وهو انفصال صبّ أيضًا في مصلحة البغدادي في تنافسه مع فرع القاعدة في سوريا، جبهة النصرة، والتي بقيت على ولائها للظواهري حتى فكّ الارتباط مؤخرًا.

وقد خفت نجم القاعدة، وإن لم تختفِ تمامًا، مع تصاعد العمليات الدامية لتنظيم داعش وانتشار تسجيلاتها المروّعة، وفتحت قيادة الظواهري، الطبيب المصريّ والذي يعتقد تواجده الآن في باكستان، تبنّى تنظيم القاعدة مقاربةً أكثر واقعيّة/براجماتيّة، تقوم على اللامركزية في عملياتها، والتجذّر في البلاد التي تعمل فيها، مع تكوين تحالفات مع مجموعات أقل راديكاليّة.

ويقول بروس هوفمان، مدير مركز الدراسات الأمنية في جامعة جورجتاون، "لا بدّ أن الظواهري يجني اليوم ثمار عمله". ويضيف هوفمان، والذي عمل مستشارًا للإدارة الأمريكية في قضايا مكافحة الإرهاب، إنّ الظواهري "قاد القاعدة بطريقة أكثر دقّةً وبراعة من سلفه، وأنه استطاع دومًا أن يكون الأكثر صبرًا في اللعبة، وما يراه اليوم ليس إلا تأكيدًا على صحة استراتيجيته"، فمع قيام الدولة الإسلامية "باستنفاذ كل الهواء في الغرفة" المتاحة للمسؤولين الغربيين في مجال مكافحة الإرهاب، تشتت الأنظار عن القاعدة ولم يعد أحد ينتبه إليها.

وفي الأسابيع الأخيرة، قام الظواهري بتكثيف انتقاداته للدولة الإسلامية، والتي يدعوها باحتقار وسخرية "مجموعة إبراهيم البدري" (وهو الاسم الحقيقي لأبي بكر البغدادي)، واصفًا المجموعة المنافِسة بأنها "خنجر في الظهر" للجهاديين السنّة. وفي خطاب بثّ على شبكة الإنترنت، قارن الظواهري بين ما وصفه "هاوية التطرف وبقائها أداة يروّج بها الكفار ضد الجهاد، وسفك الدم الحرام" الذي تقوم به الدولة الإسلامية وبين "جهود القاعدة لتوحيد السنّة".

ومما يلفت النظر قيام القاعدة بالتركيز مؤخرًا على العمل ضمن تحالفات أوسع، خاصة في سوريا، فقد نفت جبهة النصرة أيّة نيّة للقيام بهجمات خارج سوريا، وقد أعلنت في يوليو الماضي فكّ ارتباطها بتنظيم القاعدة، الخطوة التي اعتبرها مسؤولون غربيّون مجرّد حيلة، إلا أنها جعلت الجبهة أكثر قبولًا لدى بعض المجموعات السنيّة الأخرى، ومع إعادة تسمية النصرة لنفسها، تعمل اليوم تحت مسمّى "جبهة فتح الشام"، والتي صارت تضم جهاديين ومقاتلين معتدلين ممن تدعمهم الولايات المتحدة، ويثمّن الكثير من السنّة السوريين جهودَ الجبهة في قتال نظام الأسد المدعوم من قِبَل إيران، خاصة في مدينة حلب شماليّ سوريا، ويستشيطون غضبًا تجاه الجهود الأمريكية لاستهداف الجبهة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل