المحتوى الرئيسى

«يا للعجب» لفيرنر هيرتزوغ... إيديولوجيا الانترنت العلمانية

09/10 02:37

يعود أصل فيلم الألماني فيرنر هيرتزوغ «يا للعجب: أحلام يقظة العوالم المتصلة» إلى فكرة ترويجية لشركة متخصصة بأنظمة أمن الانترنت، تتكون من تقاطعات سينمائية حول موضوع، تتصاعد منه عمليات قرصنة مدبّرة واختراقات مخابراتية وفضائح مكروهة وتسريبات مدسوسة. بيد أن ما أنجزه مخرج «فيتزكرالدو» (1982) كشف لنافذي شركة «نتسكاوت» الأميركية أن رؤى الرجل قاربت يقيناً «سيبيرنطيقياً» على درجة عالية من المخاطرة. إذ شككت بصائر صاحب اللكنة البافارية الثقيلة والمميزة، بثقافاته المستحدثة وعاداته الشاذة و «صناعته» إنساناً حداثياً مهووساً بطرائقه الثوروية، في إتاحة تواصلات لا حدّ لقنواتها بين أقرانه. تقنية لا ترعبها رقابات أو قوانين، ولا تعرقل اختراقاتها سواتر. أصرّت المحاججة الإيديولوجية لهرتزوغ على أن هذا اليقين على درجة راقية من علمانية شديدة المادية، تعاند مشافهات الغيبيات وتجبرها على التحلل والانكفاء والانهزام. فأجهزته وألعابه المغرية التي تحاصرنا هي أدوات دين معقد ليس له لا إله ولا مرجعية أو بيت عبادة.. هل هي صورة استعارية برسم ادعاء متثاقف؟

لا يخشى نصّ هيرتزوغ هذه التهمة، بل إنه يؤكدها عبر فصول عشرة، تبدأ من غرفة عادية تحمل الرقم 3420 في جامعة مدينة لوس أنجليس الأميركية التي تشكل «الرحم المقدس» ـ (ينعته المخرج/ المعلق بـ «الضّريح») ـ الذي ولّد أول صومعة أنترنت، افتتحت اتصالها البكر العام 1969 بحرفين من ثلاثة لم يكتمل إرسال الأخير (جي) هما بالانكليزية (L) و(O)، الحرفان الأولان من التعبير الشهير «لو وبيهولد» (LO AND BEHOLD أي «ياللعجب»)! قبل أن يقودنا الخلق الدؤوب بعد سنوات الى أكبر ثورة عقلية وخدمية وترابطية. يعرفنا ليونارد كالينروك أحد رواد التفكير به ورسم خرائطه وإحداثياته، في زيارة نادرة وتاريخية لمدة 4 دقائق مدهشة، لصندوقه الأبيض حيث يكشف عن «أحشائه» التي وصفها بأنها «بشعة، لكنها ساحرة». بينما ينتهي الفصل الأخير بقناعات علماء ومخترعين ومنظرين حول فكرة مرعبة يصبح فيها أحفادنا عبيداً مطلقين الى روبوتات ذكية من سلالة الكائن الآلي القزم «أسيمو»، ابن شركة «هوندا» اليابانية، و «أنترنت شبحي» بخيال شيطاني يملك قدرات خرافية على نقل الأفكار أو «استعمارها» أو استغلالها. يتهكم أحد ضيوف هيرتزوغ الكثر على ما ستؤول اليه أمور البشرية ومستقبلها الغامض، إلى رسم كاريكاتوري نُشر في صحيفة «نيويورك تايمز»، لكلبين أمام شاشة كمبيوتر، يقول الكبير الجالس على كرسيه لصاحبه: «على الأنترنت، لا أحد يعرف أنك كلب»!

المزحة ليست في انمساخ البشر الى «كلاب مجهولة السحنات»، بل لإصرارهم على «كلبية» ولاءاتهم لآلات صغيرة الحجم وهائلة الذكاء والقوة، لا ضمير لها ولا عواطف. يؤكد عنوان صاعق شعّ على شاشة هرتزوغ حجم تغوّلها وسيطرتها المستترة، حيث انه في حلول العام 2020، سيكون هناك 31 مليار جهاز كمبيوتر حول العالم، توفر خدمات أنترنت الى 4 مليارات من ساكني الكوكب الأزرق. إذاً ما مراهنات إنسانيتنا؟ يجيب كالينروك بقناعة استفزازية ومستندة الى خشيته العظمى من «فقدان التفكير العميق والخيالي والإبداعي»، حيث ان «الحواسيب والى حد ما الأنترنت هما أسوأ عدوين له. يستخدم الفتية هذه الأجهزة اليوم لتحل بديلاً من اختباراتهم للأشياء التي يعاينونها من حولهم». مشيراً الى أنهم «لا يفهمون ما ينظرون اليه أو يسمعونه أو يتعلمونه. فهم يعتمدون على الأنترنت كي يخبرهم كيف يفكون شفراته. هم ينظرون الى أرقام بدلاً من أفكار. إنهم يخفقون في إدراك المفاهيم. هذه معضلة جسيمة». أهذا كلام مكرور؟ الى حد ما، بيد أن هرتزوغ سبق هذا التصريح المرير بفقرة صادمة عنوانها «الجانب المظلم»، كشف فيها خضوع مهووسين ـ يتخفون خلف هويات سايبيرية ـ لما سُمي بـ «روح الشيطان» التي تدفعهم الى ارتكاب سقطات أخلاقية لا رأفة فيها، ولن يكفيها عقاب السماوات. يعرفنا على عائلة آل كاتسوراس الذين دفنوا للتو الشقيقة المراهقة الرابعة نيكي إثر موتها في حادث سيارة. تتعاظم فاجعتهم مع اكتشافهم تداولاً واسع النطاق عبر الأنترنت لصور شائنة تعرض رأسها المقطوع، مرفقة مع تعليقات بغيضة، اعترف هيرتزوغ بأن «من بشاعتها لا يمكننا تكرار ذكرها»!

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل