المحتوى الرئيسى

«المصري اليوم» تعيد نشر ملف «اعتقالات سبتمبر» (الحلقة الخامسة) | المصري اليوم

09/08 23:08

بطرقات قوية على الأبواب في فجر يوم 3 سبتمبر، فاقتحامات، بدأت قوت أمن الدولة تنفيذ أوامر السادات باعتقال عدد من رموز التيارات السياسية المختلفة، في مذبحة باردة لم يُعرف مغزاها في حينه، فحتى فكرة استهداف الرئيس للمعارضين غابت، لأنه القائمة مليئة بالمقربين وبعض المحسوبين عليه.

يومان كاملان على هذا الحال، تُطرق الأبواب وتُقتحم المنازل دون إنذار أو تفسير، حتى صباح 5 سبتمبر، يوم وقف السادات داخل مجلس الشعب ليلقي خطابا على الأمة، ليقول: «هناك فئة من الشعب تحاول إحداث الفتنة الطائفية، وأن الحكومة حاولت نصح تلك الفئة أكثر من مرة».

دفعت تلك الكلمات بالأزمة إلى مرحلة أصعب، في ظل سياسة كسب عداوات الجميع، اختلفوا في الأيديولوجيات واجتمعوا خلف سور المعتقل، دون مبرر منطقي أو تفسير واضح، سوى أن الرئيس يرى الرافضين لاتفاقية كامب ديفيد «دعاة فتنة»، وأن المعارضة في الوقت الحالي «تهدد وحدة الوطن» حسب تعبيره، وعليه استلزم الأمر إعمال المادة 74 من الدستور المصري، والتي تنص على أن «لرئيس الجمهورية إذا قام خطر يهدد الوحدة الوطنية أو سلامة الوطن أو يعوق مؤسسات الدولة عن أداء دورها الدستوري، أن يتخذ الإجراءات السريعة لمواجهة هذا الخطر»، فكان قرار الاعتقال.

اليوم، يمر 35 عامًا على ما عرف وقتها بـ«اعتقالات سبتمبر»، التي شملت ما يزيد عن 1536 من رموز المعارضة السياسية في مصر، إلى جانب عدد من الكتاب والصحفيين ورجال الدين، بجانب إلغاء إصدار الصحف المعارضة، في مشهد لن ينساه التاريخ، خاصة أن بعض المحللين يضعوه بين الأسباب الرئيسية لاغتياله في حادثة المنصة بعدها بشهر واحد.

«المصري اليوم» تعيد نشر حلقات عن الواقعة قدمتها للقراء منذ 10 سنوات، في ملف فتحه الزميل محمد السيد صالح، رئيس تحرير الجريدة، مع كافة الأطياف، حول آرائهم في الاعتقالات التي سبقت اغتيال السادات بشهر واحد، من خلال مجموعة من الحوارات والتقارير، ليضع الضوء حول هذا الحدث وملابساته وأثره، فالتاريخ مرآة الأمم، يعكس ماضيها، ويستلهم من خلاله الدروس لمستقبلها.

مكرم محمد أحمد: السادات طلب مني الهجوم علي هيكل.. ورفضت

الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد، نقيب الصحفيين الأسبق، فى حوار خاص لـ ;المصري اليوم ;، 8 نوفمبر 2013. - صورة أرشيفية

اعداد محمد السيد صالح ١٠/ ٩/ ٢٠٠٦

قبل شهور معدودة من اعتقالات سبتمبر دخل مكرم محمد أحمد دار الهلال رئيساً لمجلس إدارتها ورئيساً لتحرير المصور بعد سنوات قضاها في بيت العائلة «الأهرام» وصل فيه لمنصب مدير التحرير للجريدة اليومية..

والتصق مكرم بشكل دقيق بالأحداث السياسية وبالمطبخ السياسي الذي كان يتميز بالسيولة والديناميكية أيام السادات.

وبوصفه واحداً من الصحفيين الباحثين عن الخبر الدقيق والمعلومة الصحيحة، سجل كاتبنا الكبير في ذاكرته جميع تفاصيل أحداث سبتمبر ٨١ ودوافعها لدي السادات وفريقه السياسي، كما أن الأمة في مصر مع كشف حقيقة الدور الذي لعبته جميع التيارات السياسية والدينية التي قرر السادات (التحفظ) علي رموزها، لاقترابه الصحفي منها في هذه المرحلة وما بعدها.. ومكرم محمد أحمد اقترب من البابا شنودة ومن الكنيسة، وحصل علي حوارات رائعة معه عن الآزمة مع السادات، كما أنه أفضل من حاور الجماعات الإسلامية واستطاع المساهمة في مراجعاتها التي ظهرت قبل سنوات، رغم ميراث الذكريات السيئة للرجل مع هذ الجماعات خاصة أن أحد ناشطيها قام بمحاولة اغتياله وسط العاصمة. مكرم محمد أحمد الذي اقترب من السادات في الظروف العصيبة التي توقعها في هذه الموضوعات، نسأله عن الدوافع الكاملة لاعتقال مصر كلها بقرار واحد من رئيسها.. وكان هذا عنوان سؤالنا الأول الذي أجاب عنه بقوله:

- السادات كان يحس أن الجبهة الداخلية غير مستقرة، وأن الجماعات الدينية لا تقف إلي جواره أو تسانده، وأنها انقلبت عليه، وأصبحت عبئاً علي مصر كلها بعد أن تزايد نفوذها إلي الحد الذي أصبح يتابع فيه أن بعض الجماعات الإسلامية تحكم مناطق بعينها.. في الفيوم أو في مدن بالصعيد، وتجاوز الأمر الحد إلي أنهم كانوا يفرضون نفوذهم في الأسواق، وسرقوا مهام الدولة.

الوضع بأكمله كان غير طبيعي.. وأصبحت هناك فوضي وعدم استقرار.

اليساريون والناصريون كانوا، هم الآخرون، يشعلون الحملات النقدية الشديدة ضد السادات وخاصة بعد مبادرة السلام وتوقيع كامب ديفيد. الوضع برمته في هذا التوقيت كان يبدو وكأن البلد داخل إعصار.

تذمر شديد لدي الأقباط، مشاكل فتنة طائفة في المطرية والخانكة وعين شمس والزاوية الحمرا. بعض المشايخ كانوا يشنون علي السادات حملات أسبوعية من فوق المنابر، وأصبح كرئيس دولة يحس بالفعل أنه لا أمان ولا استقرار ولا احترام لهيبة الحكم، حتي أن الأخوان المسلمين الذين كان السادات يثق فيهم بعد أن أفرج عنهم وسمح لهم بالعودة للعمل السياسي إلي حد ما من خلال عودة مجلة الدعوة، وكان السادات يأمل في أن يساندوه، انقلبوا عليه، بل أصبحوا قوة ضاغطة عليه.

لكن للسادات دوراً مهماً في تأزم هذا الموقف بالصورة التي شرحتها؟

- خطأ السادات الأساسي أنه عزل نفسه عن المثقفين واعتبرهم خطراً علي حكمه.. بالفعل خطؤه الأساسي، هو بعده عن المثقفين، ثم أنه بدا وكأنه يلعب بقوي المجتمع ضد بعضهم البعض، المثقفين ضد العمال، يستعين برجال الدين لمعاونته في السياسة، فأصبح يدفع لهم وفي نفس الوقت أسيراً لديهم.

أين كنت في رحلتك الصحفية خلال هذه الفترة؟

- كنت قد انتقلت إلي دار الهلال من فترة بسيطة، وأتذكر أنني كنت قد ذهبت مع السادات في أول رحلة لي للخارج كرئيس تحرير للمصور، وكانت هذه الرحلة للولايات المتحدة، وهي الرحلة التي سبقت الاعتقالات مباشرة.

وأتذكر أنه في بلير هاوس «القصر الذي كان السادات ينزل فيه ضيفاً لدي إدارة الرئيس ريجان» أفصح لنا السادات للمرة الأولي عن أنه سوف يعيد الأمور إلي نصابها، وأنه لن يترك أحداً يتلاعب بمصير البلاد. وكنت أول مرة أناقشه فيها.. وحدث خلاف ضخم بيننا لدرجة أنه دق علي الطاولة التي أمامه بعنف وارتفع صوته في المناقشة.

وقلت له حينها: أخشي أن يتسع الموضوع، فعبدالناصر بدأ بالإخوان ولم تكن لديه معلومات صحيحة وكاملة عن التنظيم السري ولا حتي معلومات عن التنظيم العام للجماعة.. والمطلوب أن تكون لديك معايير وضوابط حتي لا تتسع هذه العملية.

واتهمني السادات حينها بأنني أريد أن أمسك العصا من المنتصف.. وأن يحبني الجميع، بعد ذلك، في سبتمبر وبعد أن خطب في ميت أبو الكوم.. دعانا لكي نجلس إلي جواره في بيته هناك وطلب من كل الحاضرين أن يكتب كل واحد فينا أسماء من يريد اعتقالهم، كما طلب مني بالتحديد أن أشن حملة صحفية ضد محمد حسنين هيكل، فقلت له يا ريس موسي صبري لديه تاريخ وصراع مع هيكل، ولكني إذا فعلت أنا ذلك فلن يصدقني أحد.

وكان منصور حسن وزير الإعلام موجوداً إلي جوارنا وكان ضد التصعيد وضد عدد من الإجراءات الاستثنائية التي بدأت في هذا التوقيت في نقابة المحامين.

ودارت مناقشات ساخنة بين الرئيس وحسن، لدرجة أنني قلت لحسن ونحن في طريق العودة: أعتقد أن هذا سيكون بداية الفراق بيني وبين الحكم.. وبينك وبين السادات. ومساء اليوم نفسه قال السادات لنا: اجلسوا مع النبوي إسماعيل «نائب رئس الوزراء ووزير الداخلية» لكي يتحدث كل واحد عن خصومه.. لكي يكونوا ضمن المتحفظ عليهم، وقالوا لي من هذه الليلة: لابد أن تكتب قائمة بخصومك في الصحافة، فقلت لهم: لا يوجد لي أعداء.. فقال لي النبوي: لديك صحفي أسمه ماجد عطية.. اكتب اسمه، فقلت له هو محرر اقتصادي (يساري علي خفيف) ولا توجد ضغائن تجاهه.

وعرفت في هذه الليلة أن العديد من القيادات الصحفية كتبوا أسماء خصومهم الشخصيين، وكان بعضهم لا يعادي السادات أو يقصده الرئيس في هذه الاعتقالات أو الوقف عن العمل. وقالوا في مكتب النبوي أن عبدالله عبدالباري «رئيس مجلس إدارة الأهرام في هذا التوقيت» أبلغ عن العديد من الصحفيين منهم محمد سلماوي لوجود خصومة شخصية بين الاثنين وتم نقله فعلياً، مع غيره إلي وظيفة إدارية.

وتوسعت العملية للقدر الذي حذرت منه في بلير هاوس وكانت فترة عصيبة جداً.. حيث تم زج عشرات الصحفيين ومئات السياسيين ورجال الدين كبار السن إلي المعتقل.

- لكنك لم تهاجم هيكل؟!

- بالطبع لا.. ارجع لأعداد المصور. عبدالله عبدالباري كان ربيب نعمة هيكل في الأهرام لكنه كان يقود الهجوم عليه.. ولم يكن لديه مانع في تنفيذ توجيهات السادات كاملة.

أنا أفهم دوافع موسي صبري للهجوم علي هيكل، وأتفهم ما قلته عن عبدالباري.. ولكن أصعب هجوم علي هيكل في هذه المرحلة صدر من «الجمهورية» ورئيس تحريرها محسن محمد.

- محسن محمد اعتبر اعتقالات سبتمبر ، ثورة سبتمبر.. وأرجع إلي مانشيت الجمهورية، يوم ٥ و٦ سبتمبر ١٩٨١.

قرأته بالفعل.. بل إنه شبهها بالثورة العرابية التي كانت تحل ذكراها المئوية في نفس الأيام.

- ربما يكون محسن محمد قد أخذ تعليمات ميت أبو الكوم بمأخذ الجد أكثر منا.

- كانت البلاد تعيش حالة استقطاب، الجامعات كانت تحكم بالفعل وتعمل يومياً علي تغييب سلطة الدولة.

لكن للسادات وأجهزته الأمنية أخطاء كثيرة في هذا الملف؟

- لي تصور حول رجال السادات في هذه المرحلة.. وأعتبر هذا التصور مهماً لفهم تداعيات الأحداث فيما بعد. كان حول السادات فريقان، الأول عاقل وناضج وهم : سيد مرعي ومنصور حسن وجيهان السادات، وفي مرحلة مبكرة كان هيكل «قبل الخصومة بين الاثنين» هؤلاء كانت لديهم القدرة علي رؤية العلاقة الصحيحة بقوي المثقفين.. وكانت تعمل علي تهدئة ثورة الرئيس ضد البابا والأقباط والمثقفين، الفريق الثاني كان أبرز رموزه عثمان أحمد عثمان ومحمد عثمان إسماعيل.

أين كان محمود جامع من الفريقين

- الرجل صديقي الآن ولا أريد التحدث كثيرا عن دوره في هذه المرحلة لكن السيدة جيهان السادات كانت تقول إنه مجرد صديق للسادات ولم يكن له دور ضخم في الأحداث كما تحدث عنها فيما بعد.. فقط كان متعاطفاً بشكل شديد مع جماعة الإخوان المسلمين، وكان يسافر من طنطا لميت أبوالكوم ليؤدي الصلاة إلي جوار الرئيس. دوره لم يكن مؤثراً مثل عثمان أحمد عثمان أو عثمان إسماعيل، أو عديل السادات محمود أبو وافية، وأعتقد أن هذا الفريق الأخير هو المسؤول بشكل ما عن انتصار تيار توسيع الأزمة والفجوة بين السادات وتيارات المجتمع.

ماذا كتب عن الاعتقالات في المصور؟

ـ كنت أول من تنبه بالسيناريو كما حدث بالضبط لدرجة أن النبوي إسماعيل اتصل بي وقال لي إن النشر قد يفسد مخططاتهم.. حاولت جاهداً، فيما بعد أن أمنع توسيع الصدام وألا يصل إلي مواجهة بين الرئيس والأقباط.

وأتذكر أنني ذهبت للبابا شنودة وهو تحت التحفظ في دير وادي النطرون وكنت الصحفي الوحيد الذي يلتقي به في هذا الوقت، وكانت هناك شكوك لدي القيادة العليا والأمن بأن البابا والأقباط يحتفظون بالسلاح في الأديرة، ويومها، قال لي: أنا مستعد لاستقبال السادات لتفتيش الدير، وللأمانة ورغم دقة الأحداث وصعوبتها لم أبلغ الرئيس السادات بنيتي إجراء حوار مع البابا المتحفظ عليه، لكني كنت قد أبلغت وزير الإعلام منصور حسن فقط، وبعدها قال لي السادات: لو سألتني لقلت لك: لا تذهب وأقول إن تحركنا الصحفي كان مهماً في هذا التوقيت، فبينما كانت الجماعات الإسلامية تمثل الخطورة الأكبر علي البلاد في الداخل، كان الأقباط يشنون حملات دعائية سلمية ضد مصر في الخارج.

هل تلقيت عتاباً من الصحفيين المعتقلين أو الذين فقدوا أعمالهم خلال أحداث سبتمبر؟

ـ كان العتاب الصحفي بيني وبين بعض الصحفيين هو الموقف من زيارة إسرائيل في هذا التوقيت.. وقلت لابد أن يكون لنا حوار مع الإسرائيليين علي أن يتم ذلك من منطق القوة، وفي أي لقاء أو منتدي دولي تجد الصحفيين الإسرائيليين يحتكون بالصحفيين المصريين، والعكس لا يحدث.. وذهبت لإسرائيل بمحض اختياري.. ورأيت أن و اجبي أن أنقل ما يحدث هناك للمصريين أما فيما يخص دوري تجاه زملائي المعتقلين والموقوفين، فأنا عشت مأساتهم لأنني سبق أن تعرضت للإيقاف عن عملي ومن السادات نفسه، حيث اتهمني في ١٩٧١ بأنني أساند الحركة الطلابية الداعية لسرعة الحرب مع إسرائيل، وبقيت بلا عمل حتي أكتوبر ١٩٧٣، وكنا أن وأحمد بهاء الدين وأحمد حجازي ومصطفي نبيل نجلس في حديقة النقابة طوال النهار بلا عمل.

وأتذكر أن السادات أصدر قراره في ١٩٧١ بوقفنا عن العمل، وجاءني هذا القرار وكنت مديراً لتحرير الأهرام.. وأشرفت علي طبعه ضمن العدد الصادر في اليوم التالي، وأطلعت الأستاذ عبدالملك عودة عليه.. وقلت لن آتي غداً.. وكان الأستاذ هيكل خارج البلاد في حينها.

ما دور حسني مبارك نائب الرئيس في هذه الاعتقالات.. هل اطلع عليها أو عدلها.. أو ناقش السادات بشأنها كما قال البعض؟

ـ لا أعرف عن ذلك الكثير.. ولم أتأكد من صدق المعلومات وحده الأستاذ هيكل الذي، قال: إن مبارك كان رئيس اللجنة التي أقرت كشوف الاعتقالات في صورتها النهائية، والذي أنا علي يقين منه أن النبوي إسماعيل هو الذي وضع قوائم الاعتقالات بمشاورة عدد من رموز نظام السادات، كما أنهم أخذوا رأينا فيما يتعلق بمن هم أعداء الرئيس السادات في مقابل ذلك، بمبادرة مني أجريت حواراً مطولاً مع هيكل ونشرته علي ١١ صفحة كاملة في المصور، وأراد عبدالله عبدالباري أن يوقع بيني وبين القيادة العليا، واتصل بفؤاد محيي الدين القائم بأعمال رئيس الوزراء وحرضه علي وهددني بمصادرة المصور من المطبعة، واتصلت علي الفور بالرئيس مبارك وحكيت له ما حدث، وقال لي: إنه لا خصومات له مع هيكل.. ونشرت الحوار كما هو.

ما تحليلك لاستقبال الرئيس مبارك في ٢٥ نوفمبر ١٩٨١ لممثلين عن جميع الرموز السياسية، الناصرية والقومية والقبطية وشخصيات نسائية ماعدا الإسلاميين، حتي أن مرشد الإخوان عمر التلمساني وكان شيخاً مسناً ومريضاً ويقضي اعتقاله في السجن لم يكن ضمن هذه الرموز؟

ـ العملية تفسيرها بسيط، أحداث المنصة كانت صعبة للغاية، وبعدها أحداث أسيوط الدموية، اللواء حسن أبو باشا حكي لي حجم المؤامرة والدماء التي أسيلت في أسيوط، وكان هناك خلط كبير بين الإخوان والجماعات الإسلامية.

وأعيب علي الإخوان المسلمين في عهد السادات، أنهم كانوا لا يستطيعون مواجهة العمليات المسلحة أو حتي نبذها، ولم يستطيعوا أن يميزوا أنفسهم عن الجماعات التي كفرت النظام.

وأرد علي جزئية لماذا لم يخرج التلمساني مع الرموز، فأقول إن الإخوان لم يدينوا عمليات الإرهاب التي حدثت، أو حتي التي جرت في مصر خلال التسعينيات إلا في وقت متأخر، ولم يفعلوا ذلك إلا بعد أن تأكدوا أن المجتمع كله يدين هذه العمليات.. وأن الإرهاب أصبح، أداة حتي للجماعات العنقودية البسيطة التي تستطيع أن تصنع قنبلة المسامير، وقبل ذلك كانت قيادات الإخوان تمسك العصاة من المنتصف.

واليوم عليهم أن يحددوا مواقفهم من القضايا العامة وليحددوا هل يريدون حزباً سياسياً أم سيبقون كجماعة شبه سرية، وهل ستكون المعايير العامة لديهم خاضعة للصواب والخطأ أم للكفر والإيمان، والإخوان قوة سياسية لا يمكن تجاهلها، فلهم قدرة علي تنشئة قيادات حقيقية من قلب القواعد وقواعدهم في كل مكان.

المرشد الآن يقول إنه قادر علي تحريك ١٠ آلاف جندي في وقت واحد تجاه لبنان.. أين يدربهم.. لابد من أن يكون هناك ضبط للمواقف السياسية.. الإخوان «خطر»، لأنهم لا يريدون أن يقولوا لنا نحن حزب أم جماعة.

ما رؤيتك لمبارك عقب حلفه اليمين وكنت أنت شاهداً علي برامجه وإفراجه عن المعتقلين في نوفمبر، ومبارك في سبتمبر ٢٠٠٦؟

ـ أعتقد أن الرجل لديه نوايا طيبة وقيم عالية ونبيلة.. وأنا علي يقين أنه يكره الاحتلال الإسرائيلي والقيم الإسرائيلية.. وأنا علي يقين أيضاً أنه ليس فرعوناً ولا يدعي ذلك، وعلي امتداد رحلتي معه ابتداءً من خريف ١٩٨١ وحتي الآن، لا أشك في مواقفه الوطنية أو حماسه في بناء مصر حديثة.. ولا أشك أن مصر في عهده قد تطورت فعلياً، فهو ليست له قبضة حديدية.. ولم يدع أنه صاحب الحل الوحيد، فقط مازالت أعتقد بل أؤمن بأنه كان يستحق رجالاً أفضل حوله.

ماذا تقصد برجال أفضل.. أليس هو الذي يختارهم؟

ـ كلامي واضح ولا يحتاج تفسيراً.. ولا أريد أن أقول المزيد في هذه المسألة.

أنت زرت أصدقاءك المعتقلين أيام السادات ودخلت المعتقلات نفسها والسجون لمحاورة المعتقلين في عهد مبارك.. ما الفارق في المعتقلين؟

ـ كل السجون «وحشة» في أفلام زكي رستم كان المساجين يظهرون وهم يكسرون الحجر، الصورة غير موجودة الآن، لكن سجوننا لم تتقدم كثيراً نعم حدث لها تطوير إلي حد ما، عندما دخلت المعتقلات لإجراء حوارات مع قيادات الجماعة الإسلامية رأيت صورة أفضل للسجون، ولكن أنا أعلم أن هذا وضع المعتقلين في مرحلة المصالحة، وشهادات المنظمات الدولية مخيفة ومخجلة في بعض ما تذكره عن سجوننا.. وأنا أقول: إنها لم تصل بعد للمعايير الدولية.. ولكن حدث تطور حقيقي لطريقة المعاملة وأصبح هناك قدر من التفهم للحاجات الإنسانية للمسجونين وتحدثت أكثر من مرة مع الدكتور بطرس غالي رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان ونائبه الدكتور أحمد كمال أبوالمجد حول تحسين صورة السجون المصرية.. وأثق في قدرة الاثنين لمواصلة جهودهما لتطوير السجون.

لكن لماذا لا تتحدث مع وزير الداخلية؟

ـ تحدثت أكثر من مرة مع وزراء الداخلية في هذا الموضوع، وأتذكر أنني تحدثت مع زكي بدر وزير الداخلية الأسبق عن المعاملة السيئة للمعتقلين، وكنت حينها نقيباً للصحفيين.. وزرت في إحدي المرات الدكتور محمد السيد سعيد حينما كان معتقلاً، ووجدته ملقي علي الأرض فثار الدم في دماغي، وقلت لمأمور السجن ثم لوزير الداخلية ولغيره، أنتم لا تعرفون قدر مصر ولا تحترمون بلدكم وأهله وسوف أذهب للنائب العام، فأنا لا استطيع أن أسكت علي خطأ أو ظلم.. ولو صمت قلمي أو لساني فأنا غير جديد بأن أكتب.

الجمهورية بشرت بثورة عرابية جديدة

مع بداية شهر سبتمبر، بدأت الصحف تشير وبكثافة إلي محاولات إثارة الفتنة وزعزعة الاستقرار التي تقوم بها الجماعات المتطرفة ورموز الكنيسة وقيادات المعارضة بوجه عام، وحتي يوم ٥ سبتمبر لم يكن أحد يعلم من المواطنين أن معلومات عن حملة الاعتقالات الواسعة التي وصلت ذروتها في فجر اليوم نفسه من أجل التحفظ علي ١٥٣٦ سوي بعض المعلومات المتواترة. وكانت «الجمهورية»، والتي كان يترأس مجلس إدارتها ويترأس تحريرها محسن محمد، الأكثر تبشيراً بقرارات السادات وإجراءاته،

وجاء مانشيت الصحيفة يوم ٥ سبتمبر، أي قبل ساعات من إعلان السادات رسمياً عن هذه الإجراءات، لتسميها «ثورة ٥ سبتمبر». والأكثر من ذلك أن الجمهورية اعتبرت أن خطاب الرئيس في هذا اليوم بمثابة ثورة جديدة تعادل ثورة عرابي، وقال التقرير الرئيسي في الصفحة الأولي أن خطاب الرئيس هو ثورة ثالثة أو ثورة ٥ سبتمبر.. التي تأتي قبل ٤ أيام من الذكري المائة لقيام الثورة العرابية.

وقالت الجمهورية أيضاً إن خطاب الرئيس مرحلة جديدة، أو علي حد تعبير الرئيس نفسه مرحلة مواجهة كاملة لكل الذين يتطرفون باسم الدين ويستغلونه لتحقيق فتنة طائفية ولأغراض سياسية، وبشرت الجمهورية بأن الرئيس لن يلقي خطاباً مكتوباً، بل سيرتجل معتمداً علي نقاط كثيرة، وملفات فيها تقارير كاملة عن المحرضين علي الفتنة وما قاموا به من أعمال.

نرشح لك

Comments

عاجل