المحتوى الرئيسى

ماذا يعرف المصريون عن الأمازيغ؟! | المصري اليوم

09/10 01:41

الأمازيغ هم السُكان الأصليون لشمال أفريقيا، الذى تشغله الآن خمسة أقطار عربية هى: موريتانيا، والمملكة المغربية، والجزائر، وتونس، وليبيا.

وتُشير الكتابات الأوروبية والعربية الكلاسيكية إلى الأمازيغ باسم «البربر» (Berber). ولكن الأمازيغ المُعاصرين لا يحبون، ولا يُحبّذون استخدام مُصطلح «البربر»، لأنه يختلط فى الأذهان عند بقية العرب وغيرهم بمُصطلح «البرابرة»، الذى ينطوى على مدلولات سلبية، مثل «الهمجية»، و«التوحش» و«العدوانية» و«الفوضى»، بينما الأمازيغ فى الواقع هم غير ذلك على الإطلاق، لا فى نظر أنفسهم، ولا فى نظر المُختصين من عُلماء الأجناس والأنثربولوجيا والتاريخ. ولذلك نهج مُفكروهم، والمُثقفون من بينهم على تعمد استخدام لفظ «الأمازيغ».

ومن هؤلاء أحد المُتخصصين المغاربة فى علم اللغويات، و«الألسنية» والإنجليزية وآدابها، وهو الدكتور مو الناجى، وزوجته العربية المغربية، الدكتورة فاطمة الناجى. وفى الواقع فإن هذا الزوج (مو وفاطمة) هما نموذج حى للتزاوج والتعايش الإيجابى بين العُنصرين الأمازيغى والعربى.

بل جدير بالتنويه أن سلاطين وملوك المغرب العرب أنفسهم، كانوا قد استنوا هذه السُنّة طوال القرون الخمسة الأخيرة، فكان ولا يزال أخوال أفراد الأسرة العلوية الحاكمة هم من الأمازيغ، بينما الآباء والأعمام من العرب.

ولذلك باءت بالفشل كل محاولات الاستعمار الفرنسى للوقيعة بين العرب والأمازيغ، حتى تسود الفُرقة فى النصف الأول من القرن العشرين. فأصدرت السُلطات الاستعمارية قانوناً خاصاً يُسمى «ظهير البربر»، يُفرق فى المُعاملات الرسمية بين ذوى الأصول العربية من ناحية، وأولئك الذين ينحدرون من أصول أمازيغية (البربر)، من ناحية أخرى.

ورغم أن «ظهير البربر» كان يُعطى البربر بعض المميزات، إلا أنهم كانوا هم أول من رفضوا ذلك القانون، حيث أدركوا، وبحق، أن المقصود «بظهير البربر» هو التفرقة والوقيعة بين عُنصرى المجتمع المغربى، عملاً بالمُمارسة الاستعمارية التى تتلخص فى كلمتين هما «فرّق تسُد». وفى ضوء المُظاهرات العارمة لأبناء المغرب، عرباً وبربراً، اضطرت سُلطات الاحتلال الفرنسى إلى سحب وإلغاء «ظهير البربر».

ولا بد من التنويه هنا أيضاً بالمُمارسات المُستنيرة للعرش الملكى المغربى، الذى سمح وشجّع على اعتماد اللغة الأمازيغية، كلغة رسمية، إلى جانب العربية والفرنسية فى كل المُعاملات الرسمية للدولة المغربية.

ولذلك لم يشهد المغرب ما شهده بلدان آخران فى شمال أفريقيا من توترات عُنصرية ـ ثقافية بين النُخبة الحاكمة فى كل من موريتانيا والجزائر، بسبب إنكار تلك الحقوق الثقافية المشروعة ـ أى الحق فى تعلم اللغة ومُمارسة الثقافة الأمازيغية، وخاصة من خلال قنوات إذاعية وتليفزيونية، وتعليمية.

إن المُمارسة المغربية المُتقدمة فى التعامل مع التنوع الثقافى فى مجتمعها، هو ما يطلق عليه العُلماء الاجتماعيون مُصطلح «التعددية الثقافية» (Cultural Pluralisms). وهى السياسة الاجتماعية ـ الثقافية التى تُكرّس التنوع الثقافى والعِرقى مع المُساواة السياسية والمدنية الكاملة.

وبتعبير آخر فإن مذهب التعددية الثقافية ينطوى فى جوهره على حقى الاختلاف والمُساواة. ولا يجعل أحدهما بديلاً للآخر.

وقد حلّ هذا المذهب التعددى محل مذهبين ومُمارستين سابقتين فى إدارة التنوع الإنسانى. كان المذهب الأول هو مذهب «الاستعلاء العُنصرى»، أى أن تفرض إحدى الجماعات العِرقية سطوتها وهيمنتها على جماعة أو جماعات أخرى، تعيش معها فى نفس المجتمع، ولكن الجماعة المُهيمنة تعتبرها أقل جدارة أو استحقاقاً للمُعاملة الإنسانية والسياسية على قدم المُساواة. وهو ما كان عليه الأمر فى الولايات المتحدة، وجنوب أفريقيا، وإسرائيل. وقد ثار العالم كله على تلك المُمارسات الاستعلائية، التى أصبحت فى طريقها إلى الزوال.

كذلك كانت هناك سياسة ومُمارسة «قدر الانصهار» (Milting Pot) وفحواها أن على جميع العناصر والتكوينات البشرية التى تعيش فى نفس المجتمع أن تنصهر فى كيان جمعى مُتجانس، ويختلف عن أى من التكوينات الأصلية التى دخلت عملية الانصهار. ولكن اتضح فى المُمارسة أن أيديولوجية «قدر الانصهار» تلك هى أسطورة أو أكذوبة، تروّج لها عادة إحدى الجماعات الأقوى فى مواجهة الجماعات الأخرى، لكى يكون التخلى عن الهوية الأصلية لكل جماعة ثمناً للمُساواة. وكانت الولايات المتحدة فى النصف الثانى للقرن العشرين هى الميدان الرئيسى الذى شهد مُساءلة، ثم رفض، كل من مذهب قدر الانصهار والاستعلاء العُنصرى، لكى يسود إلى تاريخه مذهب التعددية العِرقية والثقافية مع المُساواة السياسية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل