المحتوى الرئيسى

رامي يحيى يكتب: كتيبة حليمة السعدية.. مسخرها من أخرجها

09/08 10:02

أنا من مواليد 77.. يعني لحظات الانتقال من سيطرة ماسبيرو والجرايد القومية على العقل المصري عشتها وأنا واعٍ تمامًا، اكتشفنا فجأة إن اللي بتتلعب عندنا دي مش كورة.. وإننا مش أحسن بلد في الدنيا.. وإن نجوم السينما ممكن يبقوا بالمئات في البلد الواحدة.. وإن مفيش أي منصب في أي دولة فوق النقد.. وإن سلطة الأسرة دي حاجة منحطة تمامًا، ومفيش ليها وجود بعد وصول الأبناء لسن 18 سنة.. وإن مفيش مجتمع ناجح إلا وبيطبق القواعد دي.. ومفيش مجتمع بيعمل زينا.. إلا ومتنيل على عينه وفاشل زي حالاتنا كده.

كنا كمان دايمًا بنسمع بشغف قصص الخناقات بين الشرطة والجيش، أصل أحيانًا بلطجة الشرطة وعنجهيتها بتوقعها في شر أعمالها.. فيفرد أمين شرطة ولا ظابط نفسه كالعادة على مواطن، فيتضح إنه جيش.. أو عنده قريب من الدرجة الأولى رتبة في الجيش، وطبعا وارد جدًا تكون القصص دي مش حقيقية، بس ماقدرش أنكر إني حبيتها جدًّا.. ورددتها كتير كأني عشتها، وطبعًا ضفت لها التاتش بتاعي، وكنت بالمح في عين كل اللي بيسمعوا النوع ده من القصص لمعة نصر وفخر.

الناس كانت متعايشة مع فساد الشرطة وبلطجتها عادي جدًا.. وظهرت مقولات منحطة من سكة: (ضرب الحاكم مش عيب).. في محاولة لتبرير سكوت المواطن مننا على تلطيش الداخلية له، فكنا جميعا بنشوف في قصص بهدلتهم على إيد الجيش نصر لينا، خصوصا وإن كلنا بندخل الجيش.. بس ماحدش مننا بيدخل الشرطة!

الجيش عند المصريين حاجة كبيرة، تقريبا من أيام بداية الدولة المركزية على إيد المصريين القدماء، لإنه بيتكون من كل أسرة في الشعب.. ولإن مهمته هي حماية أراضينا ومحاصيلنا من هجمات قبائل الرعويين اللي كانوا بيهجموا علينا من آسيا، عبر سيناء.

افتقدنا جيشنا اللي بيحمينا وبيحمي أراضينا ومحاصيلنا لمدة قرون طويلة جدًا، بداية من سقوط الدولة المصرية القديمة على إيد الفرس، لغاية ما استردينا سلطة أن نحكم نفسنا بنفسنا على إيد الجيش سنة 1952م، وده طبعًا له تأثير عظيم على المواطن مننا!

استنينا عشرات القرون لغاية ما بقى عندنا جيش.. قدر يطرد الغزاة ويرجع بلدنا لينا، وعشان كده بنُجِلّ جيشنا وبنحبه، بس للآسف الجيش ماكتفاش بدوره التاريخي في حماية الشعب وأراضي الوطن، إنما تغوّل وبقى يتعامل بوصفه هو السلطة الوحيدة في البلد.. ومش من حق أي حد يقول رأيه في أي حاجة، واللي هيفتح بُقّه ولا يعترض ولا حتى يشاور على أي مشكلة موجودة.. هيروح دوغري “ورا الشمس”.

وافق الجيش بقيادة السادات على السماح للسعودية باحتلالنا فكريًا، وفعلا باظت دماغ الشعب وبقى أغلبنا أهطل من أي سعودي بيسبح بحمد آل سعود.

دارت الأيام وبقى الجيش برضه مستحوذ على السلطة بس بقيادة الرئيس الحالي، السيسي، فبعد الموافقة على الاحتلال الفكري انتقلنا لمرحلة التنازل عن التراب الوطني، فتنازل عن جزر تيران وصنافير لمملكة آل سعود.. وتم إطلاق جموع من السرسجية والمأجورين لرفع أعلام مملكة الظلام في شوارع بلدنا يوم احتفالنا بعيد تحرير سينا.

ففجأة لقى المصريين نفسهم قدام جيش بدل ما يحميهم بيقمعهم.. وبدل ما يدافع عن أملاك الدولة بيفرط فيها، وبدل ما يحافظ على استقلال الرأي المصري حوله إلى تابع، كل ده عشان يحافظ على سلطته هو بس.

هنا طبعا اختلفت نظرة المواطنين للجيش، هنا بدأوا يفكروا.. هو ده جيشنا ولا “إحنا شعبين.. شعبين.. شعبين.. شوف الأول فين والتاني فين؟”

المواطنين اللي كانوا بيرددوا أساطير بهدلة الشرطة على إيد الجيش بمنتهى الفخر.. هما نفسهم اللي بيتمسخروا على الجيش دلوقتي وبيتفننوا في صياغة نكات وإفيهات للتريقة عليه، وزي ما قال عمرو بن العاص، لحظة مقتل عمار بن ياسر على يد جيش الأمويين: “قتله من أخرجه”، فاسمحوا لي أستخدم نفس الجملة بتصرف، مع إدانتي التامة لعمرو بن العاص وكل شيعة معاوية.

أحب أقول لكل الزعلانين على سخرية المواطنين من الجيش: “مسخرُه من أخرجهُ”، الجيش مكانه في الثكنات الحربية هناك على الحدود، مش مكانه يحارب كل مواطن في أكل عيشه.

وزي ما قال الجنرال محمود نصر سنة 2012، خلال ندوة بعنوان “رؤية الإصلاح الاقتصادي”:

(سنقاتل على مشروعاتنا، وهذه معركة لن نتركها.. العرق الذي ظللنا 30 سنة لن نتركه لأحد آخر يدمره، ولن نسمح للغير، أياً كان، بالاقتراب من مشروعات القوات المسلحة)

أصبح من المعلن إن فيه مصالح اقتصادية واضحة الجيش بيدافع عنها ومستعد يقاتل عليها، وبيعتبر الفلوس دي ملكية خاصة للمؤسسة مالهاش علاقة بالدولة، وده اللي قاله نفس الجنرال في نفس ذات الندوة: (ليست أموال الدولة، وإنما عرق وزارة الدفاع من عائد مشروعاتها)

والمخيف أن يتم دلوقتي اختيار جنرال لقيادة وزارة المَيّز.. التموين سابقًا.

طبيعي إن موقف المواطن يتغير لما تتغير الصورة الذهنية عن الجيش في دماغه، من البطل اللي بيحمي الحدود، للبياع اللي بيحارب البقالين في أكل عيشهم.. ويطرد البياعين المتجولين ويفرش مكانهم، طبيعي الموقف ده يتحول 180 درجة لما الجيش يتورط في عملية مشبوهة زي بتاعة لبن الأطفال، واللي بمجرد ما حصلت الأزمة والجو سخن كان الجميع متوقع أن الجيش هيتدخل عشان يظهر في مظهر المبطل المُخَلّص!

بس المرة دي الناس ماشربتش الطبخة، لإنها كانت مكشوفة قوي، خصوصا بعد تصريح وزير الصحة بإن القوات المسلحة حاتطرح ٣٠ مليون علبة لبن من مخازنها!

وهنا الناس تساءلت: ليه مؤسسة عسكرية ممكن تخزن 30 مليون علبة لبن أطفال في مخازنها.. إلا لو عندنا كتائب من الرُّضّع؟

تم نفي تصريح وزير الصحة بعدها، لكن فيه أسئلة تانية لسه بتتطرح زي مثلا:

إزاي وزارة الصحة ما اتحركتش لما بدأ مؤشر نقص سلعة استراتيجية بالشكل ده يظهر في المخازن؟

إزاي غلطة بالفداحة دي ماينتجش عنها أي حركة تغييرات واسعة جوه منظومة وزارة الصحة؟

إزاي تم حل المشكلة وبسرعة عن طريق وزارة غير متخصصة في المشاكل اللي من النوع ده؟

إزاي تحولت العلبة المدعومة من سعر 3ج وسعر 17ج إلى سعر 30ج.. وكمان نشكر الجيش؟!

الإجابة الوحيدة الممكنة على كل ده إن العملية من بابها متظبطة..

3- الناس هتهلل لك.. وماحدش هيبص على فرق السعر، المهم إنه أنقذ عياله من الموت.

أهم أخبار مقالات

Comments

عاجل