المحتوى الرئيسى

"البس عشان خارجين".. مغامرة كوميدية مستمرة

09/10 01:58

على أفيشات الفيلم وتتراته نجد عنوان الفيلم منقوصاً كلمة رأت الرقابة أنها غير مناسبة وهي ـ للعجب ـ كلمة "البس"، ليصير "البس عشان خارجين" هو "عشان خارجين" فقط، رغم أن جمهور الفيلم قبل صنّاعه، وموظفي الرقابة والشهر العقاري، وكاتب هذه السطور وقارئها، جميعهم يعرفون الاسم الأصلي ويستخدمونه، بل ويدركون أنه ليس خارجاً لا على مستوى اللفظ ولا على مستوى الدلالة، لكنها تحكمات الرقابة المصرية التي تعودنا عليها بمرور الأعوام.

هل يشكل الأمر فارقاً كبيراً أن يتضمن العنوان كلمة "البس" أو لا؟ الحقيقة أنه يشكل فارقاً لسببين، الأول سبب عام هو الكذبة التي مُررت إلينا قبل شهور بأن قانون الرقابة قد تغير وصار نظاماً للتصنيف العُمري، بينما واقع الأمر أن شيئاً لم يتغير ولا يزال صانع الفيلم مُجبراً على تعديل عنوان عمله كي ينال تصريح العرض. السبب الثاني يخص الفيلم تحديداً، وهو أن العنوان الأصلي ليس فقط خفيف الظل مستمد من العبارات الشائعة بين الشباب، لكنه مرتبط بدراما الفيلم وبفهم مخرجه خالد الحلفاوي للنوع الكوميدي الذي صار خلال شهور معدودة أحد أهم الأسماء التي تقدمه حالياً.

الكوميديا هي المفارقة، هي رد الفعل المخالف للتوقعات، والحركة التي لا ينتظر المشاهد قدومها، والعبارة التي تحمل أكثر من معنى. الوصف الأخير ينطبق على عنوان "البس عشان خارجين" الذي يحمل دلالة مزدوجة، فالأحداث تبدأ عندما يتأنق البطلان حسن الرداد وإيمي سمير غانم من أجل مقابلة للتعارف بغرض الزواج، ليظهر رجل غريب ويترك لهما حقيبة بها مليون جنيه تدخلهما في سلسلة من المواقف والمآزق. أي أنهما طبقاً لمعنى العبارة الحرفي "لبسا" كي يخرجا، وطبقاً لدلالتها في اللهجة الدارجة "لبسا" بخوض مغامرة عسيرة لم ترد على بالهما.

العنوان تم اقتطاعه وبقى الفيلم نفسه دليلاً على استمرار نجاح ثنائي الرداد وإيمي للمرة الثانية بعد فيلمهما السابق "زنقة ستات" في تقديم أفلام مضحكة ومسلية، تعتمد على سيناريو جيد بمقاييس الكوميديا التجارية، وعلى أبطال منفتحين على أداء كل أشكال المشاهد والشخصيات (خاصة الرداد الذي يقدم للمرة الثانية مشاهد قد يرفض كثير من النجوم تقديمها)، وعلى مخرج يسير بثبات في فيلمه الثالث على الخط الرفيع للفيلم الكوميدي الذكي، بما يعنيه هذا من توازن بين ضرورة قيام العمل على حكاية متماسكة قبل أي نكات أو نجومية، وبين كون الحكاية لا تعني شيئاً بمفردها ما لم يكن الناتج النهائي مضحكاً.

شخصياً أفضل أن يُنسب الفيلم لمخرجه، حتى لو كان عملاً يقف في نقطة وسط بين فيلم المخرج وفيلم المنتج وفيلم النجم مثل "البس عشان خارجين". هذا التفضيل يزيد في حالة امتلاك المخرج لمقومات المشروع الخاص، وهو ما صار أمراً بادياً للعيان بالنسبة لخالد الحلفاوي الذي قدم "زنقة ستات" ثم "كدبة كل يوم" قبل الفيلم الجديد، وفي كل من أفلامه نجد محاولة لتجريب شكل مختلف من الكوميديا حتى لو تكررت أسماء النجوم أو المنتجين.

"زنقة ستات" كان كوميديا عوالم وشخصيات غريبة يدخلها البطل بالتوازي فيغير من تصرفاته حسب العالم الذي يتعامل معه، بينما "كدبة كل يوم" كان فيلماً ذا عالم فيلمي متجانس تدور معظم أحداثه في مكان وزمان محدود يجمع عدد من الشخصيات التي تعاني كلها من أزمات عاطفية.

أما في "البس عشان خارجين" الذي كتبه فادي أبو السعود عن فكرة لهشام ماجد وشيكو، فهو لأول مرة حكاية ذات خط درامي واحد، لها بطلان فقط يخوضان رحلة زمنها يومين تقريباً، يقابلان خلالها عدداً من الشخصيات ويدخلان متوالية من المواقف الصعبة، وهو شكل درامي مختلف عن الفيلمين السابقين، وبالأخص في كون البطلين ليسا صاحبي قرار وإنما يتحركان وفقاً للأحداث، بما يخلق ديناميكية وحرية أكثر في البناء الدرامي، الذي يكون دوره هنا خلق المزيد من المواقف الطريفة المتراتبة بقدر مقبول من المنطق، وهو ما نجح السيناريو فيه إلى حد كبير.

للدقة نقول أن الدخول للمواقف كان جيداً في معظم الأوقات بينما لم يكن الخروج منها بقدر الجودة نفسه، فهناك دائماً تبرير مقنع آت من الحكاية لذهاب البطلين إلى الحي الشعبي أو الكباريه أو حفل الأطفال، لكن طريقة إنهاء الموقف بعد استغلاله كوميدياً جاءت أكثر من مرة متسرعة مبتورة، وكأن المشهد أو التتابع قد استنفذ حاجة الإضحاك إليه فوجب إنهاؤه سريعاً، وأبرز مثال على ذلك هي طريقة الخروج من مأزق الاحتجاز لدى المجرم، والتي لن نسرد تفاصيلها تفادياً لحرق الأحداث.

نتحدث فيما سبق بالطبع عن المنطق بالمعنى الكوميدي للكلمة، فليس من الضروري أن يكون الفيلم الكوميدي محكم البناء المنطقي، بل إن بعض الإضحاك يأتي أحياناً من تجاوز المنطق، ولكن نقصد أن يكون المشهد مكتملاً مشبعاً مؤدياً إلى ما بعده بشكل قابل للتصديق.

الفيلم ينطلق فعلياً بعد ربع ساعة من بدء زمنه، وبالتحديد من مشهد المقابلة بين "رمزي" و"ليلى" اللذان لا يكادان يتركان بعضهما من لحظتها حتى نهاية الأحداث. بدءً من هذا اللقاء وظهور حقيبة المليون جنيه تسير الحكاية على الصورة التي أوضحناها بإيقاع مناسب وكوميديا مستمرة. لكن حتى حدوث هذا اللقاء عانى الفيلم من مشكلة في الإيقاع تظهر للمرة الأولى في أفلام المخرج. مشكلة سببها الواضح هو الرغبة في الانتهاء من الدقائق التقديمية سريعاً، والدخول إلى صلب الموضوع بانطلاق المغامرة الحقيقية.

الهدف مقبول بالطبع، لكن مشكلته هي أن السرعة جاءت على حساب أمرين رئيسيين، أولهما إيقاع النكات أو "الإيفيهات" التي لم ينتبه الجمهور لبعضها ـ رغم جودته ـ بسبب السرعة في إلقاءها وتجاوزها دون منح المشاهد الزمن الكافي لفهم النكتة والاستعداد لما بعدها. والأمر الثاني هو تقديم المعلومات الكافية عن الشخصيات الرئيسية، خاصة شخصية البطل "رمزي" الذي لا نعرف عنه سوى معلومتين متناقضتين تماماً، فهو موظف فاشل تماماً في عمله لكن مشكلته مع الفتيات هي تفاهتهن، دون أن يظهر ولو سبباً ينفي عن نفسه كونه أكثر تفاهة!

الفيلم نجا من مشكلات هذا التأسيس المرتبك بسبب جودة المغامرة الرئيسية وخفة ظلها، لكن لابد من لفت نظر المخرج الموهوب لهذا الخلل الكفيل بوضع مسافة بين الشخصية والمشاهد الذي لا يفهم دوافعها، ناهيك بالطبع عن إهداره لضحكات كانت لتصير أفضل فقط لو مُنحت لحظات إضافية كافية لاستيعابها.

أمر آخر نتحفظ عليه في الفيلم هو إدراج الأغنية التي يغنيها محمود الليثي وبوسي في نهاية العمل، بعد أن ظهرت مختصرة بشكل مقبول درامياً عندما ذهب البطلان خلال الأحداث إلى الكباريه. وجود الأغنية بهذه الصورة أمر متكرر من "زنقة ستات" ربما يكون شكلاً للتفاؤل بتكرار النجاح. لا اعتراض على استخدام أغنية شعبية كأداة ترويج لفيلم كوميدي، بل ولا اعتراض من حيث المبدأ على أن تستخدم الأغنية كتترات ختامية، لكن المشكلة هنا أن نهاية هذا الفيلم تحديداً تقوم على القطع المفاجئ بصورة سيفهمها من يشاهد الفيلم، والإصرار على وضع الأغنية بعد هذه النهاية أفسد تأثيرها تماماً، حتى أنه كان من الأفضل الاستغناء عن الحدث الختامي طالما كان من الضروري إدراج الأغنية، فتكون بمثابة الاحتفال بالنهاية الطبيعية بارتباط رمزي وليلى العاطفي (وهذا ليس حرقاً للأحداث فهي نهاية بديهية ومتوقعة).

أهم أخبار فن وثقافة

Comments

عاجل