المحتوى الرئيسى

حتى لا تغرق الأحلام على شواطئ العمر

09/08 17:10

حين كنا صغاراً كنا نجيب عن هذا السؤال بكل براءة ودون تفكير: (عايز تطلع إيه لما تكبر؟)، وحين كبرنا اكتشفنا أن الإجابة عن هذا السؤال ليست بتلك البساطة.

حلم قصة الحب التي تشبه الحكايات، والفارس الوسيم الذي يخطف قلب محبوبته ويصطحبها على حصانه الأبيض ويسافران بعيداً عن العالم أجمع؛ لتستمر قصة الحب إلى الأبد، وليس كما يقال ينتهي الحب بالزواج، قصص الأميرات التي طُبعت في مخيلتنا.. اكتشفنا حين كبرنا أنها ضرب من الخيال، فلا الفارس وسيم ولا الحصان أبيض.. ولا نحن نشبه الأميرات، وإن كنا نتمنى ذلك.

كثيرون تمسكوا بهذا الحلم، فليس أفضل من الدراسة بكلية اخترتها بنفسك، وأن تنجح في التخصص الذي حلمت به طويلاً، ولكن هذا الحلم سرعان ما ينهار أمام رياح الثانوية العامة، مروراً بإعصار مكتب التنسيق، وإن أفلتَ من كل ذلك فربما تصطدم برغبات والديك اللذين يرغمانك على التخصص في مجال بعينه؛ لتكمل مسيرة العائلة الطبية أو الهندسية أو الشرطية.

وما إن تنتهي الدراسة يبدأ حلم النجاح في العمل وكسب المال وتحقيق الإنجازات، لتفاجأ حينها بواقع الحياة العملية، ذلك العالم البعيد كل البعد عن الدراسة، وإن استطعت أن تعمل في مجال دراستك فستدرك أن ما درسته لا يمت إلى الواقع بصلة، ناهيك عن ضغوط الحياة والروتين الذي ستتعرض له، ومن الممكن أن يكون عقبة حقيقية في طريقك؛ لتكتشف حينها أن قواعد التنمية البشرية التي تنصحك بالتفاؤل والنظر إلى نصف الكوب الممتلئ هي خيال محض لا مجال للتفكير فيها أو تطبيقها.

أعتقد أن الكثيرين عاشوا هذا الحلم، حلم السفر والهجرة إلى مكان بعيد عن البلد الذي عاشوا فيه طوال عمرهم، في السفر لا نبحث فقط عن مكان جديد، ربما هي محاولة لإيجاد فرصة أفضل، والعيش بعيداً عن ضغوط المجتمع التي تفرض علينا قيوداً من العادات والتقاليد، ربما نحلم بالسفر للهروب من كل شيء.. من واقع أليم ومستقبل غير واضح المعالم.. وحتى من أنفسنا.

أما الأحلام التي يصعب نسيانها، تلك التي نسجناها من خيوط أحلام أخرى، وتلك التي سعينا إلى تحقيقها ثم توقفنا في منتصف الطريق، وأي حلم بكينا من أجل أن يتحقق لا يمكن نسيانه أبداً.

بعض الأحلام لن تتحقق أبداً، كعودة الراحلين، وأن يرجع الزمن إلى الوراء، وأن تُمحى الذكريات الأليمة بيننا وبين مَن نحب، وأن ننسى كأن جرحاً لم يكن، تلك الأحلام لن يكون لها مكان على أرض الواقع، ولن تتحقق إلا في خيالنا فقط.

هناك أحلام لا تموت وإن فارق أصحابها الحياة، تلك التي تتمثل في الحلم بوطن حر.. في عالم بلا ظلم.. في حياة عادلة يسودها الأمن والأمان، هذه الأحلام التي كلما ازدادت الأوضاع السياسية سوءاً في بلادنا تمسكنا بها أكثر، ويبقى الأمل في تحقيقها يوماً ما عزاءً للكثيرين على هذه الأرض.

ومن بين كل تلك الأحلام.. يبقى الحلم الذي أجمع العالم على استحالته هو الأجمل بالنسبة لنا، تحقيقه لا يعني مجرد تحقيق حلم، بل انتصار لفكرة آمنا بها وكذبها الجميع.. حتى المقربون منا، ولم يكتفِ البعض منهم بإحباطنا فقط، بل اجتهدوا في تحطيم كل قوارب الأمل التي يمكن أن توصلنا إلى شاطئ الحلم بأمان؛ لتبقى في النهاية أحلامنا لنا وحدنا.. نحن فقط مَن يشعر بأهميتها.. مَن يراها حقيقةً في صحوه ومنامه.. وربما لا يعيش إلا من أجل تحقيقها، نحن فقط من يتنفسها.. ويعاني ويضحي من أجلها.. نحن ولا سوانا نعلم أننا نظلم أنفسنا حين نتخلى عنها.

لطالما شعرت أن أحلامي تعاتبني عندما لا أفكر فيها ولا أسعى لتحقيقها، لا يختلف الشعور عن خذلان صديق أو حبيب أو شخص مقرب، أبقيت هذه الأحلام ساكنةً في مخيلتي دون محاولةٍ لتحويلها إلى حقيقة، حتى تحولت في بعض الأحيان إلى همّ يؤرقني، فلا أستطيع نسيانها ولا يمكنني التوقف عن التفكير فيها، أراها في بعض الأحيان تعاتبني بقسوة؛ ليتبادر إلى ذهني سؤال: كيف أمكنني أن أتخلَّى عن أحلامي بمنتهى السهولة؟

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل