المحتوى الرئيسى

إيكونوميست: حرب وحشية على الأطباء في سوريا

09/10 09:07

    في صباح يوم شتوي من شهر فبراير،  أطلقت طائرات حربية موالية للرئيس السوري بشار الأسد سلسلة من الصواريخ على المستشفى الميداني في شمال سوريا.وتسابق مسعفون نحو سحابة كثيفة من الغبار الرمادي انتشرت فوق المبنى، ثم تسلقوا الطوب والأشجار المتساقطة لسحب الجرحى من تحت الأنقاض.

وبعد حوالي 40 دقيقة، أطلقت طائرات نفاثة ـ ليس من المعروف كونها روسية أو سورية ـ قنبلة أخرى على الممرضات والطبيب أثناء قيامهم بإسعاف الجرحى.وقتلت الضربات الجوية 25 مدنيا، بينهم ثمانية من العاملين في المجال الطبي، مما يجعله الهجوم الاكثر دموية على العاملين في المجال الطبي منذ بداية الحرب في سوريا في عام 2011.

ولم تكتف الطائرات المهاجمة بما حصدته من قتلى، فتتبعت سيارات الإسعاف تنقل الجرحى الى مستشفى ميداني آخر على بعد ثلاثة أميال شمالا، ثم قصفت مدخل المستشفى بصاروخ آخر ثم قنبلة أخرى بعد مرور عشر دقائق.

ونقلت مجلة أيكونوميست في افتتاحية لها عن أحمد طاراقجي رئيس الجمعية الطبية الأميركية السورية، التي تمول المستشفى الثاني الذي تعرض للقصف في ذلك اليوم  قوله: "لاشك أنهم كانوا يعرفون ما يفعلون".

  ويعرف هذا النوع من الهجمات في المصطلحات الحربية، بالهجمات "المزدوجة" أو "الثلاثية"، وهو تكتيك مدمر، يستخدم لضرب المدارس والمخابز والأسواق، وصار سمة مشتركة للحملة الجوية التي تشنها الحكومة السورية؛ وفقا لما تقول الصحيفة التي سخرت من أن "الدكتور الأسد يحول مستشفيات سوريا الى فخاخ للموت كجزء من سياسة: إما الركوع أو الجوع".

  ومنذ بداية الحرب، تم قصف أكثر من 265 منشأة طبية، ويعتبر الشهر الماضي،  الأكثر دموية منذ بدء الحرب، حيث كانت القنابل والصواريخ تصيب مستشفىأو عيادة ميدانية كل 17 ساعة. وينفي الخبراء أن تكون أي حرب سابقة قد شهدت مثل هذا الاستهداف المنهجي على نطاق واسع للمستشفيات والعاملين في المجال الطبي.

وتؤكد جماعات حقوق الإنسان ومسؤولون في الأمم المتحدة على أن الكثير من هذه الهجمات متعمد. كما لا يكاد يكون هناك شك في هوية المسؤول عن هذه الهجمات.

الذين  يتولون توثيق الهجمات على المنشآت الطبية ذكروا أن الحكومة السورية وداعميها الروس شنوا أكثر من 90٪ من الهجمات. وقالت  سوزانا سيركين من منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان، التي تتولى التأريخ للفظائع في سوريا، ومقرها نيويورك: "لم تتعرض المستشفيات للقصف في أفغانستان واليمنوالصومال والسودان. لقد وجهت حكومة الأسد أسلحتها نحو مقدمي الرعاية الصحية ".

    وتؤكد إيكونوميست على أن الرئيس السوري يسعى إلى جعل الحياة لا تطاق بالنسبة للمدنيين المحاصرين في مناطق المتمردين، من خلال حصاره للمناطق التي يسيطر عليها المتمردون وقصف المباني المدنية. وهو أسلوب كلاسيكي لمكافحة التمرد، في استجابة تقشعر لها الأبدان لمقولة ماو تسي تونج "ان حرب العصابات  يجب أن تتحرك بين السكان كما تسبح السمكة في البحر". وقد صممت سياسة الأسد "الركوع أو الجوع" ـ كما تشير نقوش كتبها موالون للحكومة على الجدران ـ لحرمان المتمردين من البحر الذي تسبح فيه.

  ويبدوأن هذه السياسة تؤتي أكلها، ففي الشرق المحاصر من حلب، يقول السكان انهم يعيشون داخل "دائرة الجحيم". حيث لا يعمل سوى ربع مستشفيات المدينة،  ويندر وجود وقود المولدات اللازمة لتشغيل المعدات الحيوية. وعندما ضربت غارات جوية بنوك الدم والأكسجين، ترك المرضى للموت بكل بساطة. ولم يتبق سوى أقل من 35 طبيبا لعلاج سكانها البالغ تعدادهم ٣٠٠ ألف، والباقون أما فروا أو قتلوا أو وضعوا رهن الاعتقال والتعذيب.

وفي بلدة مضايا القريبة، التي يسيطر عليها المتمردون، لم يبق سوى اثنين فقط من طلاب طب الأسنان،  وطبيب بيطري لعلاج سكانها البالغ تعدادهم أربعين ألفا.

 من جانبه، قال طبيب أطفال من بين القلة الباقية من الأطباء: ""تهدف الهجمات إلى ترويع المدنيين. أثناء الحصار، لا يريد الناس التبرع بالدم، ويفضلون الاحتفاظ بها لأنفسهم. ويخشى الكثيرون الذهاب إلى المستشفيات لأنهم يعرفون أنها ستتعرض للقصف".

  ويتشبث المتمردون  بالبقاء في حلب، على الرغم من كثافة الغارات الجوية الروسية والسورية. وفي ٢٦ أغسطس الماضي، استسلم المتمردون في ضاحية داريافي دمشق، بعد أن تحملوا حصارا دام أربع سنوات، اضطر فيهم السكان إلى أكل العشب للبقاء على قيد الحياة. وقبل أسبوع من الاستسلام، قصفت القوات الجوية الحكومية المستشفى الأخير المتبقي، وكان الأسد نفسه قد تلقى تدريبا فيه كطبيب.

   وقد أجبر تدمير النظام الصحي السوري الأطباء والجمعيات الخيرية الطبية على اللجوء إلى طرق مبتكرة للهروب من القصف اليومي؛ كأن تبني وكالات المعونة الممولة من الغرب عددا من المستشفيات السرية تحت الأرض، أو تشق أنفاقا في في جانب أحد الجبال لبناء عنابر داخل الكهوف. ولكن التكاليف باهظة.

ويمكن ان يكون لتجربة الحرب والهجمات المستمرة على المرافق الصحية والعاملين في المجال الطبي انعكاسات أوسع نطاقا. فقد أثار عجز المجتمع الدولي عن وقف الهجمات مخاوف من أن يصبح الاستهداف المتعمد للمرافق الطبية تقليدا جديدا في حروب المستقبل.

وعلى حد قول ويدني براون من منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان "صيغت قوانين الحرب لحماية المدنيين، وجعل الحرب أقل الجهنمية. لكن هذه القوانين تتآكل في سوريا .. فعندما لا ينفذ أحدا هذه القوانين،وعندما لا يحاسب أولئك الذين يرتكبون جرائم حرب، ما هي الرسالة التي يطرحها ذلك؟"

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل