المحتوى الرئيسى

تحقيقات الجزيرة تكشف فساد رأس السلطة بالمالديف

09/08 09:55

تمكنت وحدة التحقيقات في شبكة الجزيرة من كشف النقاب عن فساد ضخم في أعلى هرم السلطة في المالديف، يشتمل على السرقة والرشوة وغسيل الأموال.

رئيس المالديف نفسه، عبد الله يمين عبد القيوم، متهم بتلقي دفعات من الأموال نقدا محشوة في حقائب، تصل كل دفعة منها إلى ما يقرب من مليون دولار أميركي، وقد بلغت الدفعات حجما بات صعبا معه حملها، بحسب ما يقوله أحد الرجال الذين كلفوا بنقل الأموال.

في فيلم وثائقي جديد بعنوان "الجنة المسروقة"، تكشف الجزيرة عن معلومات لم يسبق أن نشرت من قبل حول كيفية ممارسة الفساد على المستوى الدولي.

 يسرد وثائقي الجزيرة الحكاية من خلال بيانات تم الحصول عليها من ثلاثة من الهواتف الذكية التي كان يملكها نائب الرئيس السابق أحمد أديب، ومن خلال العشرات من الوثائق السرية، كما يشتمل الوثائقي على اعترافات سجلت سراً لثلاثة رجال اختلسوا الملايين وسلموا المال المسروق بأوامر من الرئيس ونائبه.

ومما يثبته البرنامج أن وزراء ومساعدي الرئيس خططوا لغسل ما يقرب من 1.5 مليار دولار أميركي من خلال البنك المركزي في المالديف، وذلك بمساعدة رجال أعمال سريين من سنغافورة وماليزيا وإندونيسيا. وتضمنت المؤامرة خطة لنقل ما يقرب من مئة مليون دولار نقدا عبر الجو في كل مرة، وتمرير المبالغ عبر سلطة النقد المالديفية ثم إعادة تحويلها إلى الخارج تارة أخرى.

التقى مراسل الجزيرة المتخفي بأحد رجال الأعمال المشاركين في المخطط، واسمه فايدزان حسين من ماليزيا. قال المراسل لفايدزان إنه يمثل عملاء أثرياء لديهم علاقات ومعارف سياسية على أعلى المستويات، وأخبره بأنهم يتعاملون بالنقد ويصرون على السرية التامة. قال فايدزان إن بإمكانه المساعدة، وسأل: "كم عدد الألواح (التي تكدس عليها الأوراق النقدية) لديكم؟".

وأضاف: "أنا لا أتاجر لا بالسلاح ولا بالمخدرات، وهذا هو". فيما بعد نفى فايدزان حسين مزاعم تورطه في خطة لغسيل الأموال في المالديف، وقال للجزيرة إنه أسيء فهم التصريحات التي أدلى بها لمراسل الجزيرة، وأن هذه التصريحات أخرجت من سياقها الصحيح.

يشتمل البرنامج الوثائقي على مقاطع مصورة لثلاثة رجال يصفون فيها كيف كانوا يوصلون حقائب النقد إلى الرئيس والسيدة الأولى وكبار القضاة، وإلى العديد من السياسيين والمسؤولين الآخرين. حيث قال أحدهم: "النظام بأسره فاسد".

أما سائق نائب الرئيس السابق فيقول ضاحكا "أما بالنسبة للرئيس فالأموال يصعب حملها"، ثم يسرد حكاية كيف قام بإيصال مئة ألف دولار إلى الرئيس، ليقال له عند الوصول إن المبلغ الذي طلبه الرئيس هو مليون دولار، فما كان منه إلا أن عاد أدراجه ليأتي ببقية المبلغ.

تكشف الرسائل النصية التي استخلصت من هواتف نائب الرئيس عن إساءة هائلة لاستخدام الصلاحيات، فقد أمر نائب الرئيس أحمد أديب مفوض الشرطة بأن "يفجر" قناة تلفزيونية سبق أن أضرمت فيها النيران وأحرقت بالكامل في عام 2013. كما تآمر مع الشرطة من أجل "إشعال" مكتب حكومي يؤوي ما يقرب من مئتي موظف. كان المستهدف من الهجوم هو نياز إبراهيم، المدقق العام الذي كان يحقق في مزاعم بضلوع نائب الرئيس في الفساد، ونياز هذا هو الذي وصف ما كان يدبر له بأنه إرهاب من قبل الحكومة ضد شعبها.

كما تفيد الشهادات الواردة في الوثائقي بأن فترة العقوبة التي حكم بها على الرئيس السابق محمد نشيد بتهمة الإرهاب -وهي السجن 13 عاما- كان قد حددها الرئيس يمين بنفسه وبشكل مباشر.

يصف أحد الرجال الذين كانوا يكلفون بنقل الرشى كيف استدعي إلى المحكمة ليتسلم نص الحكم الصادر ضد نشيد، والذي عرض فيما بعد على الرئيس يمين، الذي أمر بدوره بإدخال تعديل على الحكم. قال المصدر "في اليوم الذي حكم فيه على نشيد، دعوني وطلبوا مني أن أذهب لاستلام خطاب... الحكم على نشيد. ثم قال الرئيس لنائبه هناك ما ينبغي أن يعدل. وفي تلك الليلة أصدروا الحكم على نشيد".

كما يكشف وثائقي "الجنة المسروقة" ما يأتي:

1- دليلا يربط رئيس المالديف بأكبر فضيحة فساد في تاريخ البلاد، حيث جرت سرقة ما يقرب من ثمانين مليون دولار من ريع عقود الإيجار المبرمة حول المنتجعات الفارهة. تمكنت الجزيرة -عبر الجهة الدافعة وعبر مصدر في البنك الذي تم فيه الإيداع- من إثبات صدقية إيصال إيداع يثبت أن الرئيس تلقى شيكا بمبلغ نصف مليون دولار، قال الشخص الذي أودعه في البنك إنه "قد تم تحويله في نفس اليوم، خلال ثلاث ساعات".

2- ما يقرب من ألفي صفحة من الوثائق القانونية التي تتهم الرئيس يمين "بالفساد والاحتيال ضمن كيانات مملوكة للدولة"، بما قيمته ما يقرب من 150 مليون دولار. وقد اشتملت عمليات الاحتيال على بيع النفط إلى الطغمة العسكرية الحاكمة في ماينمار في مطلع عام 2000، عندما كانت لا تزال خاضعة للعقوبات التجارية الأميركية.

3- أنه بعد أسبوعين من اختفاء صحفي بارز، أخبر الرئيس يمين وزير الشؤون الداخلية بأنه "لا داعي للاهتمام" بالتحقيق في القضية، وقد أرسلت نسخة من الرسالة إلى الحكومة. قال محرر صحفية مالديف إندبندنت: "يفهم من ذلك وجود عملية تستر ضخمة للغاية" أو "أن الرئيس ونائبه كانا متورطين"، إلا أن وزير الشؤون الداخلية السابق عمر نصير نفى أن يكون قد تلقى مثل تلك الرسالة.

4- أن سجلات الهاتف تظهر أن نائب الرئيس أعلن نفسه "زعيما لكافة العصابات في المالديف"، وأنه مول هذه العصابات وحاز -بشكل غير قانوني- على مسدس ورصاصات، كما أنه كان يتحكم بكل واحد من أعضاء هيئة مكافحة الفساد، ويبدو أنه كان على علاقة غرامية مع واحدة من الأعضاء.

5- أنه بعد الانفجار الذي وقع في قارب الرئيس يمين في أكتوبر/تشرين الأول 2015، والذي زُعم أنه كانت محاولة لاغتياله، حصلت الجزيرة على ثلاثة تقارير مخبرية منفصلة قام بها مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي والمملكة العربية السعودية وسريلانكا. وفي الوقت الذي زعم فيه السريلانكيون أن التفجير يمكن أن يكون ناجما عن قنبلة صنعت محليا، أفاد الخبراء الأميركيون والسعوديون بأن الانفجار كان حدثاً عارضاً. إلا أن الرئيس اتهم نائبه ووزير الدفاع بأنهما يقفان وراء العملية وأمر بسجنهما. يتضح من الأدلة المتوفرة أن الرجلين سجنا دون وجه حق بناء على مزاعم باطلة.

تثبت المصادر والرسائل النصية أن قضاء المالديف أبعد ما يكون عن الاستقلالية، فقد حصل كبار القضاة على أموال وشقق فارهة، كما تثبت أنهم يلتقون بشكل منتظم بالرئيس ونائبه الذي يتدخل في القضايا المثيرة والكبيرة وفي التعيينات القضائية.

ففي إحدى الرسائل النصية، يعلن النائب العام السابق عن الولاء المطلق لنائب الرئيس أحمد أديب، ويعد بأن "لا أحد بإمكانه أن يمسه بسوء". وفي رسالة نصية أخرى يطمئن القاضي في المحكمة العليا علي حميد نائب الرئيس بما يأتي: "سوف نبقى جنوداً إلى أن تنتهي المهمة في عام 2018! أو في عام 2023؟ ههه! ههه! هه".

ويتضح من الرسائل النصية أن الرئيس ونائبه أمضيا ستة شهور وهما يعملان من أجل إنقاذ القاضي حميد، بعد أن كاد يحرم من ممارسة المهنة بعد تورطه في فضيحة جنسية. وبعد نجاحهما كتب القاضي يقول "أخي العزيز، أنت وصاحب السيادة الرئيس، لقد قمتما بأكثر مما هو مطلوب خدمة لي ولعائلتي. سيدي، سوف أظل دوماً ممتناً".

أهم أخبار اقتصاد

Comments

عاجل