المحتوى الرئيسى

إطلاق نار عشوائي على «التفاهم السوري»!

09/09 01:10

لن يكون غبار معركة الراموسة، ولا الغارة الجوية التي ضربت في الصميم «جيش الفتح» و«جبهة النصرة» في ريف حلب، ومقتل القائد العام لـ «جيش الفتح» الشيخ أبو عمر سراقب وغيره من كبار القادة، قد انجلى بعد، عندما يجلس الوزير الروسي سيرغي لافروف مع نظيره الاميركي جون كيري اليوم في جنيف. وغالب الظن، أن كيري سيكون قد اطلع على تقرير ميداني يتضمن آخر تطورات «الثغرة» الحلبية التي اغلقها الجيش السوري والحلفاء بإحكام، قبل نضوج تفاهمات اميركية ـ روسية تراهن فيها واشنطن، على انتزاع تنازلات قاسية من الروس والسوريين.

الخطوط العريضة للتفاهمات باتت شبه معروفة، وسبق لـ «السفير»، وغيرها، ان نشرت بنودها باسهاب. لكن المماطلة الاميركية، وليس فقط العقد التفصيلية، ما يؤخر الاعلان عن اتفاق يتعرض في الوقت ذاته، الى نيران من السعوديين والاتراك... وتيار متشدد في الادارة الاميركية، يمثله وزير الدفاع آشتون كارتر، يرفض فكرة التعاون عسكريا مع الروس في سوريا، لكنه يضيف الآن ان ذلك ممكن، في حال جرى توقف كامل للاعمال العدائية، وهي جملة تستدعي «استسلاما» بالمعنى الحرفي، من جانب الحلفاء الروس والسوريين والايرانيين.

صفعة ديبلوماسية تلقتها موسكو امس، فبينما كانت طائرة لافروف تحط في جنيف، كانت الخارجية الاميركية تشارك في حفلة اطلاق النار العشوائي على فرص النجاح، وتعلن انها لا ترى فائدة ترتجى من اللقاء الآن مع الوزير الروسي، قبل ان يجري التوضيح لاحقا من موسكو، ان اللقاء بين الرجلين سيتم اليوم على الارجح، قبل ان يعلن من واشنطن خبر توجه الوزير الاميركي الى جنيف.

محاولات خنق التفاهم تفاقمت في الايام الماضية. السعودي عادل الجبير اطلق عليها النار من لندن ثم من أنقرة. العودة الى خطابات النصر المظفر على القصر الرئاسي في دمشق، تعالت بما في ذلك من «ائتلافيي الرياض» الذين لا يملكون وزنا يذكر على الارض لفرض بند الهدنة الاول في خطتهم التي لا تتمتع بتأييد رجالات ابو بكر البغدادي ولا ابو محمد الجولاني ولا عتاولة الفصائل المسلحة الساعية الى حرق الاقليم كله.

وربما لهذا، تدخل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مباشرة لدى الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، باتصال هاتفي ليل امس، بعد ساعات على افراط وزير خارجيته مولود جاويش اوغلو في حماسته الديبلوماسية وهو يستقبل الجبير، بالحديث عن ضرورة رحيل الرئيس بشار الاسد. اردوغان نفسه، الذي مهد لغزوته السورية، بتليين خطابه السوري نحو دمشق، عاد الآن ليقول ان الغزو جاء «استجابة لدعوة الشعب السوري، ولسنا في موضع يحتم علينا أخذ إذن من نظام قتل 600 ألف إنسان من شعبه»! وذلك في رد ضمني على انتقادات روسية للهجوم العسكري التركي في الشمال السوري.

لكن اللقاء اليوم بين كيري ولافروف لا يعني بالضرورة اعلان الاتفاق. قبل نحو عشرة ايام، عقدا اجتماعا مشابها في جنيف ولم يخرجا باعلان. في هانغتشو الصينية، تكرر الامر ذاته. حتى لقاء بوتين واوباما لم يبدد ما يكفي من العقبات للمضي قدما. يلمح الاميركيون الى انهم يريدون اتفاقا يستجيب الى تطلعاتهم كاملة. يراهنون على ما يبدو على رغبة الكرملين استعجال التسوية السورية، قبل رحيل ادارة اوباما. المعادلة الاميركية الجديدة الآن، تقول ان ما لم يؤخذ في الميدان، يؤخذ في السياسة. والروس ارتكبوا الخطأ القاتل منذ «هدنة شباط»، عندما ظنوا ان «عاصفة السوخوي» استكملت اهدافها العسكرية، ويمكن قطف ثمارها السياسية من ادارة اوباما. لقاء جنيف اليوم، اذا لم يخرج بانفراج بين الطرفين، قد يُدخِل المشهدَ السوري في حالة مراوحة الى حين بدء اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة، ما لم يفرض الميدان السوري وقائع جديدة.

ليس موقفا سهلا ان يخرج بيان عن الخارجية الاميركية يشير الى ان واشنطن «لا تعتقد أن من المجدي أن يجتمع كيري مع نظيره الروسي» في الوقت الذي كان لافروف يحط في جنيف منتظرا نظيره الاميركي بعد محادثاتهما الهاتفية في وقت سابق. ولا يمكن للمتابع الا ان يلاحظ فظاظة الابتزاز الاميركي هذا، اذ توحي واشنطن امام العالم انها تبحث عن حل سريع للحرب السورية، لكنها في واقع الامر ترمي نرد خياراتها على حسابات اطالة نيران الميدان، باستنزاف الروس والسوريين، قدر ما تستطيع.

كلام المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، حمل الكثير من الاشارات: يصعب الحديث عن وجود اتجاه مستدام للتسوية، لأن الإرهابيين يحاولون بكل قواهم إفشال نظام وقف الأعمال القتالية. حسب ما نفهم، فإن مهمتهم تتمثل في إعادة البلاد إلى حالة الفوضى والمواجهات، وبشكل عام، حرمان جميع السوريين، بغض النظر عن هويتهم العرقية والدينية من الحق في حياة سلمية كريمة... وكلما كان الوضع أوضح، كلما أصبحت هجمات الإرهابيين أوقح... الذين هم على علم يدركون، أنه إذا تم تعزيز اتفاق وقف الأعمال القتالية وتطورات الأحداث تتجه إلى المسار السياسي السلمي، فسوف ينتهي مصيرهم، وأيامهم معدودة». وتابعت: «الديبلوماسيون والخبراء الروس في الوقت الحالي يعملون على اتفاقية محددة حول العمل المشترك على مواجهة الإرهاب في سوريا... ولا يجري فقط تبادل الآراء، ولكن البحث عن حلول توافقية وإزالة التناقضات».

من جهته، قال المتحدث باسم الكرملين ديميتري بيسكوف إن روسيا والولايات المتحدة لم ينتهيا بعد من وضع اللمسات الأخيرة على مسودة تحظى بقبول الجانبين لحل الأزمة السورية، وأن الأمر يتطلب حلولا وسطا بشأن بضع قضايا.

أبدى وزير الدفاع الاميركي اشتون كارتر استعداد الولايات المتحدة للتعاون مع روسيا لإنهاء النزاع السوري اذا ما حصل مسبقا «وقف فعلي للاعمال العسكرية». واعتبر كارتر ان التدخل الروسي أجج «الحرب الاهلية والعنف، ولم تساعدنا (موسكو) على الاقتراب من حل سياسي يقضي باستقالة (الرئيس السوري) بشار الاسد وتشكيل حكومة جديدة تضم المعارَضة المعتدلة لخلافته».

وتابع وزير الدفاع الاميركي: «في نهاية المطاف، لا يمكن ان يتوقف العنف في سوريا قبل حصول انتقال سياسي، وللروس دور اساسي في هذا المجال، يجب ان يقفوا الى الجانب الجيد من الامور، وليس الى الجانب السيئ».

قال جاويش اوغلو خلال مؤتمر صحافي مع عادل الجبير في أنقرة إن «وقف إطلاق النار، وضمان الانتقال السياسي، وتحقيق الاستقرار في سوريا واليمن والعراق، تأتي في صدارة ما نأمله، وسنواصل جهودنا معا في الفترات اللاحقة». ولفت إلى تطابق رؤيته مع نظيره السعودي في ما يتعلق بالملف السوري، وعدم تولي الأسد أي دور في المرحلة الانتقالية، موضحا أن بقاءه يعني استمرار الفوضى في سوريا.

وقال الجبير إن مواقف السعودية وتركيا تجاه الأزمة السورية متطابقة. وتابع: «وقفنا جنبا إلى جنب مع إخواننا في تركيا، وندعم الشرعية التركية وكل الإجراءات التي تتخذها للدفاع عن نفسها».

واتهم الجبير الحكومة السورية بـ «المماطلة في التوصل إلى حل سياسي للأزمة»، مضيفا أنه «من المستحيل أن يكون للأسد مكان في مستقبل سوريا»، كما أنه «لا بديل عن الحل السياسي في سوريا سوى العسكري، ولكن بعد استنفاذ الجهود كافة».

أحكم الجيش السوري، أمس، السيطرة على منطقة الراموسة عند الاطراف الجنوبية للمدينة. وبالسيطرة على الراموسة تكون قوات الجيش قد استعادت السيطرة على طريق الامدادات القديم الى الأحياء الغربية الواقعة تحت سيطرتها، ليضاف الى طريق الكاستيلو شمالا.

أهم أخبار العالم

Comments

عاجل