المحتوى الرئيسى

التشاؤل والتساؤل | المصري اليوم

09/10 22:38

■ «مصر رايحة على فين؟»، «إنت متفائل ولا متشائم؟». سؤال يطرحه العديد من الأصدقاء على بعضهم البعض، ظانين أنه سؤال المرحلة- علماً بأنه سؤال أزلى فى كل المراحل، أسمعه منذ وعيت إلى الدنيا- وإجابتى الدائمة هى «متشائل ومتسائل».

■ فى منتصف السبعينيات من القرن الماضى، أصدر الروائى الفلسطينى المبدع «إميل حبيبى» رائعته «الوقائع الغريبة فى اختفاء سعيد أبى النحس المتشائل». وتعبير «المتشائل» هو دمج لكلمتى «المتشائم» و«المتفائل». وبطل الرواية يتساءل.. لا يعرف.. هل هو «متفائل»، أم «متشائم»؟. يمر بالعديد من المحن، وبعد كل محنة يمر بها، يرضى ويقنع، فلقد كان من الممكن أن تصيبه محنة أكبر.

■ «إميل حبيبى» (عرب 48). كان من عشاق الثقافة المصرية بكافة مكوناتها من أدب وفن، وملماً بكل تفاصيلها، وتربى عليها (كما صرح هو ذاته بذلك). وله حق «صك» كلمة «المتشائل»، أو على أقل تقدير «إشهارها».

■ للتفاؤل دواعٍ وللتشاؤم أسباب، ولست من المتشائمين، مذهبيا، ولا من المتفائلين تعاميا وإنكارا لواقع الحال الملموس ومستقبله المنظور.

■ «التفاؤل» و«التشاؤم» كلاهما أدوات وآليات «نفسية» «منهجية»، لا «مذهبية». هما سلاح ذو حدين، أدوات، يمكن الاستعانة بها- مؤقتا- للتحفيز الإيجابى. ولا يجب الإفراط والركون إليهما كلية، ففى ذلك مثالب خطيرة على الهمم والعزائم، فكلٌّ بمقدار، و«المقدار» هو.. «التشاؤل».

■ الإفراط فى التفاؤل يؤدى إلى الاطمئنان الكاذب، والتراخى. وكذلك التشاؤم المفرط يؤدى إلى اليأس والموات والعجز عن الحركة.

■ الحياة لا تستقيم ولا تستمر بدون الحركة.. الفعل.. فليتشاءم المتشائمون وليتفاءل المتفائلون، ولكن دون التوقف عن الفعل.. عن الحركة، والحركة التى نعنيها ليست مجرد فعل مادى آلى، أو طاقة هستيرية، لا تؤدى إلى شىء.. يد تبنى ويد تحمل معول الهدم. بل يجب أن تسبقها وتصحبها حركة فكر مستمرة، قائمة على تساؤلات لا تتوقف، فمع كل تشاؤم نطرح التساؤلات، ومع كل تفاؤل نطرح المزيد من التساؤلات، ونكون دائما فى حالة «تشاؤل». والتشاؤم محطة أولى لإدراك ضرورة التغيير، ولا يجب الوقوف عندها، وعلينا تجاوزها بالتفاؤل بإمكانية حدوث هذا التغيير. و«دوام الحال من المحال». والحياة لا تستمر إلا بجدلية التناقض.. التفاؤل والتشاؤم..

■ مفهوم التفاؤل والتشاؤم، فى حديثنا هذا، هو المفهوم الاجتماعى البسيط. لا يوغل فى تناول العمق الفلسفى لهما، ذلك الذى أثرى التراث الإنسانى بروائع الأعمال الفلسفية والأدبية، منذ القدم، مروراً بأبى العلاء «المعرى» و«فولتير»، و«شوبنهور» و«نيتشه» و«كامو» وغيرهم.

■ التفاؤل والتشاؤم هما رؤية متوقعة للمستقبل. وحين لا تعتمد تلك الرؤية على أسباب منطقية أو واقعية مباشرة يصبح ذلك شعوراً سلبياً مَرَضياً غير محمود. وبعض الدراسات النفسية أوضحت أن لكلا الشعورين (التفاؤل والتشاؤم) جوانبه الإيجابية. فالمتشائم منشغل بالأمن والأمان، يتوقع الأسوأ، فيستعد لمواجهته. والمتفائل منشغل بالنمو والبناء، ويتوقع الأفضل، فيواصل العمل بحماس.

■ ثبت علمياً وإكلينيكياً، إلى حد كبير، دور التفاؤل والتشاؤم فى الصحة النفسية والبدنية، فالتفاؤل يقوى جهاز المناعة فى مواجهة العمليات الجراحية الكبيرة، وبعض الأمراض الخطيرة، مثل بعض أنواع السرطانات. كما أنه لا حاجة لنا لذكر أخطار التشاؤم على الصحة البدنية والنفسية للأفراد.. وعلى المجتمعات أيضا.

■ وفى نطاق الموروث «الخرافى» و«الخزعبلات»- الذى لا يخلو منه تراث أى أمة- يكون للألوان والأرقام والأيام والسِّحَن والحيوانات وأشياء أخرى كثيرة، دور فى التشاؤم والتفاؤل، غير المبرر علميا، وإن ارتكز أحيانا على خبرة سابقة، ذاتية أو مجتمعية، فيجرى تعميمها تعسفاً، وتتواتر وتتوارثها الأجيال. وتسرى الخرافة فى الوجدان الجمعى- مستقلة عن مبرر نشأتها المنسى أو المجهول- وتستقر استقرار الحقائق العلمية.

■ رموز ودلالات التفاؤل والتشاؤم تختلف أحيانا وتتفق أحيانا أخرى من مجتمع لآخر.

■ اللون الأصفر، على سبيل المثال، مدعاة للتشاؤم فى بعض المجتمعات والثقافات، وهو ذاته مدعاة للتفاؤل فى مجتمعات وثقافات أخرى، وكذلك الرقم «13»، وهو الأشهر فى مسألة التشاؤم، حتى إن بعض الأبنية تُرقم برقم 12 وبجواره حرف الألف، بدلاً من الرقم «13».

■ رؤية «الغراب».. نذير شؤم، ويصفه العامة بـ«غراب البين».. والبين هو البعاد.. وربما تعود تلك الصفة إلى قصة الطوفان، فلقد أطلقه نوح من سفينته أثناء الطوفان لكى يستكشف وجود أى أرض انحسرت عنها مياه الطوفان، ليرسو عليها، فذهب ولم يعد بخبر سعيد.. فيطلق الحمامة، فتعود وفى فمها ورقة من غصن زيتون، مما يبين عن وجود أرض قريبة، فتصبح الحمامة رمزاً للتفاؤل والأمان والسلام على مر الزمان. أما الغراب المسكين، الذى هو من أذكى الطيور، فتسوء سمعته ويصبح رمزاً للتشاؤم والبعاد، وضحية لرواية «العهد القديم».

■ «البومة»، التى هى رمز للتشاؤم لدينا، هى ذاتها رمز للتفاؤل والحكمة لدى معظم الثقافة الأوروبية.

■ المتشائم هو مَن يرى فى كل فرصة صعوبة. والمتفائل هو مَن يرى فى كل صعوبة فرصة. (تشرشل)

■ ثقافة المأثور الشعبى تعبر عن العامل النفسى ، ونهرالمتشائم المفرط ببراعة فى مقولة: «اللى يخاف من العفريت يطلع له»، وأيضا: «وقوع البلا ولا انتظاره».

■ المتفائل والمتشائم، لكليهما دور مهم فى المجتمع، فالمتفائل يبتكر الطائرة، والمتشائم يبتكر الباراشوت. (برنارد شو).

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل